المجد – وكالات
قبل شهور قليلة، دخلت إيمان – اسم مستعار – في حوار جاد مع الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين على منصة تويتر، تطور الحديث بينهما إلى جدال سياسي ومن ثم إلى شتائم، حتى وصل إلى تهديد مبطن عبر الهاتف.
تفاعلت إيمان مع تغريدة لكوهين انتقد فيها موقف الأردن المؤيد للقضية الفلسطينية، حيث شتمت الناشط الإسرائيلي على وسائل التواصل، ما دفعه لتصوير الرد ونشره مرة أخرى على صفحته.
قالت إيمان التي تحضر حاليًّا رسالتها للدكتوراه: “بعد أن تفاعل المئات مع ردي على كوهين، اضطر لنشر تعليقي عليه في تغريدة منفصلة، وقال: “هذا هو مستوى الأكاديميين العرب”.
في مساء ذات اليوم، هاتف أحدهم إيمان من بريطانيا، وأشاد بذكائها وجمالها وثقافتها، ثم لامها عما صدر منها على تويتر، وأخبرها “مشكلتنا مع اليهود والإسرائيليين سببها العولمة. طول عمرنا أصحاب وعايشين مع بعض”.
وفي أثناء المكالمة، جاءه اتصال على تليفونه الآخر، فقال لها: “استني دقيقة، صاحبك إيدي كوهين يتصل”، وتقول إيمان إنها بدأت بشتمه وأغلقت التليفون في وجهه، ومن ثم عطلت حسابها على تويتر، خوفًا من أي ملاحقة أو تهديد.
يدير الاحتلال الإسرائيلي ومخابراته عشرات الحسابات المعروفة والمجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق أهدافه.
لم تستجب إيمان، حالها حال مئات الفلسطينيين والعرب، للتحذير المستمر من التعامل مع حسابات الإسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يحاول ناشطون ونخب تجريم الاحتلال عبر الرد على تغريداتهم، لكن الحقيقة أن ذلك لا يحقق أي نتيجة.
حسابات مشبوهة
يدير الاحتلال الإسرائيلي ومخابراته عشرات الحسابات المعروفة والمجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق أهدافه، ويجند في سبيل ذلك الأموال الطائلة والإمكانات الكبيرة. ومن تلك الحسابات: صفحة “المنسق” و”إسرائيل في مصر” و”إسرائيل في الأردن” وصفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، إضافة إلى حساب الصحفي الإسرائيلي الشهير الذي يغرد بالعربية، إيدي كوهين.
تعمل حسابات الاحتلال باللغة العربية في مواقع التواصل على محاولة تحسين الصورة الذهنية لـ”إسرائيل” بإظهار إنسانية مزعومة وانفتاح في التواصل مع الشعوب العربية والإسلامية من خلال التعرف على ثقافاتها واقتباس عاداتها.
توجد إعلانات ممولة لتلك الصفحات من أجل استقطاب جمهور جديد يساهم في زيادة نشاطها أو يظن أن كسر حاجز التواصل مع المحتل أمر ضروري.
إذ ينظر فيسبوك لهذا التعليق على اعتبار أنه تفاعل بغض النظر عن محتواه، كما أن القائمين على هذه الحسابات يهمهم استقبال أكبر عدد ممكن من المتفاعلين لدراسة سلوكهم والتعرف على ظروف حياتهم من خلال تصفح حساباتهم ومتابعة نشاطهم الرقمي، وفق صافي.
وأضاف “في حين أن هناك حملات كثيرة تحذر من التعامل مع هذه الصفحات، توجد أيضًا إعلانات ممولة لتلك الصفحات من أجل استقطاب جمهور جديد يساهم في زيادة نشاطها أو يظن أن كسر حاجز التواصل مع المحتل أمر ضروري”.
مصائد الإغراء
يرى صافي أن جميع هذه الأساليب – إيجابية وسلبية – غير مجدية بل هي طريق للوقوع في شباك الاحتلال والتعرض لمكائده، ومن ذلك، ما حدث مع إيمان التي تقول إن من أجرى الاتصال بها، أخبرها عن إمكانية توفير منحة دراسية لها في بريطانيا، وحرصه على إرسال روابط تلك المنح لها عبر تطبيق واتساب، مضيفةً “إنهم يدرسون الشخصية ويعرفون رغباتها ويباشرون بإغراقها بالعروض، خاصة إذا كانت مؤثرة وفاعلة على مواقع التواصل، وتستطيع تغيير وجهة النظر العربية تجاه إسرائيل”.
تتفق مع هذا الرأي، الباحثة المصرية آلاء فوزى، التي ترى أن “إسرائيل” تضغط على وتر معاناة المواطن العربي من الظلم والقهر في بلاده، وتصور له نفسها كمكان مثالي للعيش برفاهية.
وتقول في رسالتها للماجستير التي أعدتها عام 2015: “تل أبيب تنشر موضوعات تتضمن إغراءً ماديًا، ودعوة خفية لهجرة الشباب العربي إليها، مثل: نرحب بالمهاجرين الجدد، ونحتضنهم بكل محبة ورعاية واهتمام حميم، ونثمن مجيئهم لإسرائيل”، وأخرى مثل: نقدم لهم المساعدات في كل المجالات”.
في هذا الخصوص، توصلت الباحثة المصرية إلى عدة نتائج من بينها “حرص خطاب الدبلوماسية الشعبية الإسرائيلية على تلميع صورة الكيان المتمثلة في امتلاك جميع مظاهر القوة الذكية كالنظام السياسي العادل والديمقراطي والجيش القوي والتقدم التكنولوجي والعلمي والاقتصادي، والتنوع الثقافي والديني والحضاري، وهو ما ينعكس على تقييم المواطن العربي لها كنموذج يحتذى به”.
ومن الملاحظ أيضًا نشاط تلك الحسابات في أوقات معينة وخلال أحداث مفصلية، فمثلًا تزيد وتيرة تفاعلها في غضون الإعلان عن تطبيع مع إحدى الدول العربية سعيًا لإقناع الجمهور الافتراضي بمفهوم التعايش والسلام، أو خلال تقديم مساعدات لدولة منكوبة ترويجًا لوجهها الإنساني، أو في أثناء العدوان على قطاع غزة تبريرًا لانتهاكاتها.
ما الحل؟
إن التعامل مع هذه الصفحات كما يرى خالد صافي، يمكن أن يتم عبر “التبليغ عن نشرها الكراهية وحضها على العنف، إضافة إلى التقييم السلبي لها بوضع أقل تقييم ممكن في حال كانت خانة التقييم مفتوحة”.
ويشدد صافي على ضرورة عدم متابعة الصفحات أو الإعجاب بمنشوراتها أو التعليق عليها، مضيفًا: “أما عند الاقتباس والنشر على حساباتنا وصفحاتنا الإعلامية لا نشير بإشارة (tag) لهذه الصفحات ولا نعمل لهم ذكر تفاعلي (mention)”.
يمكن إفراد قسم كامل للصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية ورصد أخبارها ومنشوراتها دون الإعجاب أو التفاعل معها.
ودعا إلى التعامل بحذر مع كل ما يطرح من خلال هذه الصفحات لأنه مدروس بعناية وموجه لتحقيق أهداف وضعها الاحتلال بعد دراسات معمقة كما أنه يسعى دائمًا لقياس نبض الشارع ومعرفة ردود الفعل، “فلا نقدم له هذه الفوائد على طبق من فضة”.
وبالنسبة إلى الصحفيين والإعلاميين والباحثين وكل المهتمين بالشأن الإسرائيلي، فإن ضرورات العمل تتطلب منهم أن يكونوا في قلب الحدث، ولكن يُفضل في هذا الخصوص أن يفردوا قسمًا كاملًا للصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية ورصد أخبارها ومنشوراتها دون الإعجاب أو التفاعل معها. كما يمكن أن يعتمدوا على الوكالات والمواقع الإخبارية الرسمية بدلًا من تلك الحسابات التي تروج للدعاية الإسرائيلية.
ومع ضعف الاستجابة العربية لمقاطعة الحسابات الإسرائيلية، يكمن الحل من وجهة نظر خالد صافي بـ”نشر قصص استدراج سلطات الاحتلال للشباب، وإعادة تمثيل عبر مقاطع مرئيّة تفاعلية لما يجري في الغرف المغلقة التي تدير هذه الصفحات، ورصد الأرقام والمعلومات التي يستفيد منها الاحتلال من خلال تفاعل الجمهور مع هذه الحسابات”، لعلها تكشف حقيقة مظاهر الانفتاح والسلام الإلكتروني الذي يخبئ الاحتلال خلفها انتهاكاته وجرائمه في الواقع الحقيقي.