مدونة المجد

✍️ الاحتلال ينكمش بالمقاومة ويتمدد بالتطبيع

بقلم: ياسر الخواجا

(مدونة المجد)

إن المُتتبع للأحداث منذ قيام الكيان الصهيوني قبل ما يقارب السبعين عاماً؛ يتبين له أن هذا المشروع مر بعدة مراحل: منها انتصار، وتمدد، وفشل، وانكفاء.

لقد نجح الاحتلال في الاستيلاء على فلسطين من خلال عصاباته (الهاجاناه – شتيرن – آرجون)، وذلك عبر المجازر، والقتل، وتهجير ما يقرب من مئة ألف فلسطيني عن أرضهم، وتدمير ما يقارب (530) مدينة وقرية فلسطينية.

هذه المنظمات التي كانت تمتلك كل أدوات القتال العسكري والأمني، الذي حصلت عليه من خلال الدعم الاستعماري الغربي اللامتناهي، والذي لم يكن نهايته الاعتراف بالاحتلال دولياً.

فبعد أن تمكن الاحتلال من توطيد سيطرته، وتشكيل كيانه المعترف فيه دولياً على أرض فلسطين التاريخية، لم تكتفِ بذلك، بل استمر طموحها الكولونيالي الجامح باحتلال ما تبقى من أراضٍ فلسطينية عام 1967م، والتي تشمل القدس والضفة الغربية وغزة، بالإضافة إلى التوسع والتمدد في الأراضي العربية، واحتلال أجزاء أخرى منها: (كهضبة الجولان السورية، وسيناء المصرية، وأجزاء من الأراضي اللبنانية في منطقة (مزارع شبعة)، وما يسمى بالشريط الحدودي بجنوب لبنان، وصولاً إلى العاصمة بيروت، ثم توجت نشاطها الاحتلالي بتوقيع اتفاقية (كامب ديفيد مع مصر) ولاحقاً اتفاقية (أوسلو مع منظمة التحرير)، واتفاقية (وادي عربة من الأردن).

كل هذا شكل مرحلة صعود وانتصار للمشروع الصهيوني، وكان هذا الجهد الاحتلالي تحولاً هاماً في الصراع لمصلحته، إلا أن هذا الانتصار وهذا الصعود بدأ بالانحدار والتراجع، بدءًا في حرب 1973م التي خاضتها مصر وسوريا، والتي شكلت فيها انتصارًا جزئياً على الاحتلال، واعتبرت هذه الحرب بداية الانكفاء والانحدار للمشروع الصهيوني، ثم كانت انتصارات المقاومة في لبنان عام 2000م الأمر الذي أدى إلى انسحاب قسري لجيش الاحتلال عن معظم المناطق التي كان يحتلها في الجنوب والبقاع الغربي دون قيد أو شرط، أو دون أن يكون له في لبنان سفارة أو علم يرفرف، وهذه سابقة لم تكن في تاريخ الصراع (العربي- الصهيوني)، ثم مروراً بالانتصار الجبار للمقاومة في حرب 2006م في لبنان، وليس انتهاءً بالانتصارات التي حققتها المقاومة في غزة بدءًا من العام 2005م، الذي أجبرت المقاومة فيه الاحتلال على الانسحاب من غزة تحت وطأة ضربات المقاومة الموجعة، التي جعلت كلفة الاحتلال غالية وباهظة الثمن، إضافة إلى هزيمة الاحتلال عبر الحروب الخمسة التي شنت على غزة، والتي كان آخرها (معركة سيف القدس- ومعركة وحدة الساحات) وما خلفته تلك المعارك من اشتعال مستمر في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما أحدثته من تحولات كبيرة في قدرات وإمكانيات المقاومة في غزة والقدس والضفة، ولاسيما في شمال الضفة، وذلك من خلال الكتائب المسلحة، والتي باتت اليوم مصدر إلهام للمقاومين والاستشهادين الذين بات يطلق عليهم (الذئاب المنفردة).

لقد كان للانسحاب من غزة كبير الأثر على الأحزاب اليمنية القومية والدينية الصهيونية التي كانت وما زالت تعتقد أن المستوطنات في غزة كـ(تل أبيب)، وهذا ما دفعهم من جديد للتصويت على قانون إلغاء فك الارتباط. بالإضافة إلى أن كل هذه الأحداث والهزائم التي مُني بها الاحتلال شكلت لديه حالة من التراجع الاعتقادي والأمني والعسكري، وضربة ساحقة لفكرة ومعادلة (دولة إسرائيل الكبرى).

إن هذا الصعود لأسهم المقاومة أدى في المقابل إلى تراجع وانكفاء في المشروع الصهيوني، وخصوصاً في فكرة (إسرائيل الكبرى) كما ذكرنا، والتي يحاول العدو جاهداً أن يبقيها حية في ذاكرة الأجيال، فيقوم بعدة خطوات للحفاظ على وجوده، ويتمثل هذا بإجراءات عملية ترحيل سكان الخان الأحمر، وتنفيذ إلغاء فك الارتباط، وبناء بؤر استيطانية جديدة، وضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. ولكن عبثاً يحاول، فكل هذه المشاريع تحتاج إلى حالة من الاستقرار لتمريرها وتنفيذها، الأمر الذى لم ولن تسمح المقاومة بتوفيره للاحتلال، عبر العمل المقاوم والمستمر.

وللإبقاء على حالة التمدد لديه مستمرة، سعى الاحتلال لتحقيق حلم التطبيع بالاتفاق مع بعض الدول العربية الخاضعة للإملاءات الصهيونية والأمريكية، ومنها: (الإمارات والبحرين والمغرب والسعودية والسودان)؛ للحصول على مزيد من الحلفاء، بالإضافة إلى الاعتراف بهم كدولة قائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجعل الوجود الصهيوني فيها أمراً طبيعياً شرعياً ومسلماً به، مستغلين بذلك ما بينها وبين تلك الدول من القواسم والمصالح المشتركة التي تدعم بالمحصلة الأولى والأخيرة مصالح دولة الاحتلال.

ولا شك بأن هذا التوافق التطبيعي قد شكل جملة من المخاطر على القضية الفلسطينية، فهذه التطبيعات تعطي الاحتلال فرصة ذهبية للاستمرار في تمدد مشروعه من جديد، حيث يعد التطبيع اعترافاً ضمنياً بحقها في الوجود على الأراضي التاريخية الفلسطينية. وهذا يعنى تفريطاً واضحاً بحقوق الشعب الفلسطيني وجهاده الممتد منذ أكثر من 70 عاماً. الأمر الذى يقلب المعادلات والحقائق في تحويل العدو المركزي للأمة إلى صديق وحليف استراتيجي يتم الاعتماد عليه في حماية تلك الدول المطبعة، مما يفتح له الباب على مصراعيه للانفتاح على العوامل (الثقافية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والتجارية)؛ لتزداد هذه الدول من تبعية إلى تبعية أكثر.

الخلاصة:
هناك صراعان كبيران تعيشهما دولة الاحتلال، الأول: الذي يتمثل بالتحدي الذي تفرضه المقاومة التي تسعى بكل الوسائل للقضاء عليه ووقف تمدده، والعمل على انكماش مشروعه. والثاني: المتمثل بالسعي المحموم في موجة التطبيع مع العرب، والذي يسعى من خلاله الاحتلال لإنقاذ مشروعه، وإعطائه كل الفرص من أجل ديمومة بقائه وتمدده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى