لأنتم (أشد) رهبة في صدورهم من الله. بأس بينهم (شديد).
رهبتهم منا التي هي أشد مما يرهبون الله، ذلك بأنهم قوم لا يفقهون، فهم لهذا يختلقون الفرقة بيننا، جاهدين على ذلك، “لا يقاتلونكم جميعاً”.
فإن كان ثمة خشية من ذلك، فهم يحتاطون بـ “قرى محصنة أو من وراء جُدر”.
فيقيمون تجمعاتهم في قرى محصنة، وهذا ما نشاهده في كل مغتصباتهم سواء في الضفة الفلسطينية أو في مستوطنات غلاف غزة، وكذلك الـ جُدر التي تأتي دلالة كثرة وتنوع.
نعم، هي جدر متعددة ومتنوعة وأقاموها على فترات، ولازالوا يقيمونها، فكلما اخترق جدار عززوه بآخر، حتى أصبح حول غزة وحدها أكثر من خمسة جُدر منها فوق الأرض وأخرى تحت الأرض، ومنها الشائك والسياج والحديد والخرساني والإلكتروني..، ولكل منها وظائف خاصة، بالإضافة لمنظومات الدفاع الجوي المتعددة (القبة والمقلاع والسهم)..
وهم بها (يظنون) أنها مانعتهم من قدر الله الغالب، الذي يرتقبونه (الخراب المنتظر).
ولكنهم لم يحتسبوا لما يتسرب بينهم من شقاق وخلاف، والذي يكون عامل حاسم في خراب كيانهم؛ لأن هذا الخلاف سيترجم إلى صراع ذا بأس شديد بينهم.
وهنا، يلتقي العامل الذاتي “بأسهم بينهم شديد” لم يحتسبوه. مع التهديد الخارجي” لأنتم أشد رهبة في صدروهم من الله”.، وهذا الذي تحسبوا منه كثيراً، وعملوا كل جهدهم للحيلولة دون سقوطهم؛ فبنوا ما ظنوا أنه يمنعهم منه.
والحقيقة أن (الخراب) الذي ينتظرونه سيبدأ من الداخل الذي لا يحتسبونه؛ فتسقط حصونهم من حيث لم يحتسبوا ثم يعقبه مباشرة أو يتزامن معه، (التهديد الخارجي) الذي يتربص بهم ويتربصونه ويحتاطون منه.
وقد جاء العامل الذاتي ذكره تعريضاً في مطلع الحشر،” فأتاهم الله من حيث (لم يحتسبوا)، وقذف في قلوبهم الرعب”.
ونتيجة العاملين معاً “يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين”.
ولأنهم قوم لا يعقلون، فقد تغافلوا شتات خلافهم، وانشغلوا يحتاطون مما يرهبونه، وهو نحن، (التهديد الخارجي)؛ فأشغلهم ذلك عن خلافهم الذي سيكون بأساً شديداً بينهم، وكأنه رهبتهم الأشد منا أنستهم شديد بأسهم واختلافاتهم مع أنفسهم، فإذا بها تنفجر كبركان يدمر كل ما بنوه..
فهم لم يتجاهلوا ما بينهم من خلافات بل وعمدوا أن يظهروا نقيضها، وهي الوحدة والتماسك، ولهذا عبر القرآن الكريم بقوله: “تحسبهم جميعاً”.
والحقيقة أن اخلافهم ليس في الفكر والرأي بل في العقائد، لهذا عبر القرآن عنه بقوله: “وقلوبهم شتى”، والقلوب محل الاعتقاد، وليس اختلافاً في الرأي بما يكون من الاجتهادات الفقهية.
إذاً، الخراب ثم الخراب نهاية كيان البغي والإجرام، ولن تمنعهم حصونهم، ولا تحول علاقاتهم وأحلافهم دون قدرهم المشؤوم الذي ينتظرونه، وإن وعدوهم بأن لا يسمحوا بإخراجهم، وأنهم ينصروهم إن قوتلوا.. ولكن كل هذا زعم لن يغني عنهم من الله شيئاً، “فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا”.
هي الحقيقة الشاخصة الواقعة التي ستراها الأبصار المعتبرة، “فاعتبروا يا أولي الأبصار”.