(مدونة المجد)
لا تكاد سلطات الاحتلال الإسرائيلي تشعر بنشوة القضاء على خلايا للمقاومة حتى تصطدم بنمو خلايا جديدة أكثر عنفواناً وحماساً وشراسة في مواجهة جنودها خائري القوى رغم أسلحتهم المتعددة وخبراتهم القتالية المتنوعة، الأمر الذي يعكس حيوية الشعب الفلسطيني وإصراره على لفظ الاحتلال وكنسه عن ترابه الوطني مهما بلغت التحديات وعظمت التضحيات، فالواقع يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن قوافل الشهداء لا تمضي سدى، وأن الذي يمضي هو الطغيان، وأنه لا سبيل أمام الاحتلال الهرم سوى الرحيل عن الأرض المباركة ونسيان أوهام الهيكل المزعوم، وإلا فالشعب الفلسطيني له بالمرصاد.
وفيما تستنفر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية محاولة بكل طاقتها القضاء على عرين الأسود، يقف الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه خلف من حملوا لواء المقاومة وانبروا للدفاع عن المقدسات والحُرمات التي وغل الاحتلال في استباحتها متوهماً أن الشعب الفلسطيني رفع الراية البيضاء، وأن مشاريع التسوية والتصفية والإلهاء حرفت بوصلة الفلسطيني عن المسجد الأقصى المبارك، لكن الرياح جاءت بغير ما تشتهي سفن الاحتلال الإسرائيلي، وغرد رصاص الثائر الفلسطيني بأعذب ألحان الوطنية، وأبلغ عبارات الوفاء لنهج الشهداء، مجدداً العهد على مواصلة درب الأسرى، ليكون بذلك لسان حال الشعب الفلسطيني الطامح للحرية والانعتاق من نير الاحتلال الإسرائيلي البغيض.
إن الحالة الثورية المتنامية في أزقة ومخيمات الضفة الغربية التي عانت كثيراً تحت وطأة التنسيق الأمني تحمل في طياتها بذور كنس الاحتلال عن الضفة الغربية، وتفتح الأفق أمام انحسار جديد للمشروع الصهيوني، وتقرع أجراس العودة مهما طال الزمن، لاسيما أنها تجدد التأكيد على طبيعة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وتميط كل مساحيق التجميل والتطبيع المخزي مع عدو الأمة، وتحبط كل محاولات التخفيف من تكلفة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فلا سلام اقتصادي ولا غيره يمكن أن يقنع الشعب الفلسطيني بالتنازل عن ترابه الوطني المجبول بدماء الشهداء، أو القبول بمشاريع تصفية مقابل أوهام لا تسمن ولا تغني من جوع.
ولعل أبرز ما يقلق الاحتلال وأجهزته الأمنية حجم الالتفاف الشعبي الواسع حول عرين الأسود، والذي تجسده مسيرات تشييع الشهداء، فضلاً عن الاستجابة الكبيرة لدعوات الإضراب والتكبير بل والتعمية على فرسانها من خلال المبادرة إلى حلاقة الرأس على “الزيرو”، وغير ذلك من مظاهر الدعم والإسناد الشعبي، الأمر الذي يعكس فشل جهود الاحتلال ومن دار في فلكه لتدجين الشعب الفلسطيني ونزع إيمانه العميق بالمقاومة كخيار استراتيجي لكنس الاحتلال عن التراب الفلسطيني، وتؤكد انفضاض الفلسطينيين عن مشاريع التسوية والتصفية التي يقر عواجيزها فضلاً عن الواقع المرير بفشلها الذريع في تحقيق طموح الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال.
ومن نافلة القول، إن مجموعات عرين الأسود -التي توشحت بالعلم الفلسطيني وحده- تمثل شاهد حي على فشل التنسيق الأمني في وأد جذوة المقاومة المستعرة في صدور الشباب الثائر، وتعكس عجز الاحتلال عن ضمان الأمن لجنوده ومستوطنيه، فضلاً عن كونها عبرت بصدق عن نبض الجماهير المكتوية بنار الفساد وتبادل الأدوار بين الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، وتجاوزت التباينات الحزبية المقيتة، وصححت المسار الوطني بإعادة البوصلة لنقطة الاشتباك الحقيقي مع الاحتلال الإسرائيلي، متسلحة بعزيمة الشعب الفلسطيني وإيمانه العميق بالكفاح المسلح والنهج الثوري في مواجهة كيان الاحتلال الزائل طال الزمن أم قصر.