الجرافات بين استخدامها كسلاح لعمليات المقاومة حديثاً وأداة دمار دائمة بيد الاحتلال
قلق صهيوني من الأبعاد والنتائج المتوقعة لعمليتي القدس الفدائيتين
الجرافات بين استخدامها كسلاح لعمليات المقاومة حديثاً وأداة دمار دائمة بيد الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام
“صرعة (البلدوزر) .. ليست بدعة فلسطينية” هذا عنوان مقال لكاتب صهيوني بصحيفة “هآرتس” هو جدعون ليفي، ردّ من خلاله على ادعاءات من يسمى بوزير الأمن الداخلي للكيان الصهيوني، وفنّد مزاعمه التي اعتبر بموجبها استخدام الجرافات “صرعة جديدة” للمقاومة الفلسطينية، وتطوراً نوعياً في سلاحها الذي تستخدمه، وذلك بعد أن نفذ فلسطينيان، كل على حدة، عمليتين في القدس المحتلة باستخدام هذه الآلية، خلال أقل من شهر.
رمز الاحتلال
الجرافات قبل أن تستخدم حديثاً كسلاح بيد الفلسطينيين، كانت ـ وما تزال ـ تمثل بالنسبة لهم رمزاً للاحتلال، فقوات الاحتلال الصهيوني تستخدمها في قطاع غزة وفي الضفة الغربية المحتلة لإزالة منازل فلسطينيين تشتبه سلطات الاحتلال بأنهم من المقاومة، أو من هم على صلة بهم، وفي القدس تستخدمهم البلدية لإزالة منازل بنيت دون تصاريح بناء، والتي يصعب جداً الحصول عليها، في إطار المساعي الصهيونية لتهويد المدينة، وإفراغ الفلسطينيين منها.
ويدلل ليفي على أن الفلسطينيين لم يخترعوا الجرافة كسلاح، بل استخدموه في وقت متأخر جداً، بالقياس للجرائم الصهيونية التي ارتكبت باسم هذه الآلية الثقيلة، بقوله: “في عام 2004 مثلاً تحول 10704 فلسطينيين إلى أشخاص عديمي المأوى بعد أن دمر الجيش الإسرائيلي 1404 منازل، أغلبها في غزة لـ “أهداف ميدانية تتعلق بالعمليات”، وفي مخيم جنين دمر الجيش الإسرائيلي 560 منزلا. سائق البلدوزر “كردي” روى كيف كان يشرب الويسكي خلال تحويله جنين إلى ملعب ..، وفي عملية “قوس في السحاب” تلك العملية التي كانت الجرافة وسيلة فيها هدمت “إسرائيل” 120 منزلاً في يوم واحد، من كان في رفح وخان يونس هو وحده الذي يستطيع أن يدرك ما الذي فعلته جرافاتنا المتفوقة”.
هدم وقتل
الكيان الصهيوني، بحسب الكاتب زرع بواسطة الأدوات الثقيلة (الجرافات) دماراً يصعب وصف حجمه ونطاقه، ويؤكد أنها لم تكتف بهدم المنازل، وإنما كان من ضحاياها فلسطينيون وناشطون في حقوق الإنسان، ويدلل على ذلك بقوله: “لا تقولوا إن جرافاتنا تهدم ولا تقتل، ما الذي قتل ناشطة السلام ريتشل كوري إن لم يكن رآها سائقها، وفقاً للشهادات من قبل أن يقوم بدهسها حتى الموت؟ ومن الذي سحق أبناء عائلة “شوبي” في قصبة نابلس – جد وعمتان وأم وولدان – كلهم سحقوا تحت جنازير الجرافات؟ ومن الذي قتل جمال فايد المعاق من مخيم جنين الذي لم يوجد من أثره إلا بقايا كرسيه المتحرك، أوليس هذا إرهاب الجرافات؟”.
وبتعبير آخر فإن “الفلسطينيين الآن يحاولون مقاومة الاحتلال بنفس الأداة التي يستخدمها” على حد تعبير المحلل الفلسطيني هاني المصري.
المقاومة المقدسية
الجرافات أو “حرب الجرافات”، أثارت مزيداً من تعليقات المحللين العسكريين والسياسيين في الكيان الصهيوني، ففي أقل من شهر قتل في هجومين فلسطينيين بجرافتين ثلاثة صهاينة، وأصيب عشرات بعد أن صدم سائقاً الجرافتين الفلسطينيان عدداً من السيارات في شوارع القدس المزدحمة، ولعل أهم ما تطرقت إليه الصحافة العبرية هو: المقاومة المقدسية باعتبارها الخطر الأكبر على الكيان الصهيوني (العمق)، على حد وصفها، وبدء تغيير القناعات في الكيان الصهيوني إزاء “الإجماع الصهيوني” بشأن القدس “كعاصمة موحدة للكيان الصهيوني”، ومراجعة خطأ ضم القدس الشرقية للسيادة الصهيونية بعد احتلالها عام 1967، لأسباب كثيرة، وتهيئة الصهاينة نفسيّا للاستعداد للتراجع عن مواقفهم التي كانوا يعتبرونها خطوطًا حمراء إزاء مدينة القدس بشطريها كعاصمة لا نكوص عنها لكيانهم.
في الجانب الأول: (المقاومة المقدسية) يرى الكاتب عامويل هرئيل من صحيفة “هآرتس” العبرية أن الشبكات (فصائل المقاومة انطلاقاً من الضفة الغربية وغزة) التي أرسلت أغلبية الاستشهاديين إلى القدس (سابقا)، استعانت بعرب شرقي القدس في التنقل والمبيت وما إلى ذلك، على حد مزاعمه، ويشير إلى أن “التهديد الإرهابي الجديد يبدو مغايراً الآن”، على حد تعبيره، ففي الجولة الحالية يعتبر “شرق المقدسيين” هم المنفذين بأنفسهم ورأس الحربة، ومع أنه لا يبدو واضحاً في العمليات الأخيرة في وسط المدينة إن كان هناك تنظيم من وراءها أم لا، كما يذكر الكاتب، فإن تراكم العمليات ـ برأيه ـ أكثر من صدفة إحصائية.
تراجع صهيوني بشأن القدس
في الجانب الآخر؛ اعتبر الصحفي شالوم يروشالمي، وفي مقال نشرته صحيفة “معاريف” العبرية، أن عمليتي الجرافة كشفت مجدداً أنه من المستحيل على الكيان الصهيوني “تطبيع ضمها للقدس، حيث سيبقى هذا الضم مرتبطاً بمزيد من الدماء والآلام التي سيعاني منها عشرات الآلاف من (المستوطنين) الذين زجت بهم الدولة العبرية للإقامة في قلب المدينة”، كما قال.
ويؤكد يروشالمي “أن القدس موحدة فقط في أذهان صناع القرار، في حين أنها على الأرض غير قابلة للتوحد؛ لأن الفلسطينيين ببساطة يرفضون التسليم بذلك”.
وفي هذا السياق؛ يرى الكاتب الفلسطيني صالح النعامي أن ردّة فعل الجمهور والنُّخَب الصهيونية على عملية الجرافة الثانية يدلِّل على أن الصهاينة غير مَعْنِيِين بدفع ثمن مقابل الحفاظ على “وحدة” القدس، وهذا ما يؤكّد الدور الذي تلعبه المقاومة في تغيير القناعات الصهيونية، وتهيئة الصهاينة نفسيا للاستعداد للتراجع عن مواقفهم التي كانوا يعتبرونها “خطوطًا حمراء”، لأنهم باتوا يدركون حجم الثمن الذي يدفعونه مقابل سياستهم القمعية ضد الفلسطينيين في القدس، والتي بلغت حدًا لا يطاق، ويشدد النعامي أن لعملية الجرافة الثانية في القدس دلالات عملية، وتداعيات أكثر عمقًا من نتائجها الميدانية؛ فهي أولاً وقبل كل شيء تظهر دور المقاومة في دفع الصهاينة لإبداء التنازل، إلى جانب تأكيدها بؤس الرهان على المفاوضات كخيار إذا لم تستند إلى ممارسة أشكال النضال الأخرى.
منظور ديمغرافي
ويتناول الصحفي ومقدم البرامج الصهيوني يارون لندن من زواية ديموغرافية، فيرى أن “القدس الشرقية باتت تمثل شوكة في حلق إسرائيل”.
وشدد في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” على أن “ضم القدس الشرقية لم يسهم إلا في إضعاف مكانتها كعاصمة لإسرائيل، وإضعاف السيطرة عليها”.
وأضاف لندن “وفقاً لكل المقاييس التي يمكن بواسطتها تقدير درجة السيطرة يتبين أن مكانة القدس كعاصمة لإسرائيل تضعف باستمرار وبسرعة”.
وأوضح أن “التناسب الرقمي بين سكان المدينة – بشطريها – اليهود والعرب يميل لصالح العرب”، قائلاً: “ففي العام 1967 كانت نسبة الفلسطينيين لا تتجاوز خُمس عدد السكان في القدس بشطريها، أما الآن فأصبحوا 40% تقريبا من سكان القدس الشرقية”.
وحذّر من أنه إذا “قرر الفلسطينيون تجسيد حقهم في الانتخاب المتاح لهم، فلن تمر سوى سنوات حتى يكون رئيس البلدية عربيًّا، وهكذا يفقد اليهود سيطرتهم على المدينة”.
مفارقة وتساؤلات صهيونية مشروعة
ومن المفارقات التي ترتبط بعملية الجرافات في القدس، أن يجري التفكير في قمة الهرم الصهيوني العسكري والسياسي بهدم منازل منفذي هاتين العمليتين بنفس الوسيلة (أي بالجرافات)، وتقول تقارير صحفية عبرية إن من يؤيد مثل التوجه ليس فقط رئيس جهاز الأمن العام “الشاباك”، بل وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك ورئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت، وهو ما دفع الكاتب الصهيوني عاموس هرئيل من صحيفة “هآرتس” العبرية للتساؤل : “هل سيعيد هدم المنازل لإسرائيل قدرتها الردعية على الأقل في شرقي القدس؟ ويجيب بدوره: “من الصعب إثبات ذلك”، كما قاده لطرح سؤال إضافي : “ألن يؤدي هدم المنزل إلى بداية نشوء الانتحاري القادم؟” على حد تعبيره.