الأكاذيب المكشوفة لدعاية الدولة العبرية
في الفترة التي كان يتم فيها تبادل الأسرى بين حزب الله و”إسرائيل” خلال الشهر الجاري شنت الأخيرة حملة إعلامية ضد حزب الله أظهرت فيه سمير قنطار كوحش بشري هشم رأس طفلة، والحزب بمنظر الذي يحتفي بـ ” قاتل أطفال” ويحيله بطلاً، وذوو الشهداء معتوهون وهم يحتفون بالموت، بينما ركزت في ذات الوقت على القيم الأخلاقية والإنسانية للدولة العبرية التي تقبل بأن تهدد مصالحها الاستراتيجية لتقايض الأحياء بالأموات، حفاظاً على كرامة جنودها، حتى لو تسلمتهم جثثاً في النعوش، ووضعت الأجهزة الإعلامية التابعة لرئيس حكومة الاحتلال إيهود أولمرت فضلاً عن وزارة الخارجية الإسرائيلية والوكالة اليهودية (وهي منظمة شبه حكومية للهجرة إلى “إسرائيل”) في تصرف وسائل الإعلام العالمية أفلاماً ووثائق تخدم الجانبين المشار إليهما.
وفي العمليتين التي نفذهما سائقا جرافتين في الآونة الأخيرة بمدينة القدس خلال أقل من شهر، حاول من يسمى بوزير الأمن الإسرائيلي الادعاء بأن “الإرهاب الفلسطيني” قد تبنى فجأة “سلاحاً أصيلاً”، أو “صرعة جديدة” على حد تعبيره، إذ أن من السهولة بمكان ترويج مثل هذه الصورة من زاوية أحادية الجانب، وببساطة شديدة فالفلسطينيون لم يبتدعوا ولن يخترعوا” الجرافة” كسلاح فتاك وقاتل تاريخياً، وإنما الذي جعل من هذه الآلية أداة تدمير وإرهاب بالأساس هم الصهاينة حيث يعود عهد استخدامهم لها إلى تاريخ تأسيس الكيان الصهيوني أو على الأقل إلى تاريخ الاحتلال عام 1967.
الإسرائيليون بارعون في حملات العلاقات العامة، وتجييش وسائل الإعلام الغربية لكسب المتلقي الغربي، ومثل ذلك تفعل بشأن استهداف مغتصبات وبلدات صغيرة كـ “سديروت” لتظهر سكانها المدنيين بمظهر الضحية لصواريخ المقاومة، وتحاول أن تضمّن المرور في هذه المدينة برامج كبار الشخصيات الرسمية الذين يزورون “إسرائيل”، لاستدرار عطفهم، دون أن تشير بالطبع إلى أن صواريخ المقاومة إنما تطلق للرد على الاعتداءات الصهيونية ضد المدنيين في غزة والضفة الغربية، وكان آخر هؤلاء الزوار باراك أوباما المرشح لمقعد الرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي قبل عدة أيام.
لم تعد هذه الحملات تنطلي على المواطن العربي ولا على حتى على المواطن الإسرائيلي، لكنها قد تنطلي على مواطني الدول الغربية، وبالتالي فإن ما يتوجب على الإعلام العربي القيام وإن بحملات جزئية في وسائل الإعلام الغربية لفضح الادعاءات الإسرائيلية، وكشف زيفها، وسيكون من البساطة بمكان دحض مزاعم دولة الاحتلال، لأنها أوهى من خيوط العنكبوت، فهي تعتمد على استغباء العقل الغربي، أو القفز فوق الحقائق الصحيحة، أو محاولة طمسها.
ولو تناولنا موضوع الحملة ضد سمير قنطار، وما قيل عن استهدافه لشخصية عالم إسرائيلي وقتل طفلته، فالعملية التي قام بها سمير عام 1978، وشارك فيها سوريان وفلسطيني وقادها القنطار، كان هدفها التسلل إلى بلده نهاريا شمال “إسرائيل” واختطاف عالم ذرة إسرائيلي هو دان هاران، من أجل الإفراج عن مقاومين فلسطينيين معتقلين في السجون الإسرائيلية آنذاك، اقتيد هاران وابنته اينات “بهدف العودة إلى سواحل صور اللبنانية، وتضاربت الأقوال حول وجود البنت مع أبيها ف”إسرائيل” تقول إنها خطفت مع أبيها في ما يصر القنطار في محاكمته على أن الأب أمسك بابنته فاقتيداً معاً. اكتشف أمر العملية وقتل مسلحان من الأربعة كانت مهمتهما تغطية الاختطاف، وحصل تبادل لإطلاق النار قتل فيه هاران وابنته وأصيب القنطار بخمس رصاصات واعتقل مع رفيقه الذي شاركه في هذا الجزء من العملية، وأفرج عنه قبل عدة سنوات في صفقة تبادل للأسرى..، المهم لماذا لا تطرح حملة علاقات عربية على العالم تساؤلاً: عما يفعله عالم ذرة إسرائيلي؟ أي وعد بالدمار يدخره لأبناء المنطقة، وعندما تقتل ابنته في تبادل لإطلاق النار يكون القاتل هو من رفض التفاوض على إطلاق الأسرى لا من دافع عن نفسه، ولو كان قنطار قاتل أطفال لقتل الطفلة ابتداء في بيتها.
صفقة تبادل الأسرى اشتملت على جثة المناضلة الفلسطينية دلال المغربي التي سلمت في لبنان، وقد استعرضت شاشات الفضائيات من خلال أرشيفها العملية البطولية التي نفذتها، وكيف أن مجرماً صهيونياً كان يشد شعر دلال بيد، ويطلق النار من مسدسه على رأسها بعد أن فارقت الحياة وأصبحت جثة هامدة، في موقف يعكس حجم الحقد والكراهية والنذالة والخسة، وللعلم فهذا المجرم هو الوزير الصهيوني الحالي إيهود باراك، لماذا لا يتم التركيز على هذه الصورة للكشف عن زيف القيم التي يحاول الكيان الصهيوني التشدق بها على مستوى نظامه ومسؤوليه، لماذا لا يتم إبراز هذا الأفعال الإرهابية لمسؤولي هذا الكيان الذين يلبسون لبوس الحضارة والديمقراطية، ويتحدثون عن السلام ويتحركون بحرية وطمأنينة في عواصم الغرب؟.
أما لو تحولنا إلى حرب الجرافات ومحاولة نسب عمليتين قام بها فلسطينيان ردا على حصار قطاع غزة وإزهاق أرواح المئات بسبب هذا الحصار إلى الإرهاب الفلسطيني، فأحيلكم إلى مقالة لكاتب إسرائيلي فنّد خلالها مزاعم دولته معتبراً أنها راعية “إرهاب الجرافات”.
وقد جاء في مقالة جدعون ليفي بصحيفة “هآرتس” العبرية الذي نشر قبل بضعة أيام: أن الفلسطينيين لم يخترعوا الجرافة كسلاح، بل استخدموه في وقت متأخر جداً، بالقياس للجرائم الصهيونية التي ارتكبت باسم هذه الآلية الثقيلة، بقوله: “في عام 2004 مثلا تحول 10704 فلسطينيين إلى أشخاص عديمي المأوى بعد أن دمر الجيش الإسرائيلي 1404 منازل، أغلبها في غزة لـ “أهداف ميدانية تتعلق بالعمليات”، وفي مخيم جنين دمر الجيش الإسرائيلي 560 منزلاً. سائق البلدوزر “كردي” روى كيف كان يشرب الويسكي خلال تحويله جنين إلى ملعب..، وفي عملية “قوس في السحاب” تلك العملية التي كانت الجرافة وسيلة فيها هدمت “إسرائيل” 120 منزلاً في يوم واحد، من كان في رفح وخان يونس هو وحده الذي يستطيع أن يدرك ما الذي فعلته جرافاتنا المتفوقة”.
الكيان الصهيوني، بحسب الكاتب الإسرائيلي زرع بواسطة الأدوات الثقيلة (الجرافات) دماراً يصعب وصف حجمه ونطاقه، ويؤكد أنها لم تكتف بهدم المنازل، وإنما كان من ضحاياها فلسطينيون وناشطون في حقوق الإنسان، ويدلل على ذلك بقوله: “لا تقولوا إن جرافاتنا تهدم ولا تقتل، من الذي قتل ناشطة السلام ريتشل كوري إن لم يكن رأها سائقها، وفقاً للشهادات من قبل أن يقوم بدهسها حتى الموت؟ ومن الذي سحق أبناء عائلة “شوبي” في قصبة نابلس – جد وعمتان وأم وولدان – كلهم سحقوا تحت جنازير الجرافات؟ ومن الذي قتل جمال فايد المعاق من مخيم جنين الذي لم يوجد من أثره إلا بقايا كرسيه المتحرك، أوليس هذا إرهاب الجرافات؟”.
وبتعبير آخر فإن “الفلسطينيين الآن يحاولون مقاومة الاحتلال بنفس الأداة التي يستخدمها” على حد تعبير محلل فلسطيني.