عدوانية السفارديم في مواجهة خرافات الأشكناز
يتميز الكيان الصهيوني عدا عن كونه مجتمع مهاجرين-مستوطنين أو مستعمرين بكونه فسيفساء من الجماعات اليهودية الاثنية المتمايزة عن بعضها والتي على أساسها ينقسم المجتمع اليهودي في الكيان الصهيوني إلى يهود غربيين ويهود شرقيين. ومن ضمن هؤلاء اليهود كان يهود الأقطار العربية والإسلامية وبصورة رئيسية يهود العراق واليمن والمغرب وتركيا وإيران، الذين شكلوا منذ قام الكيان الصهيوني عام 1948 وحتى أواخر عقد الخمسينات من القرن العشرين غالبية المهاجرين التي تراجعت في العقود اللاحقة إلى نسبة 5،6% من مجموع المهاجرين الذين قدموا إلى الكيان الصهيوني في الفترة ما بين 1990-1993.
أما تطور نسبة اليهود الشرقيين إلى مجموع سكان الكيان الصهيوني بحسب البلد الأصلي فتراجعت من 3،42% عام 1961 إلى 3،36% عام ،1993 أما بحسب مكان الولادة فقد ازدادت من 9،14%عام 1961 إلى 6،22% عام 1993. ومن حيث النسبة الإجمالية واستنادا إلى آخر الإحصائيات يشكل اليهود الشرقيون نسبة 3،36% فيما يشكل الاشكنازيون نسبة 9.39% من إجمالي السكان. و”الصابرا” وهي المجموعة السكانية من اليهود الذين ولدوا في فلسطين والتي تشكل نسبة 23،8% من إجمالي السكان.
4 خرافات تتحكم بمستقبل اليهود الشرقيين:
ضعف الطائفة -عدم وجود ظلم- التحالف مع الليكود- انتهاء العصر الاشكنازي
ينطلق التمييز إزاء اليهود الشرقيين الذي يمارسه اليهود الغربيون من كون الاشكنازيين يشكلون غالبية ما يمكن تسميته تجاوزا ب “البرجوازية المحلية” “فضلا عن الشرائح العليا من الطبقة الوسطى، بينما في المقابل يشكل السفارديم غالبية الطبقة العاملة. وتشير إحصاءات الجهاز المركزي “الإسرائيلي” لعام 1955 إلى أن نحو 44% من أبناء الجيل الأول من المهاجرين الاشكنازيين ينتمون لشريحة ذوي الياقات البيضاء مقابل قرابة 6.20%من السفارديم. والوضعية ذاتها تتكرر وان كانت بشكل أكثر حدة فيما يتعلق بالجيل الثاني حيث ينتمي نحو 50% من اشكناز الجيل الثاني إلى شريحة ذوي الياقات البيضاء، مقابل 5% فقط من السفارديم. كما أن نحو 28% فقط من الاشكنازيين يعملون في مجال الخدمات مقابل نحو 54% من السفارديم.
وفي ظل التركيبة الاجتماعية للكيان الصهيوني يجد باروخ كيمرلينغ أن “السيادة الصهيونية تكتسب دلالاتها من طبيعة التجانس بين الدين والأمة اليهودية، وهي الميزة الأساسية للنظام الاجتماعي في “إسرائيل”. ف “إسرائيل” بخلاف الديمقراطيات الليبرالية الغربية لا يتم تعريفها باعتبارها منتمية لمواطنيها بل بانتمائها إلى كل “الشعب اليهودي” والديمقراطية “الإسرائيلية” لا تعترف بوجود أقليات، كما لو أنهم جميعا كانوا يهودا، ومن لم يكن كذلك يبقى خارج النظام، أن قاعدة الانتماء ومعيار التمتع بالحقوق في الدولة تتمثل في الانتماء العرقي-الديني. وهكذا توجد في “إسرائيل” بالفعل ديمقراطية طبقا لغالبية المعايير المتعارف عليها. ولكن فقط في إطار المكونات التي تحدد السيادة الصهيونية والواقع انه يمكن وصفها باعتبارها ديمقراطية يهودية أو ديمقراطية مزدوجة. كما أن المجتمع هو “مجتمع تقليدي ديني وصهيوني”.
وإزاء اليهود الشرقيين في هذا المجتمع، تسود شائعات وخرافات بالنسبة لأبناء الطوائف الشرقية ومكانتهم في الساحة السياسية “الإسرائيلية” حددها الباحث سامي سموحا بالخرافات التالية: الخرافة الأولى تتمثل في أن الطائفة آخذة في الضعف وان مشاعر الحرمان الطائفية آخذة بالتلاشي. والخرافة الثانية هي عدم وجود ظلم طائفي، والخرافة الثالثة هي وجود تحالف أيديولوجي بين الشرقيين والليكود الذي يقوم بجذبهم ليس فقط كخصم “العمل” الذين يكرهونه وإنما أيضا كمعبر عن طموحاتهم الوطنية وتقاليدهم الدينية والتزامهم بفكرة “إسرائيل”. وتتمثل الخرافة الرابعة في القول بانتهاء العصر الاشكنازي في السياسة “الإسرائيلية”.
وفقا لهذه الخرافات، يعتقد المفكر السياسي شارلز ليغمان انه لا يمكن التحديد بدقة كيف ومتى يمكن تحقيق مصالحة بين الديمقراطية الليبرالية واليهودية لكنه يستطيع أن يحدد الجماعات المتطرفة في نظره والتي تمثل عائقا أمام تعايش جزئي بين الديمقراطية واليهودية، ويعددها على النحو التالي: حركتا كاهانا وليفنغر، وكذلك أقسام كبيرة من داخل “أغودات يسرائيل” و”حركة السفارديم حراس التقاليد” أي حزب شاس. وهذه الجماعات تتوق إلى تشكيل تيار جماعي يهودي دون أي نهج أو برامج ديمقراطية ليبرالية.
وخلال العقود المنصرمة، اتخذت مشاركة اليهود الشرقيين في انتخابات الكنيست ثلاثة أشكال: إذ اتخذ الشكل الأول صيغة المشاركة من خلال قوائم شرقية مستقلة، التي ترجمت عمليا في كون انتخابات الكنيست الأولى 1949 أفضت إلى فوز قائمتين شرقيتين، انتخابيتين هما: قائمة الاتحاد القطري للشرقيين وأبناء الطوائف الشرقية (4) مقاعد، وقائمة اتحاد يهود اليمن في “إسرائيل” (مقعد واحد). وفي انتخابات الكنيست الثانية 1951 حصلت قائمة: الشرقيين والطوائف الشرقية “على مقعدين في الكنيست فيما حافظت قائمة اتحاد يهود اليمن في “إسرائيل” على مقعد واحد وفازت قائمة السفارديم بمقعدين في الكنيست. لكن في انتخابات الكنيست الثالثة 1955 لم تفز أي قائمة شرقية في تجاوز نسبة الحسم، وكذلك في انتخابات الكنيست الرابعة 1959 إذ أخفقت القوائم الشرقية التالية: الحزب الوطني الشرقي وقائمة الطوائف الشرقية في تجاوز نسبة الحسم.
ولم تشترك في انتخابات الكنيست الخامسة 1961 أي قائمة شرقية. أما في انتخابات الكنيست السادسة 1965 فشاركت قائمتا “السلام” و”حركة الشرقيين، وأبناء الطوائف الشرقية” لكنهما لم تتجاوزا نسبة الحسم.
وفي انتخابات الكنيست الثامنة 1973 أخفقت قائمتا “الفهود السود” و”اليمنيين” في تجاوز نسبة الحسم.
كما أخفقت قائمتا “اتحاد مهاجري اليمن والطوائف “الإسرائيلية” و”الفهود السود في انتخابات الكنيست التاسعة 1977.
وكانت الصيغة المعبرة عن الشكل الثاني لمشاركة اليهود الشرقيين في انتخابات الكنيست متمثلة في انتظام اليهود الشرقيين في حزب ذي طابع شرقي هو حزب تامي الذي تزعمه “أهارون أبو حصيرة” بعد انسحابه من حزب “المفدال” وكانت هذه أول مشاركة لليهود الشرقيين في انتخابات الكنيست في حزب ذي طابع شرقي، وكان ذلك في انتخابات الكنيست العاشرة 1981 التي حصل، حسب نتائجها، حزب تامي على ثلاثة مقاعد في ظل إخفاق قوائم شرقية انتخابية أخرى-غير حزبية مثل قائمة “إسرائيل الواحدة” وقائمة “الوحدة” وقائمة “حركة الخيام” وقائمة “شعبك”.
وفازت في انتخابات الكنيست الحادية عشرة 1984 قائمة حزب تامي بمقعد واحد. وحصلت “موراشاة” على مقعدين، وقائمة حزب شاس على أربعة مقاعد. فيما أخفقت قائمتا: حركة شيلوف و”شعبك” في تجاوز نسبة الحسم.
ولم تشارك حركة “تامي” في انتخابات الكنيست الثانية عشرة 1988 في حين حصلت: شاس: على ستة مقاعد واستمر إخفاق قائمتي “شعبك” واتحاد اليمنيين في تجاوز نسبة الحسم.
وفي انتخابات الكنيست الثالثة عشرة 1992 فازت قائمة “شاس” للمرة الثانية بستة مقاعد في الكنيست، نظرا لعدم مشاركة أي قائمة شرقية في تلك الانتخابات.
وتمثل الشكل الثالث لمشاركة اليهود الشرقيين في انتخابات الكنيست في تأييدهم لمرشحيهم المنضوين في الأحزاب الصهيونية الرئيسية مثل “المعراخ” ولاحقا “العمل” و”الليكود” و”المفدال” إذ بلغ عدد مقاعد اليهود الشرقيين في الكنيست الثالثة عشرة نتيجة لتضافر هذا الشكل من المشاركة الشرقية مع الشكل الثاني للمشاركة، بلغ 40 مقعدا مقابل 71 مقعدا لليهود الغربيين.
وتوطئة لانتخابات الكنيست الرابعة عشرة 1996 ونتيجة لانسحاب دافيد ليفي وبعض أنصاره من اليهود الشرقيين من حزب الليكود، أسس ليفي حزبا جديدا لليهود الشرقيين دعاه بحزب “غيشر” الجسر- وذلك في 20 فبراير/شباط 1996 وسبق ليفي أن نشر في شهر سبتمبر/أيلول 1995 برنامج غيشر بوصفه حزبا وسطا قوميا اجتماعيا يستند إلى المبدأين التاليين: “السعي الدائم للسلام من خلال التمسك بالمبادئ الحيوية، والالتزام بخطوات بعيدة المدة لتقدم طبقات شعبية واسعة من خلال تقليص فجوات لا تطاق وتضر بخصائص المجتمع”.
وتضمن برنامج “غيشر” الانتخابي لانتخابات الكنيست الرابعة عشرة أن الحزب “يسعى إلى تحقيق سلام دائم من خلال التمسك بالمبادئ القومية الحيوية. وبالنسبة للفلسطينيين يدعو الحزب إلى إجراء محادثات فورية مع الفلسطينيين حول التسوية النهائية وفق الشروط الآتية:
1- أن يكون أساس هذه المحادثات بقاء القدس موحدة عاصمة ل “اسرائيل”.
2- عدم اقتلاع مستوطنات يهودية.
3- لن تكون هناك مستوطنات يهودية تحت السلطة الفلسطينية.
4- سيظل الجيش هو الضامن لأمن المستوطنين.
ورغم توقعات ليفي بأن يحصل حزبه على ما بين 7 إلى 10 مقاعد في انتخابات الكنيست الرابعة عشرة إلا انه اضطر للتحالف والانضمام إلى قائمة تضم حزبي الليكود وتسوميت بخمسة مقاعد فقط شغلها كل من دافيد ليفي ودافيد ماغين ومكسيم ليفي ويعود لنكري وميخائيل كلاينر.
ونتيجة للخلافات بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التي تشكلت نتيجة لتلك الانتخابات، ووزير الخارجية ديفيد ليفي الذي استقال من حكومة نتنياهو في 4-1-1998 احتجاجا على تهرب غالبية الحكومة من التقدم في عملية السلام، عمل حزب الليكود على جذب جمهور ناخبي “غيشر” من اليهود الشرقيين إذ أعطى مكانة متقدمة لأعضاء الكنيست من أصل شرقي في قائمته الانتخابية. وأكد قادة الليكود أن حزبهم يعتبر بيتا للناخبين ولأعضاء المركز الشرقي الذين اختاروا ثلاثة أعضاء كنيست من المجموعة الخماسية الأولى. وحول هذا الادعاء الليكودي قال الدكتور لاف غرينبرغ مدير معهد قسم الأبحاث الاجتماعية في جامعة بن غوريون: “يجب أن نميز بين شرقيين جاؤوا من الضواحي- مدن التطوير وأشدود أو الرملة وشرقيين لديهم قدرات قيادية مثل سيلفان شالوم واسحق مردخاي وجدعون عيزرا. ولقد تقدم رجال الضواحي في الليكود عام 1992 حين ضغط رؤساء المجالس المحلية ومعظمهم كانوا من أصل شرقي بالانسحاب وإقامة قوة خاصة بهم. والمجموعتان الشرقيتان: القادمة من الضواحي والأخرى القيادية تتصارعان فيما بينهما على الأماكن القليلة نسبيا التي يستطيع الشرقيون الاندماج فيها داخل الليكود، وإضافة إلى ذلك فإن حقيقة أن مردخاي وعيزرا ومائير شطريت هم من الشرقيين لا تكفي لقول: إنهم يمثلون مصالح المجموعات السكانية التي تعاني من التمييز. وان الشرقيين يتعاطفون مع مجموعات الضائقة، ولكن هذه المجموعات غير مكونة من الشرقيين بل ثمة مهاجرون جدد، وعمليا لا يوجد في السياسة الحزبية جدل اجتماعي-اقتصادي حقيقي، لقد توقف هذا الجدل وحل مكانه سؤال مريح جدا هو: كم شرقيا في قائمة كل حزب؟
واستعدادا لانتخابات الكنيست الخامسة عشرة 1999 ظهر حزب جديد يدعى “إسرائيل جديدة” وهو حزب شرقي اجتماعي برئاسة شالوم شطريت، ومن شعاراته “نحن بحاجة ل “إسرائيل” جديدة. “ومجتمع متساو”، وبديل اجتماعي، وسبق لشطريت أن كان من المبادرين إلى إقامة حركة كاديما، وهي جهاز تعليمي بديل في الأحياء ويهدف إلى منح الأولاد تعليما عاديا متقدما، كما شدد على أن احد الأمور التي سيحارب حزبه من اجلها هو موضوع الأراضي الذي طرحته حركة “القوة الديمقراطية” على جدول الأعمال، وإننا لن نحارب من اجل إعادة رسم خارطة الأراضي “الإسرائيلية” ولا داعي للتوجه إلى كامب ديفيد أو أوسلو من اجل ذلك. وإذا كان بمقدور الحكومة تحريك الحدود الدولية، فإن بمقدورها أيضا أن تحرك حدودا داخلية وتغيرها، بحيث يتم توزيع الأراضي حسب الاحتياجات الحقيقية للسكان، وعلى أساس معايير وطنية وليس تاريخية قومية-أسطورية.
وجاء تشكيل حكومة ايهود باراك بموجب نتائج انتخابات الكنيست الخامسة عشرة معبرا عن حصول تزايد كبير في تمثيل اليهود الشرقيين السياسي في الحكومات “الإسرائيلية”، إذ ضمت حكومة باراك احد عشر وزيرا من أصل شرقي، سبعة منهم من أصل مغربي وثلاثة من أصل عراقي، وواحد من أصل يمني. وهم ديفيد ليفي، شلومو بن عامي، اسحق ليفي، ايلي سويسة، ايلي يشاي، اسحق كوهين، اسحق مردخاي، بنيامين بن اليعيزر، داليا ايتسيك، ران كوهين، شلومو بن عزري.
بالمقابل، أظهرت الحملة الانتخابية للكنيست الخامسة عشرة أن حزبي العمل والليكود سجلا تراجعا في نسبة المرشحين من اليهود الشرقيين، مقارنة بانتخابات عام 1996. ففي حزب الليكود بلغت نسبة الشرقيين في الكنيست الرابعة عشرة نحو 44%، وفي الليكود نحو 38%. وعلق على هذا الأمر عضو الكنيست الشرقي شلومو بن عامي بقوله: ان عدد أعضاء الكنيست من اليهود الشرقيين في أي قائمة لا يقدم ولا يؤخر، وإنما المسألة الأهم هي الاتجاه، وهل حقيقة أن وجود العدد الكبير من اليهود الشرقيين في الليكود عام 1996 ساعد هذه الطوائف؟ أن الاهتمام بعدد أعضاء الكنيست من اليهود الشرقيين يمثل نوعا من التظاهر، وربما لدى الليكود غطاء شرقي. ولكن عن طريق هذا الغطاء يوجه ضربة اجتماعية لهذا الجمهور، وفي مثل هذه الحالة أصبح اليهود الشرقيون ورقة توت”.
وكان انتخاب عمير بيرتس لرئاسة حزب العمل رافعة لتصدر اليهود الشرقيين إلى مقدمة العمل السياسي في “إسرائيل”، بل والزج بهم من قبل القيادات الأشكنازية في بعض الأحيان إلى الصدارة للمحافظة على الكتل التصويتية داخل الأحزاب لضمان عدم ضياع أصواتهم أو لجذب أصوات أخرى منهم، كما حاولت قيادات الليكود دعم سلفان شالوم لرئاسة الانتخابات الحزبية لضمان أصوات الأعضاء الشرقيين من داخل الليكود، أو باستقطاب أصوات اليهود الشرقيين من كافة الأحزاب اليمينية خاصة من شاس والشرقيين غير المتدينين والمنضوين داخل معسكر اليمين لأغراض انتهازية، إلا أن سقوطه في الانتخابات الداخلية بنسبة 34% مقابل نجاح نتنياهو بنسبة 46% أكد هيمنة النخبة الأشكنازية على الحزب اليميني الأكبر في “إسرائيل” وبالتالي تمثل بخروج القيادات الشرقية من الحزب كما جمهور الحزب من اليهود الشرقيين لينضموا إلى حزب كاديما الجديد، مع الزعماء التاريخيين لليهود الشرقيين في معسكر اليمين من أمثال شاوول موفاز. ولضمان الحفاظ على ما تحقق لليهود الشرقيين في العقد الأخير من صعود سياسي واقتصادي في الحياة “الإسرائيلية”.
ومؤخرا، أثارت أقوال نائب رئيس الحكومة وزير النقل “الإسرائيلي” شاؤول موفاز في مقابلة نشرتها صحيفة “يديعوت أحرونوت” التالية: “انا لن اسمح لايران بالحصول على السلاح النووي اقولها بصورة قاطعة. ولن يكون لايران سلاح نووي”. ودعوته إلى ضرورة مهاجمة إيران اليوم قبل الغد جدلا واسعا في “إسرائيل”، فقد هاجمه مسؤولون عسكريون وزعماء سياسيون واتهموه باستغلال التوتر في المنطقة لتعزيز طموحاته السياسية. وقال نائب وزير الدفاع “الإسرائيلي” ماتان فيلناي: “ان تحويل واحدة من اهم القضايا الأمنية الاستراتيجية الى لعبة سياسية واستخدامها في الأغراض الداخلية الخاصة بحملة مستقبلية في حزب كاديما، هو شيء يجب الا يحدث”.
وأشار المحلل الاقتصادي في صحيفة يديعوت احرونوت، سيفر بلوتسكر الى ان موفاز قدم من دون قصد، دعماً لايران، وإن الثرثرة عن كيفية مهاجمة “إسرائيل” لإيران وتدميرها، لن تردع صناع القرار في طهران وانما ستدفع اسواق النفط الى الجنون، والمستفيد من ذلك، طهران. وكتب بن كاسبيت، المراسل السياسي لصحيفة معاريف: “فجأة، صار أحمدي نجاد هو المظلوم. ايران في حالة دفاع ضد اليهود المجانين”.
وساهمت تصريحات موفاز الطامح لخلافة رئيس الوزراء “الإسرائيلي” ايهود اولمرت، في رفع اسعار النفط. وتم اعتبار تصريح موفاز عملية اغتيال سياسي لليفني، ومحاولة منه لدفع تسيبي ليفني جانبا في الانتخابات التمهيدية في حزب كاديما.
وحسب استطلاعات الرأي، فإن ليفني وحدها هي المؤهلة لمنع نتنياهو من ترؤس الحكومة. لكن موفاز البالغ من العمر 60 عاما والذي شارك في خمس حروب وقضى 40 عاما في المجال العسكري. ويحمل مشاعر مشاكل الاستيعاب والفجوات الاجتماعية، والضائقة الاقتصادية اليومية. ويزعم أنه سيفعل الكثير في المجال الاجتماعي من اجل خلق واقع آخر في دولة “اسرائيل”. يؤمن بأنه سيفوز على ليفني. وهو مقتنع بأن شعبيتها هوائية، فقاعية، نوع من المزاج. وهي شعبية تشبه تلك التي حظي بها عامي إيلون في بداية تنافسه ضد إيهود باراك. فقد بدأ إيلون السباق ولديه 40%، وكان باراك ب7 فقط، ولكن باراك فاز في النهاية بفضل عملية التنسيب التي قام بها لمصلحته بنيامين بن أليعزر في الوسط العربي، وبفضل العمل الميداني لشالوم سمحون وبوجي هرتسوغ. وهكذا تكسب الانتخابات التمهيدية وليس في استطلاعات الرأي.
وكان الموقع الالكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت قد نشر نتائج “مؤشر الحرب والسلام”، وهو استطلاع شهري يجريه البروفيسوران أفرايم ياعار وتمار هيرمان من جامعة تل أبيب، حيث أظهر لدى سؤال شريحة المستطلعة آراؤهم حول هوية القيادي “الإسرائيلي” القادر على دفع عملية سلام بين “إسرائيل” من جهة والفلسطينيين والسوريين من جهة اخرى، مع الحفاظ على المصالح المهمة للدولة العبرية، أن 27 في المائة صوتوا لصالح رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو، و17 في المائة لوزيرة الخارجية تسيبي ليفني، و8 في المائة لوزير الدفاع إيهود باراك، و6 في المائة لوزير المواصلات شاؤول موفاز، و5 في المائة لأولمرت، و3 في المائة لوزير الأمن الداخلي آفي ديختر.
ويركز نتنياهو جهده في ليفني، ويحاول اكتشاف سر شعبيتها. الذي وجده في: “نزاهة وطهارة الكف”. ولهذا السبب سيصوت “الإسرائيليون” لها وليس لخبرتها، أو قدرتها على اتخاذ القرارات، أو بسبب فهمها في شؤون الأمن القومي.
ويؤمن نتنياهو أيضاً أن موفاز قد يأخذ كاديما ويعود بها إلى الليكود، مقابل وزارة الدفاع، في حين أن كاديما برئاسة ليفني، والعمل برئاسة باراك، سيشكلان وزناً مضاداً، مزعجاً ومهدداً.
ويريد باراك موفاز لأن كاديما برئاسة موفاز سيغدو الليكود رقم اثنين، وسيفضل الكثير من ناخبي حزب العمل العودة إلى حزبهم الأم. أما كاديما بزعامة ليفني، بالمقابل، فيمكن أن ينزل حزب العمل إلى ما تحت سقف ال15 مقعداً.
ويبدو واضحا أن القاسم المشترك بين باراك ونتنياهو هو إضعاف حزب كاديما عبر دعمهما فوز موفاز في زعامة كاديما وليس فوزه في انتخابات الكنيست المبكرة القادمة، وذلك لكون موفاز يهوديا شرقيا ومن أصل إيراني ولم يسجل تاريخ رؤساء الحكومات “الإسرائيلية” تسلم يهودي شرقي هذا المنصب وأقصى مركز سياسي فاعل تسلمه يهودي شرقي هو منصب وزير الخارجية الذي تسلمه ديفيد ليفي، اليهودي من أصل مغربي، والذي شكك رئيس الحكومة الأسبق إسحق شامير في “وطنيته” ومنعه من تمثيل “إسرائيل” في افتتاح مؤتمر مدريد للسلام ،1991 وهناك وزير الخارجية الأسبق سيلفان شالوم اليهودي من أصل تونسي، ناهيك عن رئيس الدولة السابق موشي كتساف، وهو يهودي من أصل إيراني أيضا.
دار الخليج
25/7/2008م