عين على العدو

لإسرائيل تاريخ طويل في «دعم الأنظمة الفاشلة»

انشيل بابر


هآرتس


عند تبادل اطراف الحديث مع ممثلين رسميين في جورجيا يقع الواحد في الحيرة. لحظة تراهم يتفاخرون بعلاقاتهم القوية مع قادة الحكم المحلي ـ «هو رجلنا ويعمل عندنا منذ سنوات» يقولون عن وزير في الحكومة ـ وفور ذلك يؤكدون ان اسرائيل لا تؤيد اي طرف من طرفي النزاع وتسعى لابقاء رأسها فوق مياه المستنقع القوقازي العكرة.


من الممكن من الان القول بصورة مؤكدة ان اسرائيل قد راهنت هنا على الحصان غير الصحيح وهي تحاول بالسرعة الممكنة تقليص الاضرار التي ستكون فادحة بصورة استثنائية. اسرائيل سعت الى لعب دور مركزي في جورجيا. من الناحية الشكلية بدت تلك فرصة نموذجية. نظام مؤيد للغرب يطل على مفترق مركزي في معابر النفط وبه وزراء كبار يهود بل وتعلموا في اسرائيل، وجيش متعطش للوسائل القتالية والعلم الاسرائيلي. اضيفت الى كل ذلك حقيقة ان الصديقة الامريكية كانت شريكا بارزاً في المشروع الجورجي.


مجموعة من الفرص السياسية والتجارية فتحت وكتائب من جنرالات الاحتياط من العسكريين الاسرائيليين ورجال الاعمال المواظبين والسماسرة والوسطاء سارعت بالانقضاض على هذه التحفة. الان حيث اصبحت وسائل الاعلام الروسية بتوجيه من نظام بوتين تؤكد في تقاريرها وتبرز الاسهام الاسرائيلي في ‘العدوانية الجورجية’، تذكر المسؤولون في وزارة الخارجية فجأة انهم قد حذروا دائما من اعطاء تراخيص لتصدير السلاح بصورة عشوائية وبالجملة من قبل قسم المساعدات الامنية في وزارة الدفاع. الصديق ميخائيل سكشفيلي، الذي افترض به ان يقود العلاقات بين الشعبين الى مستويات جديدة من التعاون، قد تحول الان الى ‘معتدٍ مجنون’ وليس بإمكانه ان يتهم الا نفسه باللعب لمصلحة فلاديمير بوتين. عجز الغرب امام الهجمة الروسية وقطع اوصال دولة سيادية والنقص الشديد في وسائل العقوبات الدبلوماسية بارزة باضعاف مضاعفة من خلال رد فعل اسرائيل.


موسكو لا تعترف بالتفاصيل الصغيرة. هي تضع اسرائيل امام خيار واضح: الوقوف الى جانب جورجيا مثلما فعلت ادارة بوش التي نددت بروسيا بل ونقلت جنود الجيش الجورجي الذين يخدمون في العراق الى بلادهم وبذلك دخلت في مجابهة علنية مع الكرملين، او الحفاظ على مصالح اهم بكثير. الاختيار بسيط بالنسبة لاسرائيل. ربما يمكن لواشنطن ان تسمح لنفسها بالتصرف على هذا النحو ولكن المسؤولين في القدس يعرفون انه مع بوتين، العازم على ابراز سيطرته الراسخة على القوقاز للعالم كله، لا ينصح بالتورط. الامر لا يقتصر فقط على قوة العملاق الروسي الجيوسياسية الذي يعود الى عقوقه والدور المركزي الذي يلعبه في اللعبة الدبلوماسية مع ايران، بل هناك المسألة اليهودية ايضا. مئات الاف اليهود يعتمدون على احسان بوتين، ويكفي تلميح بسيط من ناحية الكرملين لاثارة رياح مستطيرة شريرة لتحويل وضعهم الى وضع سيء.


حتى الان اشتهر بوتين وخليفته المزعوم ديمتري مدفديف بسمعة سيئة باعتبارهما من مناصري اليهود اللذين يحتفظان بصلة دافئة مع قادة الجالية اليهودية في موسكو وعلاقات قوية مع ثلة الاثرياء المكونة من رومان ابرموفيتش وليف لافيف. ولكن من المحظور ان نقع في الخطأ: كل ذلك هو مسألة وظيفية. بوتين قد استخدم في الماضي الورقة الإسرائيلية ـ اليهودية؛ قبل اربع سنوات في احدى الازمات مع اوكرانيا تحدث بوتين عن تأثير ‘المستشارين الصهاينة’.


ان تدهور الوضع في جورجيا ستبدأ نغمات اللاسامية والنزعة المناهضة لاسرائيل بالتسلل للدعاية الروسية. تدخل اسرائيل بارز وفظ جداً ووجود اليهود في نظام الحكم في تبليسي ووزنهم هناك سيؤدي الى هذه النتيجة بالتأكيد.


اسرائيل الرسمية استوعبت الرسالة ولكن بصورة متأخرة وهي تبدأ في تخفيض مستوى ظهورها. 12 الف يهودي الذين يعيشون في جورجيا اختاروا في الوقت الحالي ربط مصيرهم بمصير المكان ولا تلمس هناك نزعة هستيرية للمغادرة. ان ظهرت مثل هذه الميول فلدى الحكومة خطط احتياطية لانقاذهم. الشرط الاساسي لنجاح هذه الخطط هو حسن نوايا بوتين.لاسرائيل تاريخ طويل وبائس في دعم الانظمة الفاشلة والمثيرة للاشكال من عيدي أمين في اوغندا وحتى اوغستو بينوشيه في تشيلي مروراً بجنرالات الارجنتين والكتائب في لبنان.


المؤسسة الرسمية وقعت مرة تلو الاخرى في اغراء الوهم ان بإمكان اسرائيل ان تتصرف كدولة اقليمية عظمى، وفي كل مرة دفعت ثمناً مؤلماً. ربما يجدر في هذه الحالة ان نشكر بوتين لانه صارع لتجسيد محدودية القوة والتأثير التي تتمتع بها اسرائيل متيحاً المجال لها للتملص بأضرار قليلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى