الصياغات الإسرائيلية في ملف الأسرى
من المفترض أن يطلق الاحتلال الإسرائيلي في الأيام القليلة القادمة سراح نحو 200 أسير فلسطيني، من أصل أكثر من 11 ألف أسير يقبعون في سجون الاحتلال، في خطوة وصفتها حكومة الاحتلال بأنها «مكرمة» أو «بادرة طيبة» تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهي تعابير لا يطلقها الاحتلال عبثاً، بل يسعى من ورائها إلى تحقيق عدة أهداف في آن واحد.
فلو أجرينا حساباً بسيطاً لعدد الفلسطينيين الذين وقعوا أو سيقعون في الأسر منذ أن بدأ رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، في الحديث عما يسمى «البادرة الطيبة» قبل نحو أسبوعين، وحتى إطلاق سراح الأسرى المتوقع قبل نهاية الشهر الجاري، لوجدنا أن عددهم سيتجاوز عدد الذين سيطلق سراحهم.
فالخطوة الإسرائيلية المرتقبة قائمة منذ فترة الحكم العسكري المباشر في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي يتخذ له الآن أشكالاً وتسميات مختلفة، وتسبق مناسبات مثل حلول شهر رمضان المبارك، أو عيد الأضحى المبارك، ولكن حكومة الاحتلال تزعم أن خطوتها الآن هي «بادرة طيبة» من أجل خدمة هدفين مباشرين:
الأول، هو تجاه الأسرة الدولية، لتزعم “إسرائيل” أنها تقدم تسهيلات للقيادة الفلسطينية التي تجلس أمامها على طاولة المفاوضات، وأنها لا تطلق سراح أسرى فقط تحت ضغط خارجي، مثل صفقات تبادل الأسرى. ولكن هذه مزاعم لا أساس لها إذا نظرنا إلى حجم الدفعة، رغم ما تشمله من أسرى يقبعون منذ فترات طويلة في سجون الاحتلال، مقابل العدد الإجمالي للأسرى.
أما الهدف الثاني، فهو ينخرط في نهج «عناق الدببة» الخانق الذي تمارسه “إسرائيل” تجاه الرئيس عباس، وهو جزء من الحرب النفسية التي تشنها “إسرائيل” على الشعب الفلسطيني. فهي تدرك أن كل إطراء في خطابها تجاه أي قائد فلسطيني سيثير حوله علامات استفهام وأكثر من الشارع الفلسطيني، ويقلص قاعدته الشعبية.
ولكن للأسف هناك من يقفز على صياغات كهذه ليصدقها، ويروجها ضد هذا القائد أو ذاك، حتى يصل الأمر إلى درجة القول إن إطلاق سراح دفعة من الأسرى «يتسبب في زيادة الشرخ الفلسطيني»، كما رأت جهة معينة، وهذا بحد ذاته وقوع مؤسف في شرك الاحتلال.
وبطبيعة الحال، فإن قاموس الاحتلال في ما يتعلق بملف الأسرى لا يتوقف عند صياغات كهذه، بل وفي إطار سعي الاحتلال لإضفاء «شرعية» على نفسه، فإنه يقيم المحاكم العسكرية ويفرض لنفسه القوانين التي يحاكم على أساسها ضحاياه، وهذا جانب شبه غائب في التعامل الدولي مع الاحتلال الإسرائيلي، بمعنى عدم محاسبة “إسرائيل” على جهازها القضائي العسكري غير الشرعي الذي فرض ويفرض أحكاماً على عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وأكثر، على مدى السنين. وعلى أساس هذه الأحكام نسمع مصطلحات مثل «أسرى على أياديهم دماء»، والمقصود هنا أسرى شاركوا أو خططوا لعمليات قتل فيها إسرائيليون من جنود احتلال وغيرهم. وتتشدد “إسرائيل” في مسألة إطلاق سراحهم، ومنهم من قضي في سجون الاحتلال عشرات السنين، في حين من الصعب أن تجد مسؤولاً إسرائيلياً واحداً، على المستويين السياسي أو العسكري الأمني، ليس متورطاً بأي نوع من جرائم الحرب ضد الإنسانية.
وهناك أيضاً «الأسرى الإداريون»، وهم مئات من الأسرى، وفي مراحل مختلفة يصل عددهم إلى آلاف، يقبعون في معتقلات احتلالية دون تفسير أو سبب ولو بمنظور احتلالي لوجودهم في المعتقلات، ويجري تمديد اعتقالهم بأمر عسكري من قائد منطقة، ومنهم من يقبع في هذه المعتقلات منذ سنوات.
وعند اتخاذ أي قرار بإطلاق سراح دفعة من الأسرى في أي من الحالات، تُغرق “إسرائيل” نفسها، وعمداً، في «نقاش داخلي ساخن»، في محاولة استعراضية بائسة أمام العالم، تدعي من خلالها الحكومة أنها تواجه صعوبات داخلية، وتبعث بمن تسميهم «ضحايا الإرهاب»، ليرووا حكاياتهم أمام وسائل الإعلام العالمية، فيما يبقى شلال الدم الفلسطيني وعمليات الموت البطيء جراء جرائم الاحتلال شبه غائبة عن المنابر الإعلامية الدولية، نظراً لاختلال موازين القوى العالمية.
لقد فرضت “إسرائيل” على نفسها معادلة بأنها لا تطلق سراح دفعات كبيرة من الأسرى إلا تحت ضغط، في إطار صفقات تبادل أسرى، ومن أجل استرجاع جثث لجنودها أو أسرى أحياء، ومن غير المنطق أن يبقى ملف الأسرى الفلسطينيين عالقا بين «النوايا الإسرائيلية الطيبة»، وبين انتظار وقوع عملية تجبر “إسرائيل” على إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى.
هناك ضرورة لإعطاء أولوية لملف الأسرى الفلسطينيين على المستوى الدولي، وهذا بحاجة إلى وحدة الصف والخطاب الفلسطينيين، ف”إسرائيل” مستفيدة كلياً من حالة الشرخ في الشارع الفلسطيني من جوانب متعددة، ومن بينها ملف الأسرى.