مانديلات فلسطين
يجمع الفلسطينيون على امتداد الوطن المحتل على أن قضية الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال هي الأهم وهي التي تحظى بالأولوية العليا، وملفها هو الأخطر، فبدون حل هذا الملف ستبقى كل الملفات الأخرى بلا حل، وبالتالي فإنها تحتل قمة الأجندة الوطنية الفلسطينية، ويفترض أن تحتل أيضا قمة البرنامج الوطني الكفاحي الفلسطيني، وقمة أجندة المفاوضات الفلسطينية مع الاحتلال.
وكما ثبت عبر العقود الماضية فإن هذه القضية شائكة ومعقدة وعبارة عن حقل مرصوف بالألغام، فهم ليسوا مجرد أرقام يحملونها في المعتقلات، وكذلك ليسوا أشخاصا وأناسا عاديين، وإنما هم جزء عضوي حيوي من الشعب الفلسطيني، وهم طليعته النضالية الجهادية، وأكثر من ذلك فهم في الحسابات الفلسطينية صناع النضال والتاريخ والتحرير والاستقلال العتيد!
وعلى هذه الأرضية تحديدا تتعاطى دولة الاحتلال معهم ومع ملفهم باعتباره الأهم والأخطر، وتعمل على تفكيك هذا الملف وتهميشه وإجبار الفلسطينيين على نسيانه، ولذلك وضعت تلك الدولة ما أطلقت عليه «المعايير الخاصة بالأسرى الفلسطينيين»، فهي رفضت وترفض الإفراج على سبيل المثال عن الأسرى الفلسطينيين من الوزن الثقيل من القادة الكبار أو من أولئك الذين تطلق عليهم «إن على أيديهم دماء» أو «أن أيديهم ملطخة بالدماء اليهودية»…الخ.
ولهؤلاء الأسرى الفلسطينيين القدامى كما يوثق عبدالناصر فروانة الباحث في شؤون الأسرى «قصصا وحكايات طويلة، وإن خُطت على ورق ستملأ عشرات المجلدات، فلكل أسير منهم أم لها دموع ذُرفت لتكتب بها عشرات القصص، وأشقاء فرقتهم الأسلاك الشائكة ومزقت أوصالهم جدران السجون.
وللأسرى أصدقاء وجيران اشتاقوا لرؤيتهم وعانوا من فراقهم، وللأسرى أطفال تُركوا دون أن يستمتعوا بحنان آبائهم ودفء أحضانهم، وكبروا واعتقلوا ليلتقي الآباء الأسرى بأبنائهم خلف القضبان، كما هي حالة الأسير أحمد أبوالسعود الذي ترك ابنه طفلاً ليلتقيه بعد عشرين عاماً في الأسر».
أما عن أعداد الأسرى القدامى والكبار الذين يخضعون للمعايير الإسرائيلية فحدث، فأعدادهم متحركة من يوم ليوم ومن أسبوع لأسبوع ومن سنة لسنة، فهناك المئات من الأسرى الذين أمضوا في معتقلات الاحتلال أكثر من خمسة عشر عاما مثلا، وهؤلاء يمكن أن نطلق عليهم أسرى من الوزن الثقيل، ويمكن أن نطلق عليهم أيضا «مانديلات فلسطين».
فها هو مركز الأسرى للدراسات يفيد بـ «وجود 348 أسيرا فلسطينيا، امضوا ما بين 15 إلى 32 عاما، في السجون والمعتقلات الإسرائيلية». وأوضح «أن غالبية هؤلاء الأسرى، هم ممن تصفهم إسرائيل ظلما بالملطخة أياديهم بالدماء»، مؤكدا بـ «أنهم مناضلون ويشكلون مصدر فخر لشعبنا، ونجمة على جبين الأمتين العربية والإسلامية، وأنهم يحملون كل القيم والمبادئ والمفاهيم والأخلاق ومعاني التضحية».
وأعلنت وزارة الأسرى والمحررين «أن ثمانية أسرى من الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل اتفاقية أوسلو، قد انضموا فعلياً خلال شهر يونيو -2008 الى قائمة الأسرى الذين أمضوا أكثر من خمسة عشر عاماً وهم : ( محمود موسى عيسى، محمود محمد عطون، موسى محمد عكاري، ماجد حسن أبو قطيش ) وجميعهم من القدس، و ( ناصر يوسف الفاضي، رياض سعيد عيسى، جميل خميس طرخان ) وهم من قطاع غزة، بالإضافة إلى الأسير ( رزق على صلاح ) من مدينة بيت لحم بالضفة الغربية.
فيما كشف محمود أبو حصيرة الناطق باسم عمداء الأسرى في السجون الإسرائيلية، «أن داخل السجون الإسرائيلية 65 أسيراً فلسطينياً امضوا أكثر من عشرين عاماً وهم ما يطلق عليهم لقب «عمداء الأسرى».
وكان الأسير سعيد العتبة قد دخل منذ عام/2006 موسوعة «غينس» العالمية، بصفته أول أسير سياسي في العالم يقضي 30 عاماً في السجن، وقد دخل في هذه الأيام عامه الثاني والثلاثين في الأسر، وهي أطول مدة اعتقال في العالم، وليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب.
من جهته قال فؤاد الخفش، مدير المركز «ان الأسير أكرم منصور من مدينة قلقيلية يأتي ترتيبه كرابع أقدم أسير فلسطيني، وبهذا ينضم لقائمة أكثر من 30 عاما في الأسر بعد الأسير سعيد العتبة، والأسير نائل البرغوثي، والأسير فخري البرغوثي».
وهكذا، ونحن إذ نوثق هذه المعطيات الهامة حول تابو مانديلات فلسطين فإننا نؤكد في الخلاصة المفيدة في هذا السياق على أن معركة تحرير هؤلاء الأسرى ستبقى مفتوحة على أوسع نطاق طالما بقي أسير واحد هناك في معتقلات الاحتلال وطالما بقي جندي أو مستوطن يهودي على رقاب الشعب الفلسطيني، وطالما أن دولة الاحتلال لا تغير معاييرها ولا تعترف بالمعتقلين الفلسطينيين كأسرى حرب!
والمسؤولية في ذلك كبيرة وتاريخية وقومية تتحملها الحكومات العربية بالدرجة الأولى وتتحملها إلى جانبها السلطة والفصائل الفلسطينية!