الحرب خيار إسرائيل الدائم!
العرب أون لاين
قد يكون من المفارقات الغريبة أن تجد إسرائيل نفسها فى خضم التحضير للاحتفال بمرور 60 عاماً على قيامها على حساب أصحاب الأرض الأصليين، وفى الوقت عينه تتحضر لمواجهة ضربة عسكرية صاروخية قد تكون الأخطر منذ قيامها سيدفع المدنيون الإسرائيليون بصورة خاصة ثمنها.
تخطط السلطات الإسرائيلية لتحويل الذكرى الستين لاغتصاب أراضى العرب إلى حدث احتفالى شعبى ورسمى على حد سواء. وهى لهذه الغاية رصدت نحو 100 مليون شيقل سيجرى توظيفها فى عدد من الأنشطة تطول جميع فئات الشعب اليهودى يراد منها الجمع بين ذكرى الماضي، من نوع إقامة نصب للأطفال اليهود الذين سقطوا ضحايا المحرقة النازية، والحاضر مثل الاحتفال بالأولاد الذين ولدوا يوم ذكرى الاغتصاب. بحيث تبدو هذه التحضيرات بمثابة دعوة للإسرائيليين إلى الفرح والابتهاج المدفوع الثمن من دون الأخذ فى الاعتبار أن جنرالاتهم يحذرونهم ليلا نهارا من احتمال تعرضهم إلى أكبر خطر يتهدد حياتهم، وهم مدعوون اليوم للتعود على هذه المخاطر والتدرب على كيفية مواجهتها.
عندما قرأ ديفيد بن غوريون إعلان ذكرى الاغتصاب فى الرابع عشر من مايو من عام 1948 شدد على أن إسرائيل ستكون “ملاذاً آمناً للشعب اليهودي”، نبوءة لم تتحقق رغم مرور ستين عاماً.لا بل ثمة ما هو أسوأ من ذلك إذ ليس فقط إسرائيل ليست مكاناً آمناً لليهود وإنما بدا فى الفترة الأخيرة ولا سيما بعد ارتفاع وتيرة التهديدات بين “حزب الله” وإسرائيل على خلفية اغتيال عماد مغنية أن الوجود الإسرائيلى بات مهدداً. لم يحوّل مرور الزمن إسرائيل إلى مكان أكثر أمناً للعيش. واليوم أكثر من أى وقت آخر تواجه، باعتراف قادتها، مخاطر جدية وخطيرة تتهدد بصورة خاصة ليس جيشها، الذى ما زال يعتبر من أقوى جيوش المنطقة، وإنما جبهتها الداخلية والمدنية.
تسعى إسرائيل للظهور أمام قادة دول العالم الذين سيلبون دعوتها لحضور الاحتفالات التى ستقيمها، وعلى رأسهم الرئيس الأميركى جورج بوش، بمظهر الدولة القوية والحازمة والمقررة لمستقبل المنطقة. والمناورات الضخمة التى أجرتها هذا الأسبوع مضافة إلى تصريحات المسؤولين المتأرجحة بين التهديد لإيران وسوريا و”حزب الله” هى جزء من حرب نفسية هدفها فى آن واحد رفع معنويات مواطنيها وإلقاء الرعب فى قلب خصومها. والرسالة واضحة ولكنها تتعارض مع رغبة إسرائيل بالاحتفال شعبياً بذكرى قيامها. فهى من جهة تطلب من الإسرائيليين الاستعداد للأسوأ، ولكنها من جهة أخرى تقول لهم ألا يخافوا وان يتعالوا على قلقه وان يُقبلوا بفرح على المشاركة بالاحتفالات التى يجرى إعدادها، وفى هذا تحميل للإسرائيليين ما لا طاقة لهم به.
كشفت حرب يوليو عام 2006 مدى هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية أمام خطر الصواريخ المتنوعة التى تساقطت على نصف المدن والبلدات فى إسرائيل وشلت الحياة فيها. ورغم الحجم المحدود للخسائر المدنية البشرية فقد كشفت الحرب خللاً مهماً فى عمل المؤسسات الحكومية المكلفة الاهتمام بالجبهة الخلفية أيام الحرب. الغاية من المناورات الحالية بعث الطمأنينة فى نفوس الإسرائيليين بأنهم سيكونون فى منأى عن الخطر، ولكنها فى الوقت عينه عندما تجرى فى ظل عجز الجيش الإسرائيلى عن إيجاد رد عملى وواقعى على خطر الصواريخ التى تملكها سوريا و”حزب الله” فإنها ستؤدى إلى زيادة القلق لدى الإسرائيليين الذين تشير كل الدلائل إلى أنهم سيكونون الهدف فى المواجهة الصاروخية المقبلة.
والراهن حتى الآن رغم المناورات والتحذيرات، إن إسرائيل لا ترغب بانفجار امنى أو عسكرى لا على جبهتها الشمالية ولا الجنوبية قبل مرور الاحتفال بذكرى الاحتلال التى تريد أن تحولها إلى مناسبة لحصد التأييد الدولى لسياستها وربما أيضا لاستخدامه كغطاء وحجة لأى عمل عسكرى تنوى القيام به فى المستقبل.