الجانب الخفي في التورط الصهيوني في حرب القوقاز
دراسة خاصة بالمجد
خاص – المجد :
حتى الآن لم تُستوفَ المعطيات عن أبعاد الدور الصهيوني في الحرب التي شنتها جورجيا ضد أوسيتيا الجنوبية، والتي كانت تستعد لتوسيع نطاق هذه الحرب في منطقة القوقاز، وبإمكان المتتبع للتفاصيل التي نشرت عن أبعاد هذا التورط أن يلاحظ شح هذه التفاصيل وقلتها حتى من الجانب الروسي، الذي أكد حقيقة هذا التورط وكشف النقاب عن مكوناته وتجلياته.
لكن هذه التفاصيل بقيت دون المستوى المطلوب لإشباع نهم المحللين، بل وحاجتهم إليها، من أجل إلقاء إضاءات كافية وشافية على هذا التورط وهذا الدور.
• قلة المعلومات المتوافرة
لا ريب أن قلة هذه التفاصيل وشحتها ترجع إلى أسباب موضوعية، لا بد من أن نعرض لها بإيجاز:
1- أن الطرفين الصهيوني والجورجي يفرضان ستاراً حديدياً من التكتم على طبيعة علاقات التعاون العسكري بينهما، هذه العلاقات التي تعددت جوانبها فتراوحت بين إمداد جورجيا بمنظومات قتالية متطورة لمواجهة الترسانة الروسية، وكذلك إرسال المستشارين لتدريب الجيش الجورجي.
المعطيات عن عدد هؤلاء المستشارين تباينت، فبعض المصادر ذكرت أن عددهم يتراوح ما بين 800 إلى 1000 مستشار، وهناك مصادر أشارت إلى أن العدد وصل إلى خمسة آلاف مستشار، لان المهمة الموكلة إلى هؤلاء تقتضي وجود مثل هذا العدد، وهو بناء جيش جورجي كبير وكفء ومجهز بشكل جيد، ليصبح أقوى وأكبر قوة عسكرية في منطقة القوقاز وفي مواجهة روسيا.
2- أن معطيات هذا التعاون تعد من الأسرار العليا في الكيان، وان وزارة الدفاع تدير وتتولى منظومة هذا التعاون، وحسب بعض المصادر فقد احتدم خلاف بين وزارة الدفاع والخارجية على خلفية هذا التعاون وتداعياته على العلاقات الروسية الصهيونية.
3- أن الولايات المتحدة كانت حريصة على أن تُبقي هذا التعاون طي الكتمان، لدورها في نسج علاقات التعاون بين الجانبين.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تعهدت للكيان بمهمات في المناطق المستهدفة بخطط الهيمنة والتغلغل، قد لا تحوجنا الضرورة إلى الاستطراد في هذا السياق، ولكن علينا أن نؤكد أن الدور الصهيوني المعزز بالسلاح والخبراء والمدعوم من قبل الولايات المتحدة مورس في أمريكا اللاتينية وفي إفريقيا، ولا يزال يمارس في العديد من الدول في السودان ودارفور وأثيوبيا لدعم اجتياحها للصومال.
وسواء مورس هذا الدور لتحقيق مصالح صهيونية بحتة أم مورس خدمة لأهداف أمريكية، فالنتيجة واحدة وهي إشعال الحروب والصراعات في المناطق التي خططت الولايات المتحدة لغزوها سواء بالقوة الخشنة (القوة العسكرية)، أو الدبلوماسية المرنة (تقديم المساعدات والاختراق المجتمعي).
4- أن الطرف الجورجي – وطبقا لمصادر صهيونية – كان شديد الإلحاح على إخفاء طبيعة علاقات التعاون العسكرية مع الكيان، وإبراز العلاقات التجارية والثقافية والعلمية فقط.
• مشاهد التورط الصهيوني
تبرز هنا في مجال التعاطي مع الدور الصهيوني في الحرب القوقازية الأخيرة ظاهرة باعثة على القلق، وهي أن خطر الدور الصهيوني خارج حدودها لا يستثني حتى الدول الكبرى، والتي لا يمكن اعتبارها دولة معادية للعدو الصهيوني مثل روسيا مند انهيار الاتحاد السوفيتي.
وفي هذا المجال لا بد من التأكيد أن المقاربات الإستراتيجية الصهيونية التي ظهرت في الأدبيات العسكرية لم تستبعد حروب وصراعات مع الصين وروسيا، وان العدو الصهيوني تستعد لذلك عبر امتلاك أسلحة إستراتيجية.
وفي مجال المنظور الاستراتيجي الصهيوني إزاء روسيا، شهد منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 نوعا من التذبذب والتأرجح، وقد أظهرت التحركات على المسرح الروسي أن الجهود الصهيونية أسفرت عن تجميد كامل للعلاقات العربية الروسية حتى اختفى أي أثر أو أي دور لروسيا في المنطقة.
لكن الأوساط الصهيونية وبعد استقراء ملامح السياسة الروسية بعد مجيء “فلاديمير بوتين”، وعلى الأخص في غضون ولايته الثانية راحت تستشعر القلق، ومبعثه في الأساس الخشية من خروج روسيا من مرحلة الوهن والخوار وغياب الأفق الاستراتيجي وترك الحبل على الغارب للولايات المتحدة، كي تهيمن على النظام الدولي وتحوله إلى نظام القطب الواحد.
المنظور الاستراتيجي الصهيوني إزاء هذا النظام ينطلق من ضرورة أن تبقى الولايات المتحدة حاكما وناظما لهذا النظام تديره كما تشتهي، لان ذلك في المحصلة النهائية مصلحة لها.
هذا التوجس من عودة روسيا إلى المسرح الدولي كلاعب رئيسي ينهي مرحلة التفرد الأمريكي والأحادية، الأمر الذي كان وراء قرار رئيس الوزراء ارييل شارون ثم خليفته اولمرت بدعم جورجيا وتسليحها وتعزيز قوتها العسكرية، وإمدادها بكل عناصر القوة في مواجهة روسيا.
• دلالات وتداعيات التورط الصهيوني
حاليا يزداد الاهتمام لدى الأوساط السياسية والعسكرية في الدول الإقليمية، بمعرفة أبعاد التورط الصهيوني في الحرب التي شنتها جورجيا مما اضطر روسيا إلى التدخل، فمن الجلي أن هذه الأبعاد لم تُغطَ بشكل كاف أو تفصيلي لان كل ما تواتر من تفاصيل عن أبعاد هذا التورط يلخص في العثور على أسلحة صهيونية بحوزة الجيش الجورجي، وانه استخدمها في الهجوم على اوسيتيا الجنوبية.
ولإدراك أبعاد هذا التورط ينبغي وضعه في طبيعة العلاقات والمشتركات والقواسم بين جورجيا والعدو الصهيوني وفي سياقه الإقليمي والدولي، فهو في الأساس، يتأسس على مجموعة من المشتركات:
• الاندماج في المنظومة الغربية الأمريكية والأوروبية العسكرية والسياسية والاقتصادية.
• امتلاك قدرات عسكرية متفوقة يؤمنها الدعم الأمريكي من اجل التمكن من القيام بدور وظائفي لصالح الولايات المتحدة والغرب.
• أن تصبح جورجيا في منطقة القوقاز دولة قوية مهيمنة ومؤثرة ومتحكمة في تفاعلات المنطقة بالضبط كما هو الحال بالنسبة للعدو الصهيوني في المنطقة العربية أي أن تقوم جورجيا بوظيفة إستراتيجية رئيسية في القوقاز للسيطرة على تلك المنطقة والتوسع فيها ثم فرض السيطرة على روسيا. كل هذا من اجل الولايات المتحدة وأوروبا اللتان لم تسلما بعد بان روسيا دولة قوية وموحدة.
• عقيدة عسكرية متطابقة تستند إلى مبدأ القوة المبنية على التفوق وإستراتيجية الحروب الاستباقية والهجوم.
من هنا كان للتورط الصهيوني في حرب القوقاز عدة إبعاد نلخصها على النحو التالي:
1- أن وزارتي الدفاع في دولة العدو الصهيوني وجورجيا، والقيادة العامة لجيشيهما شكلتا منظومة تنسيق دائم عقائدياً ولوجستياً وعملياتياً، وقد عزز منها ومن فاعليتها وجود وزير دفاع جورجي يعتبر نفسه صهيونياً لحما ودما وهوية وفكرا وانتماءا وحماسا، وأحاط نفسه بمستشارين من الجنرالات السابقين في الجيش الصهيوني، وحسب مصدر ضليع بالأمور العسكرية فان العلاقة بين إيهود باراك ونظيره الجورجي هي علاقة شخصية وعملية، وأن الاثنين أقاما خط هاتفي بينهما.
2- إمداد جورجيا بكميات كبيرة من الأسلحة المصنوعة في دولة العدو الصهيوني، طائرات مسيرة وطائرات للاستطلاع البحري (سكان سكاي) ووسائل دفاع جوي وصواريخ مضادة للدروع وللسفن ومنظومات للرؤية الليلية والمخابرة.
3- انتشار عدد من المستشارين والمدربين الصهاينة في قواعد ومعسكرات الجيش الجورجي التابعة للقوات البرية والجوية والبحرية، هذا العدد وفق تقديرات روسية وأوساط دولية بلغ ألف مستشار، لكن إحدى المجلات المتخصصة في نشر بعض الأسرار قدرت هذا العدد بخمسة آلاف، وهم من أصل جورجي هاجروا إلى العدو الصهيوني، وانخرطوا في الجيش الصهيوني ثم تقرر إيفادهم إلى جورجيا.
4- تشكيل شبكة من الجنرالات وتجار الأسلحة، وهي شعبة تصدير الأسلحة والتعاون الدولي في وزارة الدفاع لإمداد جورجيا بالسلاح، وتضم قيادات سياسية مثل روني مليو وزير الشرطة الأسبق ودافيد كمحي مدير عام وزارة الخارجية الأسبق وإسحاق مردخاي وزير الدفاع الأسبق والجنرال عاموس مالكا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق.
وباستقراء هذه المعطيات رغم شحها عن أبعاد التورط الصهيوني في الحرب التي شنتها جورجيا على أوسيتيا الجنوبية، يمكن القول أن العدو الصهيوني متورطة إلى حد كبير سواء على صعيد تشجيع جورجيا على العدوان، أو وضع إمكانيات شن هذا العدوان ممثلة في المستشارين والأسلحة.
• الخلاصة
يمكن أن نستخلص على ضوء خطورة هذا التورط أن روسيا لن تكتفي بانتقاد هذا الدور أو في الكشف عن تفاصيله التدميرية، وعندما تنكشف الكثير من الحقائق الأخرى حول هذا التورط لا بد أن تتبنى روسيا موقفاً آخر سينعكس سلباً على علاقاتها مع العدو الصهيوني، وعليه يحاول رئيس الوزراء اولمرت استئناف هذا الموقف، حيث طلب من القيادة الروسية القيام بزيارة موسكو لتوضيح الموقف الصهيوني.