كيف يشكل الجيش سياسة الكيان الصهيوني؟
الكتاب مكرّس لرصد ملابسات العلاقة الإشكالية بين الجيش والسياسة في الكيان الصهيوني، في فترة الانتفاضة الثانية، في سياق السؤال الصهيوني التاريخي حول السياسي والعسكري والعلاقة بينهما، وتجلياتها في الحراك السياسي الداخلي أولا، والمتعلق بالصراع الشرق أوسطي ثانيا.
وقد صدر الكتاب عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار” بعنوان: جنرالات في مجلس الوزراء- كيف يشكل الجيش سياسة إسرائيل؟، للبروفسور يورام بيري، ويقع في 298 صفحة.
يدخل المؤلف، وهو سياسي وإعلامي مخضرم، في تفاصيل النقاشات الإجرائية والمفاهيمية في حقبة الانتفاضة الثانية، متعمقاً عبرها في مكونات الوعي الإستراتيجي الصهيوني، وما يحدد مضامين هذه المكونات، وانعكاساتها على الممارسة السياسية والعسكرية في آن.
ويتضح من محتويات الكتاب حقيقة أن الجيش الصهيوني توّقع الانتفاضة، وأعد العدة لمجابهتها قبل انطلاق شرارتها الأولى بعام واحد على الأقل، لكن ما يسترعي الانتباه، يتمثل في ماهية الخطة التي أعدها الصهاينة، والتزموا بتطبيقها على مدار السنوات السبع الماضية، فقد نظروا إلى المجابهة باعتبارها حرباً من طراز خاص، أقل من حرب تقليدية، وأعلى من اشتباك مسلح، وهذا ما أطلقوا عليه تسمية الحرب منخفضة الكثافة.
الحرب منخفضة الكثافة لا تستهدف تحقيق نتائج عسكرية حاسمة في الميدان، أو احتلال أراضي العدو، كما جرت العادة في الحروب التقليدية، بل إحداث تغييرات نوعية في وعيه للصراع، وإقناعه باستحالة تحقيق الهدف عن طريق القوة، مما يستدعي تضافر عوامل القوّة العسكرية، مع وسائل الضغط الاجتماعي والسياسي والمعنوي، لإرغام العدو على الاستسلام.
وفي سياق كهذا، تستمر المجابهة لسنوات، ولا تتضح نتائجها النهائية قبل مرور فترة طويلة من الوقت، فهي، في التحليل الأخير، حرب طويلة الأمد، لأنها مجابهة بين مجتمعين، كما يتضح من معالجات الكتاب.
ترجم الكتاب عن الإنجليزية حسن خضر، ومن مقدمته نختار: “يضيف الكتاب جديداً إلى سجال متجدد، بدأ منذ نشوء الدولة الصهيونية نفسها، حول العلاقة القائمة بين الجيش والدولة، ولم يتوقف عند نتائج نهائية حتى الآن: هل يتحكم الجيش بقرار الحرب والسياسة في الكيان الصهيوني، أم يتلقى الأوامر من قيادات سياسية مدنية؟
وماذا يفعل إذا اصطدمت مصالحه، ورؤاه العسكرية والسياسية مع مصالح ورؤى الساسة المدنيين؟ وهل سينقلب الجيش ذات يوم على المؤسسة المدنية الحاكمة لإنشاء دكتاتورية عسكرية، كما حدث في مناطق كثيرة من العالم؟ أم أن الجيش الصهيوني لا يحتاج إلى أمر كهذا طالما تمكن من تحقيق إرادته من وراء الكواليس؟
أسئلة كثيرة غالباً ما تجد إجابات مزدوجة ومعقدة في ثنايا هذا الكتاب، لكن المؤكد في جميع الأحوال أن دور الجيش ونفوذه قد شهدا صعوداً مطرداً خلال العقود القليلة الماضية، وفي المقابل تضررت مصداقية ومكانة القيادات السياسية المدنية إلى حد بعيد، لعدم وجود ساسة من طراز رفيع أولاً، ونجاح المصالح الضيقة والصراعات الحزبية في شل قدرة السياسيين على الحركة، وحرمانهم من التحلي بالشجاعة، وامتلاك زمام المبادرة ثانياً.
وإذا ما نظرنا إلى حقائق كهذه على خلفية الهوس الأمني السائد في المجتمع الصهيوني، فلن يكون من قبيل المجازفة القول إن دور الجيش في السياسة الصهيونية في تصاعد، وأن العلاقة المأزومة بين الجنرالات والمدنيين تبدو مرشحة لمزيد من التوتر والصراع السافر أحياناً، والكامن في أروقة الحكم، ومؤسسات الدولة في أحيان أخرى.