الحوار الفخ !!
المتتبع للتصريحات الأخيرة الصادرة عن أقطاب ورموز تيار أوسلو لا يشعر إطلاقاً أن هناك نية صادقة للخروج بنتائج ايجابية للحوار المفترض برعاية مصرية، لكنه يخرج بنتيجة مفادها أن الحوار المفترض له هدف محدد في عقلية هؤلاء الذين يعتبرون فلسطين وقضيتها إقطاعاً خاصاً بهم.
كنا وبعد دعوة عبّاس في 04/06/2008 قد نبهنا أن هناك معايير لنجاح أي حوار هي أولاً النية الصادقة بعيداً عن التدخلات الخارجية، وثانياً سقف زمني للحوار وآليات وخطوات واضحة لتنفيذ أي اتفاق، وثالثاً ابعاد العناصر التوتيرية التي لا هم لها إلا دق الأسافين حفاظاً على مصالحها، لكن الذي حدث ويحدث هو عكس ذلك تماماً ولا يبشر بخير.
كم هائل من التصريحات شرقاً وغرباً ابتداء من عباس ومروراً بعمّاله في محمية رام الله وفي الأوكار المسماة سفارات في بعض الدول والتي أصبح تعيين “السفراء” فيها يحتاج لمواصفات لا يمتلكها إلا نفر قليل ممن يقبلون بكل شيء دون استثناء إلا الحوار الفلسطيني، والذي بنظرهم كما صرح عامل عبّاس في القاهرة نبيل عمرو مثلاً لن يقود إلا لنتيجة واحدة هي فرض حصار إعلامي وسياسي على حركة حماس باعتبارها من يُفشل الحوار!
ثمة ملاحظات لابد من الوقوف عندها بخصوص الحوار المفترض:
– مصر راعية الحوار تربط نجاحه بملفات لا علاقة لها بالشأن الفلسطيني الفلسطيني كملف الأسير المجرم شاليط وربط موضوع معبر رفح به، وهو ما يبعدها عن دور الراعي المحايد إلى دور من يضغط في اتجاه محدد.
– مصر أيضاً امتنعت عن دعوة قوى فلسطينية معينة تحت ذرائع مختلفة، ليست فقط تلك التي تتخذ من دمشق مقراً لها، بل قوى ممثلة في المجلس التشريعي كالمبادرة الوطنية الفلسطينية بزعامة د. مصطفى البرغوثي مثلاً والتي رغم مطالبة مصر بدعوتها استبعدت تماماً من المشاورات والحوار.
– في الوقت ذاته دعيت فصائل لا لون ولا طعم ولا رائحة لها ولا تأثير يذكر لها “للتباحث والتشاور”، وهي في مجملها من “الفسائل” التي تسترزق وتتكسب من عبّاس ومنظمة تحريره أو بالأصح منظمة تمريره وتزويره الفلسطينية، ولا تنطق إلا بما يرضيه ويسبح بحمده.
– أُبقيت حركة حماس حتى المرحلة الأخيرة من المباحثات رغم أنها اللاعب الرئيسي في غزة على الأقل، في محاولة على ما يبدو لحشد المواقف ضدها للضغط عليها!
– تم تسريب مسودات اتفاق ومن قبل مسؤولين طرحت على قاعدة “الموافقة أو الرفض” مستبقة الحوار ونتائجه، لتحميل من يرفضها مسؤولية فشل الحوار الذي لم يبدأ بعد لتطرح نتائجه النهائية.
– الجامعة العربية التي لم تقم على الاطلاق بأي دور يُذكر لرفع الظلم والمعاناة عن الشعب الفلسطيني، واكتفت بالتصفيق لمتضامنين أجانب جاءوا من بقاع الأرض على ظهر قارب صغير لكسر الحصار، تهدد اليوم بفرض عقوبات على الشعب الفلسطيني تحت ذريعة معاقبة من يرفض الحوار، وكأنها لا تحاصر الشعب الفسطيني أصلاً!
– الغريب أن الأطراف التي تقف في صف واحد حددت شكل الحكومة المقبلة ودورها: حكومة تكنوقراط “مقبولة” وتستطيع فك الحصار، أي بمعنى آخر حكومة يوافق عليها الاحتلال لا تستند لنتائج الانتخابات وتقر وتبصم على كل اتفاقات البيع والتنازل السابقة، بعبارة أخرى حكومة عميلة متواطئة تبيع القرار السياسي مقابل دعم مالي مشروط بالتنازل عن الحقوق والثوابت.
كل ما سبق يجعلنا نتوجس ريبة من أهداف ونوايا الحوار المفترض، والذي يبدو أنه فخ يُنصب لحركة حماس تحديداً، إما لاستباق يوم 08/01/2009 الذي يرحل فيه عبّاس غير مأسوف عليه – أو يغتصب منصب رئيس السلطة كما يغتصب مستوزروه الحكومة- ، أو للمماطلة بحجة الحوار حتى يتم التوصل لاتفاق يُدبّر بليل مع الاحتلال لم يتبق منه إلا قضية القدس، أو لتحميل حماس تحديداً مسؤولية فشل الحوار، وبالتالي معاقبة مليون ونصف المليون فلسطيني وتشديد حصارهم، على أمل أن يثوروا في وجه حكومتهم في غزة، رغم فشل كل المحاولات السابقة من زعزعة للأمن وتفجيرات ومحاولات اغتيال واضرابات مسيسة التزم بها من ارتضوا تجهيل وتجويع وقتل شعبنا في غزة.
الحوار المطلوب هو الحوار الخالي من الاشتراطات المسبقة، والخالي من النتائج المسبقة، والخالي من التهديدات المسبقة، حوار يفتح كل الملفات دون استثناء وعلى رأسها ملف تفعيل واعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية غير الممثلة للشعب الفلسطيني بشكلها الحالي وبشخوصها المغتصبة لقرارها.