في القاهرة حوار أم خوار ؟!!
مع أن الفارق بين كلمتي حوار وخوار لا تتعدى نقطة صغيرة لا تشغل من الحيز سوى أقل القليل ناهيك أن تتسع لشيء مهما صغر، إلا أن سياقها الزماني بما يمكن اعتباره مفصلا تاريخيا من مفاصل القضية الفلسطينية وسياقها المكاني وهو طاولة للشأن الداخلي الفلسطيني، جعلها إن وجدت تتمدد لكي تتسع لكل الحيل السياسية وتتلون كالحرباء لتشمل كل أنواع الدهاء والمكر والخداع الذي يمكن أن يحاك للخصم، حيل ومكر كحيل السامري بخوار جسد العجل والتي قادت لضلال بني إسرائيل، وجود هذه النقطة على الطاولة سيكون بمثابة الحاضنة المثالية لتفريخ أسباب الفشل لكل ما يخص القضية الفلسطينية في الحاضر والمستقبل على حدٍ سواء!!
يدرك المرء جيداً أن الحكم المسبق ومحاولة تصنيف ما يجري إن كان حواراً أو خواراً من الصعوبة بمكان إلا أن المعطيات التي تفرزها مختلف الجهات على أرض الواقع أو ما يطلق عليه تهيئة الأجواء أو تعكيرها تمكن أدنى المراقبين من متابعة من الاستدال على الطريق التي يحاول كل طرف سلوكها خلال هذه المفاوضات.
بعيداً على الغرابية والتي لم تجد طريقها يوماً عند كاتب هذه الكلمات، لكن للأسف ما زالت المعطيات تنذر بالشؤم المبين، ونقطة الدم مرشحة لأن تكون شلالاً متدفقاً إن بقي الحال على ما هو عليه كون النتيجة المترتبة على هذه اللقاءات ستحكم المستقبل القريب، فمجرد إلقاء نظرة خاطفة على ساحة الضفة الغربية وما يجري فيها كفيلة بإشاعة أشد الدخان قتامة وسوداوية حول مصير هذه اللقاءات، ففتح ما زالت مصرة على الخوار بما يحمل من مكائد وحيل وألاعيب، ففي الوقت الذي تبادر فيه الحكومة في غزة إلى الإفراج عن المعتقلين استجابةً لتوصيات اللجنة الوطنية والتي تشكلت في الضفة وغزة من شخصيات مستقلة وهي الخطوة التي أشاد فيها حسن خريشة النائب الثاني للمجلس التشريعي وقدورة فارس عضو اللجنة الحركية العليا لحركة فتح ومؤسسة الضمير الحقوقية واعتبروها من المقدمات الضرورية لإنجاح الحوار الفلسطيني، في هذا الوقت ترفض الأجهزة الأمنية التي تأتمر بأمر محمود عباس الإفراج عن أي معتقل سياسي في سجونها، وبحسب الدكتور أيمن ضراغمة النائب في المجلس التشريعي فإن الأجهزة الأمنية رفضت حتى زيارة اللجنة لمعتقلي حماس في سجون السلطة في الضفة الغربية، بل ما زالت حملة الاعتقالات مستمرة وتزداد وتيرتها يوماً بعد يوم.
إشارة لا بد منها حتى وإن غدت كجملة معترضة بين سياق هذه الكلمات، مع الإشادة بما تقدمت به اللجنة الوطنية المستقلة من مبادرة لإنهاء ملف الاعتقال السياسي نهائياً لما يشكل من عقبة كأداء في طريق الحوار الوطني إلا أن رفض الأجهزة الأمنية لقرارات هذه اللجنة يضعها أمام مسؤولية تاريخية ووطنية لا يمكن إدارة الوجه عنها وخاصة بما نشهده من محاولات لتعميق الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، ومسؤوليتها تتمثل بالإعلان على الملأ وللشعب الفلسطيني أن الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية تعمل كل ما في وسعها لإفشال هذا الحوار الوطني لما تقوم به من ممارسات تعيق فيها أي تقدم نحو الحوار ومهمتها باتت محصورة بتطبيق قرارات دايتون، لم تتوقف ممارسات الأجهزة الأمنية عند حدود الاعتقال السياسي بل شمل إغلاق الجمعيات الخيرية التي تقوم على توفير أدنى مقومات الحياة للأيتام والفقراء والمحتاجين ومنع صلاة قيام الليل في بعض المساجد في الضفة الغربية.
استمرار الحملات المسعورة للأجهزة الأمنية وما تعيثه فساداً وإفساداً للمجتمع في الضفة الغربية وصمت عباس عنها لا يمكن تفسيره بمنأى عن استمرار رضوخ محمود عباس للفيتو الذي فرضته أمريكا على أي حوار مع حماس وقطع علاقته بالشرعية الفلسطينية المنتخبة، ذلك الفيتو الذي أقر بوجوده عزام الأحمد، رضوخ محمود عباس لهذا الفيتو بصمت القبور الذي يلفه يتضافر مع ما يجري على الساحة ليجلي الصورة التي تريدها فتح ومحمود عباس من لقاءات القاهرة.
توتير الأجواء على مجمل الساحة في الضفة الغربية تعتبر الحلقة الأخرى التي تنبئ بالتشاؤم حيال لقاءات القاهرة، فتصريحات حلس والتي قال فيها إن فتح ستعود إلى غزة إما بصناديق الاقتراع أو صناديق الذخيرة، إضافة إلى تصريحات ذياب العلي قائد الأمن الوطني في رام الله والتي جاء فيها أنه لابد من الاستعداد لإعادة غزة بالقوة ومطالبته بتنسيق الأمر مع “إسرائيل” ومصر والأردن تلقي بظلال قاتمة على نتائج الحوار ناهيك عما أورده الصحفي الصهيوني بما دار من حديث بين ضباط فلسطينيين أثناء اجتماع للتنسيق الأمني مع ضباط صهاينة، الأنكى من ذلك كله على ما فيه من نكاية الموقف المصري المحبط لأي حوار.
ولكن ماذا عن الموقف المصري ؟!!
لا شك أن لمصر الدور الأكبر في إنجاح هذا الحوار أو فشله، لكن العثرة التي وقعت فيها مصر وتحاول فتح استغلالها إعلامياً أضعفت الثقة بالموقف المصري بالسير نحو الحوار ونبذ الخوار، وعثرة مصر التي وقعت فيها عندما ارتأت أن تدعو الفصائل الفلسطينية للقائها منفصلة مع تأخير موعد اللقاء مع حماس وهي التي تدرك أن بعضاً من هذه الفصائل قد اندثر ولم يعد له وجود على أرض الواقع وتعلم جيداً أن إظهار هذه الفصائل وإخفاءها بات تبعاً لمصالح حزبية ضيقة، بذلك ظهرت بمظهر المتحيز لجانب فتح على ما يثير ذلك من تعكير للأجواء والتي من المفترض أن تكون مصر حريصة عليها كوسيط نزيه، مظهر المتحيز عملت فتح ما بوسعها لاستغلاله إعلامياً وعلى كافة الأصعدة وهي بذلك تدفع لإفشال هذا الحوار ولكنها تبحث عمن يتحمل نتائج هذا الفشل فقط بدون النظر لأي مصلحة وطنية وتسعى لإثارة الجانب المصري بكل الطرق .
ما أشاعه إعلام فتح حشر مصر بأضيق الزوايا أمام الشعب الفلسطيني والمراقبين فإن كان ما يقوله إعلام فتح عن مصر حقيقة فتلك مصيبة، وإن لم يكن فصمتها على هذا الاستغلال السيء بخطوتها الأولى المصيبة الأعظم على الإطلاق، فإعلام فتح دأب على إشاعة أن هناك إملاءات ستفرض قصراً وهذا ما يتنافى مع مبادئ الحوار والذي لابد وأن يكون حراً غير محكوم بسيف الشروط والإملاءات التي تضعه في مصاف الخوار لا الحوار، وأما الإشاعة الأخرى فهي الرزمة التي تعدها مصر لتكون رزمة كاملة مقبولة أو مرفوضة ولا مجال للتفاوض أو سبيل ثالث بين ذلك ومن ضمنها حكومة التكنوقراط وخلافات جوهرية جعلت من قبولها وكأنه نجاح لفتح فيما فشلت فيه وهو إسقاط الحكومة الشرعية المنتخبة والتي عجزت عن إسقاطها بشتى الوسائل مما يعني أن الجهد المصري ينصب وكأنه تكملة لما شرعت فيه فتح من رفض تسليم السلطة سلمياً بعد الانتخابات التشريعية وما تبعها من ممارسات لاجتثاث حماس والتي أفضت للحسم العسكري في غزة، ورفض هذه الرزمة يعني إدخال قوات عربية إلى غزة وهي المرفوضة فصائلياً وشعبياً.
العقبة أو المشكلة القائمة على أرض فلسطين، رفض قادة فتح التغيير الجذري الذي حل على الخارطة السياسية في فلسطين والذي أكدته الانتخابات التشريعية وعدم رغبتهم في دفع استحقاق هذا التغيير، وإن أرادت مصر لجهودها النجاح فلا بد من الاعتراف بهذه الحقيقة والتعاطي معها على كافة المستويات والأطر التي تمثل الشعب الفلسطيني، وإلا سيبقى الخوار هو سيد الموقف!!