عين على العدو

خطة الطريق المصرية.. تفاؤل متواضع

 


 


جاءت الجهود المصرية في اللقاءات التي تواترت خلال الشهر الماضي بين اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات الحربية المصرية ووفود من الفصائل الفلسطينية التي زارت القاهرة تباعاً في سياق العمل لإيجاد مناخ فلسطيني داخلي يؤدي إلى تحقيق نجاح ملموس على صعيد وضع حد للانقسام الفلسطيني.


 


فمصر وما تشكله من عمق للداخل الفلسطيني خصوصاً قطاع غزة أصبحت تدرك الآن أكثر من أي وقت مضى أن الضرر الذي يلحقه هذا الانقسام بات يتأتى عليها قبل غيرها.


 


وأكثر من هذا، فإن الجهود المشار إليها أصبحت تنطلق من موقع المصلحة المصرية أيضاً، خاصة وأن التباشير السياسية للمرحلة القادمة تحمل المزيد من التوقعات الساخنة لفترة قادمة، وهي فترة ستكون على الأرجح مليئة بالضجيج، ليس السياسي فقط، بل وبالضجيج الدموي الذي ستصل شراراته وتأثيراته إلى تخوم الجميع -حيث الأمن القومي المصري يصل إلى حدود أريحا ورام الله -على حد تعبير مصدر مصري في حديثه مع بعض الوفود الفلسطينية التي زارت مصر مؤخراً في سياق التحضير لجلسات الحوار الفلسطيني المقرر التئامها في أكتوبر/تشرين أول القادم في القاهرة.


 


خريطة طريق مصرية


وبالتالي، فان الحوارات الثنائية المصرية مع عموم القوى الفلسطينية طوال الشهرين الماضيين استهدفت البحث في إمكانية بناء برنامج سياسي مشترك بين جميع الفصائل على أمل أن يوفر ذلك أرضية لحوار جماعي شامل يمهد الطريق أمام العرب لاتخاذ قرارات على مستوى الجامعة العربية لدعم وحماية التوافق المنشود.


 


أيضاً، من الملفت للانتباه تطور الاهتمام العربي بمعالجة حالة الانقسام الفلسطيني بعد أن فشلت الجهود السابقة في إنهائه، فقد بات النظام الرسمي العربي يدرك ما تحققه دولة الاحتلال من إنجازات بسببه (الانقسام الفلسطيني الداخلي)، وما ينطوي عليه استمراره (الانقسام) من مخاطر ليس فقط على الحقوق الفلسطينية، وإنما أيضاً على الوضع العربي خصوصاً بالنسبة للدول المحيطة والمجاورة للأراضي المحتلة.


 


وبناءً عليه كان وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم في القاهرة في الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي، قد ناقشوا بتركيز شديد الوضع الفلسطيني الذي كان على رأس جدول أعمالهم، دون أن يتخذوا قرارات حاسمة مقابل أن منحوا القاهرة فرصة لا تزيد عن ستة أسابيع، حتى تقدم لهم، ورقة عمل واضحة ومحددة، تشكل أساساً لاتخاذ مواقف عربية حازمة تجاه مسألة الوضع الداخلي الفلسطيني.


 


وفي هذا السياق، فقد أكدت لنا في لقاء خاص مصادر فلسطينية مسؤولة بأن القاهرة وضعت رؤية عامة لإنهاء الانقسام الفلسطيني عبر خطة أسمتها “خريطة طريق مصرية “ترسم معالم حل الأزمة الداخلية وآليات تنفيذها، وذلك بعد التوافق عليها مع كل من حركتي حماس وفتح وباقي القوى خلال لقاءات منفصلة تعقد في القاهرة بعد عيد الفطر.


 


خطة مليئة بالالتباسات


ووفقاً لمصدر فلسطيني أخر مشارك، فإن الخطوات المصرية التي تمت إلى الآن، عملت على استكشاف القواسم المشتركة بين الفصائل الفلسطينية الأساسية ذات الدور والحضور، واستناداً إلى ردود هذه الفصائل على الأسئلة والمقترحات المصرية في هذا الشأن فإن ” خريطة الطريق المصرية ” تهدف إلى تحقيق أربعة أهداف مهمة.


 


أولها تشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية من خارج أطر الفصائل لتسيير الأعمال تكون قادرة على رفع الحصار أكثر من حكومة مؤلفة من ممثلين عن القوى والفصائل، ولديها مهمتان: التهيئة للإنتخابات التشريعية والرئاسية المتوافق عليها من جهة، ومعالجة الملف الأمني من جهة ثانية (وهو أمر تحفظت عليه غالبية الفصائل الفلسطينية).


 


والهدف الثاني هو الاتفاق على ميثاق قومي فلسطيني (جديد) يتضمن رؤية سياسية فلسطينية برنامجية تسير باتجاه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة العام 1967، وحل قضية اللاجئين، وإنهاء الانقسام والتشرذم الداخلي، وهي فكرة جديدة لم تُطرح سابقاً من حيث سعيها لوضع ميثاق جديد تشارك حركة حماس وبقية الفصائل في صوغه.


 


والهدف الثالث في الرؤية المصرية يؤكد أن الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية مفوضان إجراء المفاوضات التي يجب أن تستند إلى الميثاق القومي الذي يفترض التوافق عليه، على رغم أنه ليس متوقعاً أو منتظراً أن تصل المفاوضات الجارية بين حكومة أولمرت وطاقم أحمد قريع إلى نتائج، لكن المصلحة الفلسطينية (من وجهة نظر مصر بالطبع) تتطلب عدم توقفها، بل العمل على توريثها للإدارة الأميركية المقبلة.


 


والهدف الرابع يتمثل في السعي لبناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أساس مهني، وأن يتم توفير قدرات عربية يتحدث الأشقاء المصريون عن ضرورة تواجد قوات عربية ودعم مالي من أجل الإشراف على الوضع الأمني وعلى عملية بناء الأجهزة، سواء كانت على شكل قوات تدخل، أو استعانة بخبرات أمنية عربية، أو أموال ودعم مادي (وهو أمر تنظر إليه القوى الفلسطينية باستثناء حركة فتح باعتباره شيئاً مريباً وخطيراً، يعيد استنساخ تجربة قوات الردع العربية في لبنان، ويعيد تزوير وتحوير الصورة لإظهار أن المشكلة فلسطينية فلسطينية وليس مع الاحتلال الإسرائيلي المباشر وغير المباشر).


 


ومن هنا فإن بعض الفصائل قدمت بديلاً لفكرة إرسال قوات عربية، بالحديث عن هيئة وطنية فلسطينية تشرف على الأمن وإعادة بناء الأجهزة، بما لا يمنع الاستفادة من خبرات عربية في هذا المجال.


 


أما بالنسبة لمعبر رفح فيؤكد المصريون في رؤيتهم المقدمة أن فتحه يتطلب قراراً متفقاً عليه بمشاركة أطراف أخرى بما في ذلك إسرائيل (أي ربما العودة إلى اتفاقية المعابر لعام 2005 السيئة والمجحفة بحق الفلسطينيين).


 


وعليه فإن الرؤية المصرية لرأب الصدع الداخلي الفلسطيني تأسست ملامحها على جملة من الاقتراحات والحلول المليئة بالالتباسات والصيغ المبهمة وربما الإشكالية، وهي اقتراحات تحتاج لنقاش طويل، وقد لاتحظى بتوافق فلسطيني نظراً لطريقة صياغتها التي ابتعدت عن ملامسة وإيجاد حلول وسطية لنقاط التباين الفلسطيني/الفلسطيني.


 


مثلاً حين تدعو لإعادة بناء ميثاق وطني جديد مسقوف بسقف سياسي مسبق، كما في دعوتها لإقامة حكومة تكنوقراط بعيدة عن القوى الفلسطينية، فالعالمون بأحوال البيت الفلسطيني يدركون أن أية حكومة يفترض بها بالضرورة أن تضم في صفوفها إضافة إلى التكنوقراط ممثلي القوى الرئيسية التي باتت تحظى بحضور مقرر وسط الشعب الفلسطيني كحركتي حماس وفتح والجبهة الشعبية والقيادة العامة غيرهما من القوى.


 


تحفظات الفصائل


وانطلاقاً من المعطى إياه، جاءت ردود فعل القوى الفلسطينية المختلفة على (الورقة/الخطة) المصرية بين الترحيب العام والتحفظ والمجاملات الخجولة، حيث تعتقد غالبية القوى الفلسطينية بأن وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى) مع أو بدون بعض التعديلات يمكن أن تشكل مثل هذه الأرضية لانطلاق الحوار الوطني الفلسطيني الشامل نحو النجاح، بينما أضافت بعض القوى الأساسية إلى وثيقة الأسرى اتفاق مكة التوافقي والمبادرة اليمنية التي حظيت بمباركة من قمة دمشق العربية.


 


وعليه فقد تباينت الردود والمواقف، فعزام الأحمد رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي متشائم إزاء إمكانية نجاح الخطة المصرية، أما حماس فإضافة إلى اعتقادها بأن النقاط الأربعة في الخطة المصرية تحتاج إلى تفكيك وتوضيح وتحليل، فإنها تعتقد أن أي خطوة تقوم بها مصر لن تكون فاعلة قبل الانتخابات الأميركية بسبب فيتو الإدارة الحالية, فهناك -حسب حماس- أشغال للساحة الفلسطينية في موضوع الحوار فقط دون فعل مؤثر.


 


وركزت بعض القوى على ضرورة مشاركة جميع الفصائل التي لم تدع للمشاركة في دورات الحوار السابقة والرجوع للأطراف التي شاركت في إعلان القاهرة 2005 ووثيقة الوفاق الوطني، وهو مادعت إليه حركة الجهاد الإسلامي التي رحبت بالدعوة المصرية وجهود مصر داعية أن يكون الحوار شاملاً يضم كافة الفصائل الفلسطينية كما تحدث إلينا مؤخراً في لقاء مباشر زياد نخالة نائب الأمين العام للحركة، وأن ينصب على عنوانين أساسين : الوضع الداخلي وسبل الخروج من حالة الإنقسام الراهن: وهذا يتطلب مناقشة قضايا الخلاف الرئيسة وهي: الحكومة، والأجهزة الأمنية، ومسألة المرجعية الوطنية للشعب الفلسطيني, وخيارات الشعب الفلسطيني في مواجهة الإحتلال الصهيوني، والإستحقاقات المترتبة على كافة الخيارات، وطبيعة العلاقة بين المقاومة والسلطة.


 


فيما ركز البعض الآخر من القوى الفلسطينية على ضرورة إشراك سوريا في الحوار إلى جانب مصر، بصفة سوريا الرئيس الحالي للقمة العربية، كذلك عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، وأن يتم التواصل مع الأطراف العربية المكونة للجنة العربية التي جرى الإتفاق عليها في قمة دمشق لضمان تكامل الجهد العربي الداعم للحوار الوطني الشامل، وتوفير المظلة السياسية الضرورية للإتفاقات والالتزام بتنفيذه.


 


كما رأت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن تشمل قضايا الحوار المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بحق العودة وتقرير المصير وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس والخيارات والبدائل ووسائل الكفاح المطلوبة، والتحديات التي تواجهنا في العمل لتحقيقه.


 


ووضع تصور لدور وعمل وتركيبة الأمن والأجهزة الأمنية، بحيث يتم الإتفاق مهنية الأجهزة الأمنية، خضوعها للقانون والقضاء، وإلغاء الطابع الفئوي عنها، إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وكيانه السياسي في الوطن والشتات، وإعادة بناء مؤسساتها ديمقراطياً، وعلى أساس قانون انتخابي وفق التمثيل النسبي الكامل ومشاركته مكونات الشعب الفلسطيني السياسية والاجتماعية كافة في مؤسساتها.


 


الحوار معرضاً للفشل


وعلى ضوء قراءتنا لمواقف عموم القوى الفلسطينية فإن الأجواء والمناخات الحالية لاتوحي ولاتبشر بقرب التوصل إلى نتائج عملية على الأرض بالنسبة لمسألة إنجاح الحوار الفلسطيني القادم.


 


فالتفاؤل متواضع، ليس فقط بسبب الهوة العريضة الموجودة بين بعض القوى الفلسطينية الأساسية، بل أيضاً لصعوبة توصل الفصائل الفلسطينية إلى الحل التوافقي المطلوب، وهو مايمكن استقراؤه من تباين الإجابات التي بعثت بها القوى الفلسطينية لعمر سليمان مدير المخابرات المصرية، فضلاً عن الموانع ذات البعد الإقليمي التي مازالت تقع تحت تأثير الضغط الأمريكي الهادف لإدامة الانقسام الفلسطيني الداخلي.


 


وبالنتيجة، فإن الحوار الفلسطيني في القاهرة معرض لعدم الإكتمال، أو الفشل، وهو ما أكد عليه خالد عبد المجيد الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وهو في الوقت نفسه أمين سر لجنة المتابعة العليا المنبثقة عن مجموع الفصائل والقوى الفلسطينية.


 


حيث أكد لنا في لقاء مباشر معه بأن حوارات عمر سليمان مع عدد من الفصائل الفلسطينية لم يثمر إلى الآن، وذلك بسبب الفيتو والشروط الأميركية، وانحياز بعض الأطراف العربية والفلسطينية لفريق ضد فريق آخر في إطار خطة تستهدف النيل من قوى المقاومة لمصلحة ترتيبات دولية وإقليمية لتدجين واحتواء الأوضاع في الساحة الفلسطينية استنادا للرؤيا الأميركية.


 


خصوصاً مع امتناع سليمان عن دعوة فصائل متحالفة مع “حماس” للمشاركة في الحوار، وسعيه لدعوة شخصيات مستقلة قريبة من “فتح” بهدف تعظيم حجم التأييد لمواقف “فتح” في الحوار، وتجاهل المقترحات المصرية أي حديث عن إجراء انتخابات فلسطينية رئاسية وتشريعية مبكرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى