إسرائيل في الفضاء.. السعي لامتلاك سلاح “غير تقليدي”
مركز النخبة للدراسات
منذ قيام إسرائيل عام 1948 وهي تسعى بكل الطرق والوسائل إلى تحقيق تفوق “نوعي” في السلاح والعتاد العسكري على جيرانها من دول المنطقة، وذلك بعد أن تأكد لها صعوبة تحقيق تفوق “كمي”؛ الأمر الذي دفعها بقوة إلى السعي الحثيث نحو امتلاك أسلحة “غير تقليدية” كان من أهمها السلاح النووي، ومن بعده ما يمكن تسميته بـ”السلاح الفضائي” بما يتضمنه ذلك من أقمار صناعية وصواريخ فضائية؛ حيث ركزت إسرائيل منذ سنوات عديدة على “الفضاء” لعدة أهداف عسكرية وسياسية وإستراتيجية؛ فهي تدرك أنها لن تستطيع أن تعتمد إلى الأبد على مظلة الحماية الأمريكية، فالمسألة بالنسبة لإسرائيل تعد قضية تمس صميم الأمن القومي للدولة، فلا يمكن تركها للتغيرات السياسية والدولية التي لا يمكن التنبؤ بها.
وبالإضافة إلى ذلك هناك البعد الذي عادةً ما يؤطر الدول التي لديها أنشطة متشعبة في الفضاء في عداد “الدول المتقدمة”، بمعنى أن أي دولة ليس لها الآن تواجد في الفضاء، وبالقطع تلك التي لن تبلغ ذلك في العقد المقبل، لن تستطيع الانتماء إلى نادي الدول المتقدمة، تماما مثل الدول التي لـم تكن تمتلك قبل عدة عقود حضورا في الجو بواسطة أسلحة جو عصرية، لم تكن تُعتبر في عِداد هذه الدول.
تاريخ من النجاحات والإخفاقات
وعلى الرغم من أن الحديث عن أنشطة إسرائيل في الفضاء يخضع إلى المزيد من القيود الأمنية الصارمة على مستوى الداخل الإسرائيلي، فإنه يمكن التأريخ لبداية المشروع الفضائي الإسرائيلي منذ العام 1959 حينما أُنشئت “اللجنة القومية لأبحاث الفضاء” برئاسة البروفيسير “دافيد بريجمان”، وفي عام 1966 تمّ الإعلان عن إنشاء معهد متخصص في بحوث الفضاء في جامعة تل أبيب، وتم في نفس العام إنشاء فريق من علماء الفضاء تحت إشراف مباشر من وزير الخارجية ورئيس الوزراء السابق.
ولم يكن في مقدور إسرائيل بمفردها خلال تلك المرحلة تطوير قدراتها التكنولوجية في مجال أبحاث الفضاء، فكانت الولايات المتحدة هي البديل؛ حيث ساعدت التقنية الأمريكية إسرائيل على تطوير صاروخ إسرائيلي كان يحمل اسم “شافيت” تم إطلاقه بنجاح عام 1961 وخلال الأعوام من 1964 إلى 1984 حصلت إسرائيل على مساعدات تقنية لا حدود لها من واشنطن في مجال تطوير وبناء وتأسيس مراكز ومحطات أبحاث الفضاء، ففي عام 1964 أقامت إسرائيل محطة لرصد الأقمار الصناعية، وفي عام 1984 أكملت بناء الوكالة الإسرائيلية لأبحاث الفضاء التي وضعت خطة طموحة تنفذ على ثلاث مراحل، وتهدف إلى اتباع إستراتيجية للوصول إلى إنتاج ثلاثة أجيال من أقمار صناعية إسرائيلية الصنع بالكامل.
وبشكل عام يمكن القول إنه على مدى أربعة عقود متتالية واصلت إسرائيل بناء وتحديث برنامجها الفضائي تحقيقا لمبدأ السيطرة المطلقة بغية تحقيق التفوق في ميزان القوى، واستطاعت بفضل الدعم الأمريكي والأوروبي اقتحام النادي الفضائي العالمي حينما أطلقت القمر الصناعي للاتصالات العسكرية والمدنية “عاموس” في عام 2000، وتمكنت في الوقت نفسه من اختبار قدرة الصاروخ “أريحا-1” الذي يصل مداه إلى 1320 كيلومترا، ثم الصاروخ “أريحا-2” الذي يصل مداه إلى 6 آلاف كيلومتر.
وبعد ذلك، ونتيجة ثمرة تعاون إسرائيلي أمريكي فرنسي في مجال تكنولوجيا الفضاء، تمكنت إسرائيل من إطلاق ثلاثة أقمار صناعية، هي على التوالي:
1- “أفق-1”: وأطلق بتاريخ 19/9/1988 وكان الهدف منه اختبار قدرات تكنولوجية معينة للصاروخ السابق الذكر “شافيت”.
2- “أفق-2”: وأطلق في 3/4/1990 وكانت إسرائيل تهدف من وراء إطلاقه التأكد من قدرتها على إطلاق وتشغيل الجيل القادم من الأقمار الصناعية المقبلة.
3- “أفق-3”: وأطلق في تاريخ 6/4/1995 وهو الصاروخ الذي أثبت قدرات إسرائيل على التحكم بعمليات إطلاق الأقمار الصناعية دون الحاجة لتلقي أي مساعدة خارجية.
وقد تم إطلاق القمرين الصناعيين أفق-1، ثم أفق-2 بهدف التجسس والاستطلاع وتطوير صواريخ “آرو” المضادة للصواريخ، وكذلك لتطوير صواريخ “أريحا-1″، كما أن هذا القمر وفّر لإسرائيل قدرة كبيرة للاكتفاء الذاتي في مجال المعلومات الاستخباراتية التي كانت تحصل عليها من خلال أقمار التجسس الأمريكية.
وإلى جانب ذلك حققت إسرائيل خطوة مهمة في مجال التجسس باستخدام الفضاء؛ وذلك بنجاح تجربة إطلاق قمر التجسس “أفق 5” في 28 مايو من العام 2002، بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة المتتالية لإطلاق الطراز الأكثر تطورا من هذا القمر الصناعي، حيث باءت محاولة إطلاق القمر “أفق-4” في عام 1998 بالفشل، ولم يتم الإعلان عن أسباب فشل الإطلاق، لكن هذا دفع الصناعات العسكرية الإسرائيلية إلى العمل لتمديد وجود القمر الصناعي “أفق-3” في الفضاء والذي كان من المفترض إنهاء مهمته عام 1998. وتمّ إطلاق القمر الصناعي “أفق-5″ المتطور عام 2002م، و”أفق-7” عام 2007م، بينما كان نصيب “أفق-6” الإخفاق عام 2004م.
أهداف مستقبلية
لا شك أن لهذا المشروع الفضائي الإسرائيلي الطموح والمتطور الكثير من البواعث والأبعاد، سواء العسكرية أو الإستراتيجية المهمة؛ إذ لـم يعد استخدام الفضاء لأغراض عسكرية شأنا مستقبليا في حسابات الدول التي تسعى لتأمين قدراتها الإستراتيجية، وليس أدلّ على ذلك من أنه خلال عقد التسعينيات غيّر سلاح الجو الأمريكي اسمه ليصبح “سلاح الجو والفضاء”، وفي العام 1999 حذا حذوه سلاح الجو الإسرائيلي.
وهذه التسمية الجديدة تشير إلى فهم تم بموجبه، من ناحية سلاح الجو (الإسرائيلي)، دمج بُعدي الجو والفضاء في بُعد واحد، وذلك بعد أن أيقنت الدوائر العسكرية الإسرائيلية أن مصدر التهديد في عصر الصواريخ والفضاء لـم يعد يتركز فقط على امتداد حدودها، وأن الحروب “الجديدة” من الممكن أن تدور على جبهات عديدة ومتباعدة، الأمر الذي جعل من بناء إسرائيل لقدراتها الفضائية أمرا مركزيا في مفهوم الأمن الإسرائيلي للعقد الأخير، ومن اللحظة التي امتلكت فيها إسرائيل موقعًا مستقلا في الفضاء، تبدو اليوم إمكانية فقدانه أمرا غير مقبول بالنسبة لها.
ويمكن إجمال أهداف السعي الإسرائيلي لما يمكن تسميته بـ”عسكرة فضاء” الشرق الأوسط، في عدة عوامل، وهي:
1- تنفيذ عقيدتها الأمنية القائلة بمحاولة الحصول على أي سلاح سواء على المستوى النوعي أو الكيفي يضمن لها التفوق العسكري في المنطقة، بما في ذلك الأسلحة غير التقليدية، بحيث لا تكون هي الدولة الأولى التي تمتلكه، ولكنها لا تكون في نفس الوقت الدولة الأخيرة، مثلما هو الحال فيما يتعلق ببرنامجها النووي العسكري الذي تحيطه بسرية تامة حتى الآن.
2- محاولة تعويض إسرائيل لما تفتقده من عمق جغرافي لازم لحمايتها، ولذلك فهي تتحسب لأي نوع من الهجمات الصاروخية في حالة المواجهة الشاملة مع أي من بلدان الجوار.
3- مواجهة ما تعتبره الدوائر العسكرية والإستراتيجية الإسرائيلية المسئولة توجها مصريا وإيرانيا نحو الفضاء وبناء قدرات عسكرية فضائية خفية؛ الأمر الذي بدا واضحا من خلال تلك الحملة الدعائية التي شنها “تل عنبر” رئيس جمعية الفضاء الإسرائيلية ضد القاهرة وطهران، واللتين اتهمهما بدخول مجال الفضاء بقوة لأغراض عسكرية موجهة ضد إسرائيل.
4- لتحقيق السيادة التقنية في الفضاء في منطقة الشرق الأوسط، و بالتالي تكون المستفيدة الأولى من الفرص التجارية التي تظهر في هذا المجال عند استقرار السلام في المنطقة، وهذه الكعكة لخدمات الفضاء التجارية العالمية تقدر بمليارات الدولارات.
وخلاصة القول فإن إسرائيل تعمل جاهدة على توفير المتطلبات الحيوية لأمنها الذي أصبح قابلا للانتهاك بصورة متزايدة خاصة في ظل الظروف الجديدة التي تحكم ميادين القتال في منطقة الشرق الأوسط والتي بدأت صياغتها خلال حرب تموز في عام 2006 حينما استطاع حزب صغير كحزب الله اللبناني إلحاق هزيمة مذلة بالجيش الإسرائيلي بفضل قدرته في المقام الأول على تغيير قواعد اللعبة العسكرية عبر ضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية بصواريخ المقاومة.