بيريس.. ومحاولة اصطياد العرب
مما لا شك فيه ان الدعوة الأخيرة التي أطلقها رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريس والداعية إلى وقف المحور التفاوضي مع السلطة الفلسطينية وسوريا، واستبداله بفتح قنوات سياسية مع جميع الدول العربية من اجل التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي ، أن هذه الدعوة تشكل محاولة صهيونية جديدة لاصطياد العرب بخطوة واحدة، دون دفع استحقاقاتها… كما أنها تدل على مدى اللهو السياسي الكبير الذي يلهو به هذا الكيان منذ سنوات طويلة، بينما نحن نسميه” مفاوضات السلام”.
دعوة بيريس لا يمكن لها ان تكون حقيقية وجديرة بالاهتمام، هذا المجرم لا يملك القرارات والسلطة والفاعلية السياسية من أجل تحقيق ذلك على ارض الواقع، هو عبارة عن شخص هامشي في السياسة الإسرائيلية رغم تاريخه الحافل في الجرائم البشعة، وخدمة الكيان الصهيوني، لكنه الآن غير فاعل لكي يقرر شيئاً… وبالتالي فإن هذه الدعوة وما يشابهها من دعوات صهيونية والتي توحي برغبتهم بالسلام، ما هي إلا أكاذيب ما زال الكيان الصهيوني يمارسها علينا بمهارة، ونصدقها نحن بغباء.
وجدلاً لو افترضنا جديه هذه الدعوة، فإنه يتوجب علينا أن لا نفكر أنها دعوة للسلام ، بل هي محاولة صهيونية لتحقيق بعض المكاسب الدبلوماسية والسياسية من خلال التطبيع… (إسرائيل) تلهو منذ خمسة عشر عاماً بمنظمة التحرير الفلسطينية ومن بعدها السلطة الفلسطينية وإلى الآن لم تعطها شيئاً…
مبدأ مدريد ” الأرض مقابل السلام” لم يكن يوماً جدياً ولن يكون، والآن الكيان الصهيوني راض عن أداء السلطة، الأجهزة الأمنية تخدم أمن (إسرائيل) ليل نهار، قيادات السلطة يحولون جلسات المفاوضات إلى سهرات وحفلات، السلطة الفلسطينية مقتنعة بالتنسيق الأمني الصهيوني الذي يبقيهم في مكانهم، الدولار الأمريكي الذي لا ينقطع عنهم يجعلهم لا يفكرون بمصير الشعب الفلسطيني ومستقبل قضيته، بينما المخططات الصهيونية تسير بخطى واثقة على الأرض، تهويد الأقصى مستمر، تزايد وتيرة الدعوات لتهجير العرب والمقدسيين من بلادهم…
الخ، هم يحاولون تطبيق ذلك على المحور السوري، من تمييع للمفاوضات وإبعادها عن جوهرها… لكن الموقف السوري يبدو لي أكثر تشريفاً، لأنهم ما زالوا يصرون على مفاوضات غير مباشرة مع الصهاينة بجدية منقطعة النظير وعنوانهم الدائم الجولان.
إن السياسة الإسرائيلية الأخيرة… توحي لنا أنها تسير وفق المثل الشعبي ” العب بالمقصقص تايجيك الطيار”… إن دعوة بيريس الأخيرة تمنحنا انطباعاً إلى رغبة (إسرائيل) بتغير بعض ملامح لعبتها، اليوم السلطة الفلسطينية لا تشكل خطراً على الصهاينة، بل باتت تشكل سنداً لهم ولسياساتهم على الأرض وبالتالي أدخلوها إلى جحرهم وإلى الأبد كما يفعل “الضبع”… والآن يفكر الصهاينة بأنه حان دور الصيد الثمين الكبير” العرب” …لماذا لا “يضبعونهم”، من خلال أحاديث السلام واللقاءات المتكررة والتي ستطول لعشرات السنوات… والتي ستنتهي بما انتهت عليه السلطة الفلسطينية.
ولذلك…لا يمكن للبعض أن يعتقد أن هذه الدعوى هي رغبة حقيقية بالسلام ، أو رداً على المبادرة السعودية التي تحولت فيما بعد إلى المبادرة العربية للسلام، والتي أقرتها القمة العربية قبل ست سنوات… هذا يبدو في منتهى الغباء، الكيان الصهيوني بعث برده على المبادرة العربية بعد يوم واحد من إطلاقها… حين أكد ارائيل شارون رفضه لتلك المبادرة، بقيامه بمجزرة مخيم جنين القاسية، واجتياح مدن الضفة الغربية ، وارتكابه مجازر بشعة ضد الإنسانية … لكي يؤكد حقيقة واحدة لا تتغير أن هذا الكيان الصهيوني لا ينمو ولا يكبر إلا على دماء الفلسطينيين والعرب، ولا يمكن له أن يتخلى عن فلسفته وجيناته العنصرية النازية… فلماذا لا نريد نحن الفلسطينيين والعرب أن نفهم ذلك؟
إن الموافقة العربية على هذه المبادرة والانخراط بها، تشكل ضربة كبيرة لتضحيات الشعب الفلسطيني والعربي عبر مسيرة النضال الطويلة، والتي قدم فيها خيرة أبنائه وكل ما يملك… كما أنها تشكل إهانة كبيرة للنظام العربي الرسمي وشعوبه، وذلك لأن يد العرب بقيت ممدودة في الهواء من أجل السلام لست سنوات دون أن يعيرها أحد أي اهتمام … بل قوبلت بازدراء ووقاحة.
ان المطلوب عربياً الآن .. هو عدم الانجرار خلف أكاذيب الكيان الصهيوني وتصديق كلامه عن السلام، ووقف كل المحاولات التي يسعى لها هذا الكيان من أجل تطبيع العلاقات مع العرب لمنعه من تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية مهمة له… بل الوقوف إلى جانب فلسطينيي 48 الذين يتعرضون لحملة عنصرية قذرة من قبل المستوطنين، وإنقاذ المسجد الأقصى الذي يتعرض لمحاولة تغيير معالم، ببناء المعالم اليهودية، وطمس كل ما يمت للإسلام بصلة… كما ينبغي للعرب أن يتحركوا من أجل كسر الحصار الظالم الذي يفتك بغزة منذ أمد، والذي يغرس الألم والغصة في نفوس الفلسطينيين… ألا يمكن للعرب أن يتحركوا لإنقاذ الشعب الفلسطيني…؟ وقبل العرب السلطة الفلسطينية التي وقعت في الصنارة الإسرائيلية منذ زمن؟