الجدار السيئ يجب تفكيكه
بقلم: موشيه آرنز
هل هذه عادة فقط أم ان الارهاق النفسي هو الذي يدفعنا لمواصلة بناء الجدار الفاصل الذي بدأنا بتشيده قبل سنوات؟ الجدار يواصل شق طريقه بتعب متراً وراء متر؛ هو يكلف المليارات ويتسبب بالغضب والاسى في نفوس الكثيرين ويلحق الاذى بالممتلكات الخاصة ويشغل محكمة العدل العليا بالدعاوى ويحرض على التظاهرات المناهضة له ويوفر عملاً كبيراً وانشغالاً للجيش الاسرائيلي. هل يتذكر احد ما الهدف الاساسي من وراء بناء مئات الكيلومترات من هذا العائق الحدودي الذي يشق البلاد عرضاً وطولاً؟ ومن الذي يتحقق من انه يؤدي دوره فعلا؟
الكثيرون منا يفضلون نسيان الايام الرهيبة التي تجول فيها المخربون الانتحاريون الفلسطينيون في شوارعنا ومدننا وقتلوا المدنيين الاسرائيليين. في تلك الايام الصعبة صرخوا: “لنضعهم في الخارج من وراء الجدار الفاصل ولا يهم الثمن. الجدار حول قطاع غزة فعال ونحن بحاجة لجدار مثله في يهودا والسامرة!”.
رئيس الشاباك في ذلك الحين آفي ديختر قال اننا بحاجة الى جدار من هذا النوع وحاييم رامون اتهم اولئك الذين عارضوا خطة بناء الجدار في انهم يخاطرون بحياة الناس من اجل ايديولوجيتهم المتقادمة.
لا يمكن لأي سياسي ان يصمد امام مثل هذه المطالب والدعوات. حياة الانسان تساوي اي ثمن مطلوب يدفع ولو كان جداراً من مئات الكيلومترات. عدا عن ذلك ادعوا ان الجدار سيفصل بين الاسرائيليين والفلسطينيين الى الابد. لذلك بدأت خطة اغماض العيون غير المسبوقه هذه وقد انطلقت منذئذ في طريقها غير السعيد متعرجة ملتوية بين الجبال والاغوار.
الارهاب الفلسطيني الآتي من يهودا والسامره هزم في الوقت الحالي. شوارعنا وباصاتنا عادت لتصبح آمنة ولكن يبدو ان للجدار الفاصل حياته الخاصة. المليارات ما زالت تتدفق نحوه وبلادنا الجميلة انقسمت لنصفين ومعاناة كثيرة لحقت بعشرات الاف القاطنين بجوار الجدار ولذلك آن الاوان لأن نسأل انفسنا ان كان هذا الجدار يخدم الاهداف التي اقيم من اجلها.
هل الجدار الذي ما زال بناؤه بعيداً عن الانتهاء هو الذي يمنع العمليات الارهابية في مدننا، ام ان وجود الجيش الاسرائيلي في يهودا والسامره هو الذي حقق هذا الهدف؟ هناك سبب جيد للافتراض ان دخول الجيش الاسرائيلي يهودا والسامرة في عملية السور الواقي بعد مذبحة فندق بارك في نتانيا في عيد الفصح في 2002 الذي كان الخطوة الاهم التي ادت الى انهاء العمليات الارهابية وان وجود الجيش في يهودا والسامرة هو افضل شكل للدفاع عن اسرائيل امام هذه العمليات. من دون وجودنا هناك الان، كان الارهاب ليتواصل في مدننا بالتأكيد.
إن كانت هذه الحالة فالجدار ضار بدلاً من ان يكون مفيداً. هو ليس الا نتيجة لهستيريا جماهيرية وعقلية على غرار خطة مجينو التي احتلت ادمغة عدد من السياسيين عندنا الذين اوهموا انفسهم بالاعتقاد بان من الممكن “تجدير الخارج”.
وماذا سيحدث عندما لا يصبح وجود الجيش الاسرائيلي في يهودا والسامره ضرورياً؟ هل سنحتاج للجدار حينئذ؟ يبدو ان مجريات الامور لن تكون على هذا النحو. الجيش الاسرائيلي لن ينسحب من المنطقة قبل زوال الارهاب الفلسطيني، وعندها لن نحتاج للجدار أيضاً. استمرار بناء الجدار هو اهدار للمال والوقت وهو يتسبب بالغضب والعداء وفي هذه الحالة لا يسهم الجدار في حسن الجوار والعيش بسلام.
ولكن سيأتينا بعض من يقولون ان الجدار المحيط بقطاع غزة يفعل فعله. وفي الواقع نقول إن من الصعب الموافقة على مثل هذه المقولة. المخربون وجدوا طرقاً للتحايل على سياسيين والارهاب يصل الى اسرائيل من فوق الجدار ومن تحته. كما ان هذا الجدار لم يمنع صواريخ القسام والكاتيوشا من التساقط يومياً في مدن الجنوب وبلداته. والجدار لم يمنع حكومة ايهود اولمرت من الخضوع في آخر المطاف للارهاب والموافقة على وقف اطلاق نار مع حماس في غزة.
هناك بيننا اشخاص يريدون اقامة الجدار ليس لابعاد الارهاب خارجاً وانما لاغلاق اليهود وحشرهم في الداخل. بكلمات اخرى يريدون منع وجود اليهود في يهودا والسامره (“المناطق المحتلة”) هذا لن يمر. البريطانيون حاولوا ابعاد اليهود عن شواطئ ارض اسرائيل في فترة الانتداب وطبقوا سياسة “الكتاب الابيض” لمكدونالد حتى يمنعوا اليهود من شراء الاراضي في اسرائيل. هذا لم ينجح ايضا. والجدار الان لن ينجح في هذه المهمة.
آن الاوان لتدارس هذه الخطة الغريبة. هل هناك منطق في مواصلة بناء هذا الغول العملاق؟ ربما يتوجب علينا ان نبدأ في تدارس عملية تفكيك ما قد بنيناه حتى الان. فهل توجد لدى سياسيين شجاعة للاعتراف بأنهم قد اخطأوا.
“هآرتس”