المكتبة الأمنية

مهام طائرات سلاح الجو على الحدود

بقلم: عميت درينغر


طلعة طيران روتينيه اخرى. نطير فوق الحدود الفلسطينية – المصرية. يلحظ فريق الطائرة مركباً مريباً يسير في اتجاه الكيان. منذ تلك اللحظة تبدأ الطائرة تعقباً لصيقاً وفي مقابلة ذلك تستثير قوات ارضية. في غضون وقت قصير، تتم ايضا مطاردة ارضية للرجل المريب الذي يحاول الهرب بما اوتي من قوة.


“سارت السيارة بسرعة 150 كيلومتر في الساعة وكان واضحاً ان الحديث عن محاولة تهريب”، يقول المقدم امير، قائد وحدة الطيران “الجمل الطائر”.  “في نهاية الامر نجحت القوات في وقفه وكشفت عنده عن زهاء 100 كيلوغرام من الهيروين كانت في طريقها الى الكيان”.


اصبح حدث من هذا النوع روتيناً عند قوة الامن الى الحدود بين الكيان ومصر. فالحدود اليوم مسار رئيسٌ للتهريبات، ولا سيما المخدرات والنساء اللاتي يبعن للدعارة. السبب الرئيس لهذه الظاهرة هو كونها حدود سلام ولهذا كمية القوات فيها قليلة. لكن حقيقة انها تمتد اكثر من 200 كيلومتر، لا توجد في اكثرها جدران لا تسهل على القوات التي تعمل على امتدادها.


وكما قيل آنفا الحديث في اكثر الحالات عن مهربين جنائيين، لكن الخوف الحقيقي والرئيس من جهات قد تستغل القاعدة الجنائية وتهرب الوسائل القتالية من قطاع غزة الى مصر ومن هناك الى الكيان.


برهنت العملية في ايلات في السنة الماضية التي قتل فيها 3 مواطنين صهاينة على ان الحديث عن نقطة ضعف كبيرة. اذا لم يكن ذلك كافيا، فقد ازداد الوضع سوءاً في الاشهر الاخيرة بسبب اختراق الحدود بين قطاع غزة ومصر الذي سبب حركة حرة للجهات المعادية من مصر الى غزة وبالعكس.


المسؤولية عن الامن الجاري على الحدود ملقاة على قوات الجيش. تعمل في المنطقة قوات الفرقة الميدانية وحرس الحدود رامون. هذه القوات تحصل على مساعدة قريبة من سلاح الجو الذي يستعمل وسائله المختلفة في المنطقة.


قبل نحو من سنة بدأت وحدات طيران النقل في قاعدة سديه دوف في تطير طائرة “هحوفيت” (بوننزه ايه 36) في مهمات مراقبة فوق الحدود. انشأت المهمة تعاون خاص بين وحدات الطيران، لأن الطائرات ملك لوحدة “ملخيه هآفير” اما المراقبون المسؤولون عن تصوير المنطقة من الطائرة وملاحظة المشتبه فيهم فينتمون الى وحدت “الجمل الطائر”.


“اساس جهودنا متجه الى منع العمل الفدائي”، يقول المقدم امير. “الحديث عن صراع يومي بيننا وبين المهربين. ما يزال الطريق الى حل المشكلة على الحدود طويلاً ويحتاج الى استمرار تطويرات كثيرة لكن الاتجاه صحيح والهدف واضح للجميع.


يحتاج الى بديل


تم استيعاب “هحوفيت”، وهي طائرة نقل خفيفة طورتها شركة “بيتش كرفت” الامريكية، في وحدة طيران “ملخيه هأفير” في سنة 2004. تم شراء الطائرة على انها بديل من طائرة “هفشوش” (سكاتا تي.بي.20 ترينيدد) وخصصت لتنفيذ نقل قادة كبار. قرار استعمال الطائرة لمهمات استخبارية ايضا اتخذ بعد سنة من ذلك بعقب خروج طائرات “هعجور” (دارنر دي.او.28) من الخدمة.


اعلمت “هحوفيت” كما قيل آنفا على انها بديلة ممكنه، لكنها لم تكن على الورق خياراً كاملاً لمهمة المراقبة، بسبب كونها ذات جناح سفلي يحجب حقل الرؤية. مع ذلك استقر الرأي على ان الحديث عن قاعدة جيدة ومريحة، وذات مزايا كثيرة وبالتعاون بين الطيارين ومراقبي الفرق تم تطوير نظرية قتالية متميزة تمكنهم من التغلب على مشكلة الجناح. والى ذلك جرت على الطائرات عدة ملائمات مثل تركيب نوافذ بصرية تمكن من تصوير احسن نوعية.


لم يكن الجناح السفلي هو القضية الوحيدة التي احتاجت الى ملائمة. كما تذكرون انتسب مراقبو الفرق الذين نفذوا مهمات المراقبة من طائرة “هعجور” الى وحدة طيران “الجمل الطائر”. اما طائرات “هحوفيت” والفرق الجوية التي استعملتها عملت خاضعة لوحدة طيران “ملخيه هأفير”. اقترحت  للقضية حلول مختلفة واستقر الرأي آخر الامر على ادماج للاذرع بين وحدات الطيران: ان يتعلم مراقبو الجو وطياروا “الجمل الطائر” الطيران في طائرة  “هحوفيت” وان ينفذوا طلعات مراقبة مع فرق وحدة الطيران الشقيقه.


وعلى ذلك، بعد ان تم تنفيذ جميع الملائمات، انطلقت المهمة وكان يبدو ان العملية ستفضي الى نتائج ايجابية. احتاجت مهمة المراقبة  الى طائرة ثقة واقتصادية، تستطيع ان تبقى وقتاً طويلا في الجو وكانت “هحوفيت” ملبية لجميع هذه المطالب. “الطائرة مريحة للطيار وللطائرين بأعمال المراقبة في الخلف”، يبين الرائد الون، نائب قائد وحدة الطيران “ملخيه هأفير”.


“هي بسيطة في الطيران وذات نوافذ كبيرة ومريحة للتصوير”.


“في الخلاصة اذا نظرنا الى فائدة العملية اعتقد ان الحديث عن نجاح كبير”، يقول المقدم امير. “نجحنا في انشاء مهمة اخرى للطائرة وجعلناها في واقع الامر طائرة مراقبة من جميع الجوانب”.


يحرسون المنطقة


ليس تعقب نشاط المهربين في مناطق النقب سهلا البتة، لانهم يعرفون ظروف المنطقة. ويستغلونها الى النهاية. من أجل تحديد موقعهم، يحتاج فريق المراقبين في طائرة “احوفيت” الى معرفة المنطقة جيدا والى أن يكونوا خبراء بانماط سلوكهم.


أفضلة المراقبين انهم يطيرون فوق الحدود ويحصلون بذلك على صورة واسعة لما يحدث، بخلاف القوات الارضية المحدودة بمدى رؤيتها لمناطق ما. وعلى ذلك يستعمل المراقبون “عيونا” للقوات الارضية، ويتعقبون ما يحدث في المنطقة ويحذرون اذا لحظوا نشاطا مريبا.


لفهم المهمة فهما عميقا، علينا أن نعرف اولئك الذين ينفذونها، الا وهم مراقبو الفرق. المراقبون مجموعة ضيقة من الجنود “الخضر” يخدمون في سلاح الجو في وحدة طيران “الجمل الطائر”، كما قيل آنفا.


تنشط في وحدة الطيران مجموعة اخرى من المراقبين تنفذ مهمات مراقبة بطائرات “هتسوفيت” (بيتشكرافت كنيغ – اير)، لكن المسؤولية عن دورية المراقبة في الحدود ملقاة على مراقبي الفرق. “نحن نعمل في واقع الامر مندوبين للقيادات المختلفة في سلاح الجو”، يبين الرقيب يئير، احد مراقبي القيادات. “نعقد صلة وثيقة بهم ونحن مسؤولون عن تزويدهم برد عملياتي بحسب احتياجاتهم”.


كما قيل آنفا مراقبو القيادات هم جسم مستقل، ذو مجالات مسؤولية وعمل واسع. وهم يعملون مباشرة ازاء القوات الارضية ويبنون خطة العمل اليومية بحسب المعلومات التي يحصل عليها من جهات استخبارية مختلفة. “الحديث عن عمل كثيف جدا على مدار الساعة”، يضيف الرقيب يئير. “نحن في اتصال دائم بمستهلكينا ونخطط لمسارات الطيران وشكل المهمة على نحو يؤدينا الى استنفاد الطلعات العملياتية”.


تبدأ طريق المراقبين في الجيش الاسرائيلي في دورة مراقبة جوية هادفة تستمر نحو من نصف سنة، في قاعدة تدريب سلاح الاستخبارات. وفي نهايتها يبلغون وحدة طيران ويستمرون في التأهيل العملياتي.


“نجمع مع الوقت تجربة ونطور قدرة على معرفة الواقع عالية في المنطقة”، يبين الرقيب يام، وهو مراقب آخر. “اذا نظرنا الى الحدود كما هي، فان احتمال ان نعثر على المهربين ضئيل جدا. امتيازنا هو معرفتنا للمنطقة بحيث نعلم توقع اين يختبئون، واي المسارات يفضلون الرحلة فيها”.


“الحديث عن مجموعة متميزة، يكشف كل واحد من اعضائها كل يوم عن مسؤولية شخصية عالية والتزام تنفيذ المهمة”، يقول المقدم امير. “لا شك في أنهم جزء مهم ورئيس في وحدة الطيران وهم مثال ممتاز للتعاون الوثيق بين سلاح الجو وسلاح الاستخبارات”.


امسك بي


تتم مهمة المراقبة كل يوم ويخطط لها مراقبو القيادات تخطيطا تاما. يركز المراقبون توجهات الجهات الميدانية ويخططون لكل طلعة بحسب سلم اوليات ما. “قبل كل طلعة يتم توجيه نستعد به للمهمة”، يبين المقدم الون. “يوجد تقسيم واضح لمجالات المسؤولية: فالربان مسؤول عن ادارة المهمة وعن موضوع أمن الطائرة اما المراقبون فمسؤولون عن مسار الطلعة”.


في اثناء الطلعة يكون فريق الطائرة في اتصال بغرفة الحرب في الفرقة. “عندما تطير، تشعر بان يوجد عليك ضابط اخضر وضابط أزرق”، يشهد المقدم أمنون. “الضابط الازرق هو المراقب والضابط الاخضر هو الضابط في غرفة الحرب الذي يوجهك في الوقت المناسب”.


عندما يلاحظ المراقبون نشاطا مريبا، يستعملون قوات الفرقة في الميدان ويوجهونها الى ذوي الريبة. تشترك مروحيات سلاح الجو أيضا في الدائرة وتطلق احيانا من أجل احباط محاربي حرس الحدود في منطقة الحدث. “في اللحظة التي نلحظ فيها نشاطا مريبا، لا نعلم تحديد هل الحديث عن نشاط جنائي أو عن محاولة تهريب مسلح او وسائل قتالية. في هذه النقطة يدخل الصورة محاربو حرس الحدود الذين يمسكون بالمريبين ويفحصون عن محتوى البضاعة. يمكننا هذا التعاون من تنفيذ اعتقالات ناجحة”.


تشارك الشرطة ايضا بجزء مهم من العملية. “يتقدم المهربون على نحو عام الى الشرق، في اتجاه الشارع أربعين”، يقول المقدم امنون. “ننقل المعلومات الى القوات الارضية التي تبعث بالشرطة التي تنصب حواجز على الشوارع”.


وعلى ذلك فان “هحوفيت” تساعد في تحديد موقع ذوي الريبة. لكن وجودها في المنطقة يسهم في التشويش على التهريبات ايضا. “يسمع المهربون ضجيج محرك الطائرة ويعلمون انهم مطاردون”، يقول المقدم أمنون. “توجد لذلك اهمية كبيرة، لانهم لا يستطيعون تنفيذ التهريب كما خططوا”. ويوجد بطبيعة الامر ايضا عامل الردع. “هم يعلمون اننا في الاعلى ويجعلهم ذلك يفكرون مرتين”، يقول.


الديناميكية بين اعضاء فريق الطائرة مميزة ولا تشبه في طابعها سائر مهمات النقل الخفيف. “بخلاف مهمات نقل للمسؤولين الكبار او مهمات استخبارية اخرى، في مهمات الاستطلاع يعمل فريق الطائرة بتعاون تام طول المهمة كلها”، يبين المقدم أمنون. “في الحقيقة أن المستطلعين هم الذين يكونون في اتصال بالقوة الارضية، لكن الطيار هو قائد المهمة وتجب ملاءمة شكل الطلعة الجوية للطائرة مع احتياجات المهمة، مع الحفاظ على الامن”.


الحديث عن مهمة مركبة جدا ذات ايقاع احداث عال”، يقول المقدم ألون. “اذا لحظ شيء يجب ابلاغ الفرقة، لتهيج قوات لتعقب السيارة التي تسير بسرعة كبيرة وان تبين في مقابلة ذلك اين انت من المنطقة وان توجه القوات الى المكان الصحيح.


مفتاح النجاح هو ضبطهم “متلبسين” ويحتاج من اجل ذلك الى تخطيط كثير. المشكلة هي أن المهربين يتعلمون مع الوقت ما هي قدراتنا ويحاولون تجاوزها او التغلب عليها. توجد هنا لعبة قوى بيننا وبين المهربين. فهم يحاولون خداعنا وتضليلنا ونحن نحاول الرد على حيلهم الجديدة. وفي الخلاصة لا يحل ان تجتاز البضاعة المهربة الحدود وتصل الى غايتها، وهذا بالضبط هو عملنا”.


اجراء ناجح


“يوجد لمهمة الاستطلاع الجوي اهمية قيمية ووطنية”، يقول ويبين الرائد ألون. “لكن غايتنا الاولى هي منع النشاط التخريبي، لكن وقف التهريبات الجنائية لا يقل عن ذلك اهمية ولا يمكن التقليل من اسهامه بالمجتمع الاسرائيلي. يجب أن نتذكر ان المال من بيع المخدرات يصل الى المنظمات المعادية. ولهذا من المهم ان نحارب الظاهرة وان ننشيء ردعا وان نمنع كل محاولة تسلل”.


في الاشهر الاخيرة، إثر اختراق الحدود بين غزة وسيناء زادت اهمية المهمة. “يستطيع نشطاء الارهاب المعنيون بادخال وسائل  قتالية الخروج من غزة الى مصر ومن هناك الى الكيان. قد يكون الانتقال بسيطا وسهلا وليست الحالات التي استغل فيها نشطاء المقاومة كذلك قليلة”، يقول الرائد أمنون. “أخيرا فقط تم اعتقال مشتبه فيه افضى الى الكشف عن خلية فيها اثنا عشر مخربا كانت قد اجتازت الحدود وخططت لتنفيذ عملية في المركز”.


“ولما كان الحديث عن حدود سلام، فان مقدار القوات على الحدود ضئيل”، يقول الرائد ألون. “توجد لطائرة حوفيت اهمية عليا، لانها تستطيع تغطية جميع المنطقة في مدة زمنية قصيرة. الحديث عن مساحات عظيمة تستطيع طائرة فقط تغطيتها”.


“لا شك عندي في أن العملية اثبتت نفسها وافضل طريق لرؤية ذلك هي الردود التي نحصل عليها من المستهلكين”، يلخص المقدم أمير.


“اصبحت هحوفيت طائرة ضرورية لسلاح الجو والجيش الصهيونية من جهة عملياتية. احتيج الى عدد من الملاءمات لكنها نفذت والطائرة اليوم تلبي جميع المهمات التي يحتاج اليها فيها تلبية ممتازة. لا ريب في أننا ما زلنا نستطيع التقدم لكننا في الطريق الصحيح وسنستمر في العمل المتصل على مدار الساعة للوصول الى نجاحات اخرى والحفاظ على أمن الدولة.


مجلة سلاح الجو – العدد181 حزيران ‏2008‏

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى