تداعيات التبكير بالانتخابات الصهيونية
من الْمُؤَكَّدِ أن قرار رئيسة حزب ” كاديما ” الحاكم تسيفي ليفني المفاجئ بالتوجه لانتخابات مبكرة، ووضْع حد للجهود التي كانت تبذل لتشكيل حكومة جديدة، سيفضي إلى العديد من التداعيات الهامة على كثير من الصُّعُد، وسينعكس بشكل واضح على علاقات تل أبيب مع الأطراف العربية والإسلامية، ونحن هنا بصدد محاولة حصر هذه التداعيات:
أولًا: تبكير الانتخابات يعني أن تتحول الحكومة الحالية برئاسة رئيس الوزراء المستقيل إيهود أولمرت إلى حكومة تسيير أعمال، غير قادرة على مواصلة التفاوض مع السلطة الفلسطينية. صحيحٌ أن تجربة عامين من التفاوض مع حكومة أولمرت لم تُسْفِرْ عن أي نتائج تذكر، إلا أنه في ظل الواقع الحالي لن يكون من الممكن مواصلة إجراء التفاوض، على اعتبار أنّ الأحزاب الإسرائيلية ستهتم فقط بتعزيز فُرَصِهَا بالفوز في الانتخابات القادمة، وضِمْنَ ذلك سعيها لإضفاء مزيدٍ من التطرف على مواقفها السياسية.
فمثلًا حزب ” كاديما ” مَهَّدَ للانتخابات بالتأكيد على عدم استعداده لخوض غمار أي تسوية سياسية تقوم على ” التنازل ” عن أي شِبْرٍ من القدس المحتلة؛ لذا سيكون على الرئيس الفلسطيني محمود عباس الانتظار حتى إجراء الانتخابات التشريعية، وتشكيل الحكومة التي من المتوقع أن يهيمن عليها اليمين واليمين المتطرف.
لكنّ الفراغ السياسي لا يُقَابِلُهُ فراغٌ في النشاطات الاستيطانية، بل على العكس تمامًا، فالواقع الحالي مناسب جدًّا لتعاظم المشروع الاستيطاني؛ حيث إن حكومة كاديما ستُوَاصِلُ -ليس فقط غض الطرف عن البناء في المستوطنات- بل إن عددًا من وزرائها شرعوا فعلًا في تقديم مساعدات للمستوطنين، من أجل استرضاء القطاعات ذات التوجهات اليمينية، في الوقت الذي ضاعَفَ فيه المستوطنون مظاهِرَ العربدة والعدوان ضد الفلسطينيين العزل.
ثانيًا: واضح تمامًا أنه سيتم تجميد معالجة ملف الجندي الصهيوني المختطف جلعاد شليت، والجهود الهادفة للتوصل لصفقة تبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل، فحكومة تسيير الأعمال لن تكون مُخَوَّلَةً لاتخاذ قرارات حاسمة في هذه القضية، حيث إن أي قرار يتم اتخاذه بهذا الشأن سيتم تفسيره على أنه جاء لدواعٍ انتخابية، اللهم إذا فاجأ أولمرت الجميع باتخاذ قرار دراماتيكي على هذا الصعيد.
ثالثًا: على صعيد مستقبل التهدئة، فإن الانتخابات الْمُبَكِّرة ستساعد على تمديد العمل بالتهدئة، رغم تعالي بعض الأصوات داخل تل أبيب التي تنادي بوضع حَدٍّ لها، على اعتبار أنها تخدم مصالح حركة حماس، فحكومة تسيير أعمال ليس بوسعها تَحُمُّل تبعات قرار وضع حد للتهدئة؛ لأنه يعني فتح الباب على مصراعيه أمام مواجهة متواصلة مع حركات المقاومة الفلسطينية.
وفي نفس الوقت فإن دوائر صنع القرار في إسرائيل تُدْرِكُ محدودية تأثير العمليات العسكرية ضد حماس على إجبار الحركة على تقديم تنازلات بشأن شليت، ناهيك عن إمكانية تعرض شليت نفسه للخطر، في حال مَسّت إسرائيل بقيادي بارز في حماس؛ حيث تحذر الكثير من القيادات في إسرائيل من أن خاطفي شليت قد يُقْدِمُون على قَتْلِه كردٍّ على أي عَمَلٍ عسكري إسرائيلي يستهدف قيادات الحركة.
ومن ناحيةٍ ثانيةٍ فإنه لا يوجد ضمانة أن تؤدي العمليات العسكرية التي سيُنَفِّذُها الجيش الإسرائيلي ضد حماس إلى شل قدرة الحركة على العمل ومواصلة المقاومة؛ حيث يسود خَوْفٌ من أن تقوم الحركة بإطلاق مئاتِ وحتى آلاف الصواريخ على المستوطنات المحيطة بالقطاع؛ حيث تفترض الدوائر العسكرية الإسرائيلية أنّ لدى حماس صواريخَ يصل مداها حتى مدينة ” أسدود “شمالًا، أي أنّ أكثرَ من نصف مليون مستوطن سيكونون في مرمى الصورايخ في حال وَضْعِ حَدٍّ للتهدئة.
رابعًا: فيما يتعلق بمخططات إسرائيل تجاه إيران، فمن المنطقيِّ الافتراضُ لِأَوَّلِ وهلة أنه سيتم تجميد أيِّ مخطط لِشَنِّ إسرائيل هجومًا على إيران، على اعتبار أن قرار شن هجوم على إيران يجب أن تتخذه حكومة منتخبة، وليس حكومة تسيير أعمال.
ومع ذلك فإنه يتوجب عدم استبعاد أن يقوم أولمرت بمفاجأة الجميع، واستغلال صلاحياته كرئيس وزراء؛ ليأمر بشن هجوم على إيران إذا اقتنعَ أنّ فُرَصَ نجاح هذا الهجوم كبيرة، وذلك لأن أولمرت الذي اضطُرّ للاستقالة بعد اتهامه بقضايا فساد، مَعْنِيٌّ بأن يتم تطهير سمعته عبر ربط اسمه بحدث تاريخي، ينهي به عمله كرئيس وزراء.
خامسًا: من المؤشرات التي تؤكد بُؤْسَ الرِّهَان العربي على المتغيرات الإسرائيلية الداخلية هو ذلك التنافُسُ المحموم الذي تخوض الأحزاب الإسرائيلية الكبيرة حاليًا على ضم أكبر عَدَدٍ من الجنرالات المتقاعدين الذين اشتُهِرُوا بشكل خاص بتاريخهم الطويل في تنفيذ عمليات القمع وجرائم الحرب ضد الفلسطينيين والعرب إلى صفوفها، للتدليل على ” جودة ” مُرَشَّحِيها وأهليتهم للقيادة. فالأحزاب الإسرائيلية الثلاثة الكبرى في إسرائيل تَتَنَافَسُ حاليًا على ضم الجنرال موشيه بوغي يعلون، رئيس هيئة أركان الجيش الأسبق، وتحاول كل منها إقناعه بالانضمام إليها.
والمؤهلات التي ” يتمتع بها ” يعلون تتمثل في سيرته الشخصية كقائدٍ لوحدة ” سييرت متكال “، أكثرِ وحدات الجيش الإسرائيلي نخبوية، وهي المسئولة عن تصفية مئات القيادات الفلسطينية؛ حيث برز أسم يعلون عندما كشف النقاب عن قيامه بقيادة عملية اغتيال أبو جهاد الرجل الثاني في حركة فتح في العام 1986، كما كان يعلون قائدَ قوات جيش الاحتلال في الضفة الغربية خلال الانتفاضة الأولى، وكان مشهورًا بإصدار التعليمات الصارمة لِقَتْلِ أكبر عدد من الفلسطينيين.
وإلى جانب سِجِلِّه في مجال القمع، فإن يعلون أَطْلَقَ بعد تسريحه من الجيش عددًا من التصريحات بالغة التطرف، مثل وصف فلسطينيي 48 بأنهم بمثابة ” السرطان في جسد الدولة “، وتأكيده على أن المفاوضات وَصْفَةٌ لإضعاف إسرائيل.
قصارى القول: آن الأوان ليتوقف العرب عن الرهان على التطورات الإسرائيلية الداخلية، ويلتفتوا إلى ما يمكنهم أن يفعلوه بقواهم الذاتية.