الحوار الفلسطيني تحت رقابة مكثفة: اتفاق سريع أو مؤتمر عربي للمحاسبة
السفير اللبنانية
تبدأ الفصائل الفلسطينية بالتوافد هذا الاسبوع إلى العاصمة المصرية لحضور مؤتمر الحوار الوطني الذي سيبدأ أعماله مطلع الأسبوع المقبل. ويبدو أن الحفاوة التي ستقابل بها مصر الرسمية »الأخوة الأعداء« من الفلسطينيين قد تغطي على الكثير من الخلافات بينهم. فالمؤتمر سيعقد، وللمرة الأولى ، »برعاية رئاسية« مع تأكيدات بأن الرئيس المصري حسني مبارك قد يكون هو من يفتتحه في تأكيد على خصوصيته.
ومن الجائز أن مصر لن تكتفي بالدعوة التي وجهتها إلى وزراء خارجية لجنة المتابعة العربية لحضور المؤتمر، وقد ترفدها بحضور رئاسي أو ملكي آخر إلى جانب الحضور المؤكد للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وعلمت »السفير« أنه بعد افتتاح المؤتمر سيتم الاتفاق على تشكيل لجان لمناقشة القضايا موضع الخلاف في الساحة الفلسطينية وخصوصا بين حماس وفتح. وسيسبق تشكيل اللجان الإعلان ولو بشكل عمومي عن أن الورقة المصرية، بعد إدخال تعديلات صياغية، تشكل إطاراً مقبولاً للعمل الفلسطيني في المرحلة المقبلة.
وثمة إشارات بأن هذه اللجان ستبدأ نشاطاً مكثفاً في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي للتوصل إلى اتفاقات قبل نهاية الشهر المقبل بغية الإعلان عن مواعيد لإعلان حكومة الوفاق والانتخابات المتزامنة. وإذا لم تفلح هذه اللجان في التوصل إلى اتفاقات فإن الحكومة المصرية ولجنة المتابعة العربية ستعرض النتائج على مؤتمر عربي وتحمل الجهة التي عرقلت الاتفاق المسؤولية عن ذلك.
وإلى جانب ذلك تنظر أطراف كثيرة باهتمام إلى ما يمكن أن يعقد على هامش مؤتمر الحوار من لقاءات ثنائية بين حماس وفتح. وكان اللقاء الثنائي من بين شروط حماس لإجراء الحوار، لكنه الآن بات ضمن آليات الحوار مما يعني أهميته في نظرهم. ورغم مطالبة العديد من القياديين في فتح باللقاءات الثنائية مع حماس إلا أن الرئاسة الفلسطينية أصرت على اعتبار ذلك شأناً مميزاً يحتاج إلى موافقة »فصائل منظمة التحرير« حيناً، وإلى تمهيد طويل حينا آخر.
ومن الجلي أن الحفاوة والاهتمام المصريين سيكنسان الخلافات الفلسطينية تحت السجادة بعبارات عمومية، ولكن هذه الخلافات ستبرز مجدداً وبقوة أثناء عمل اللجان. ويبدو أن الطرفين الأساسيين في الخلاف الداخلي الفلسطيني متنبهان منذ الآن إلى ذلك. وهكذا فإنه في مقابل الإعلانات المتكررة من جانب قيادات فتح عن الرغبة في الوصول إلى أي اتفاق ينهي الأزمة، تكثر قيادات حماس من الحديث الإيجابي عن الورقة المصرية. بل إن إعلان رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية أن الورقة المصرية إيجابية وصالحة كأساس يندرج في إطار لعبة مقصودة تريد إظهار أن المشكلة تكمن في الأصل لدى الجهة الأخرى.
وقد أكثرت جهات من مستويات دنيا في الجانبين مؤخراً من تقديم الشكاوى ضد القمع الذي تتعرض له من الجهات المقابلة.
والواقع أن الخلافات الفلسطينية مع الورقة المصرية أكثر من أن تحصى وهي ليست خلافات مقصورة على حركة حماس. فبعد أن كرر قادة من فتح الحديث عن قبول »فصائل منظمة التحرير« للورقة المصرية اضطرت بعض هذه »الفصائل« وخصوصاً الجبهتين الشعبية والديموقراطية لعقد اجتماعات مع حماس والجهاد الإسلامي لإظهار اختلافهما عن موقف فتح. كما أن قادة هاتين الجبهتين عرضوا في وثائق مكتوبة وعلى الملأ ملاحظاتهم على الورقة المصرية التي تظهر مواضع اختلافهم معها.
ومع ذلك فإن الموقف الحقيقي والمعلن لحماس يرى أن الورقة المصرية تمس عدداً من الثوابت الفلسطينية وتقود الساحة نحو برنامج سياسي واحد. ولا تخفي حماس رفضها لفكرة شرعية تمثيل منظمة التحرير للفلسطينيين قبل إعادة إصلاحها كما ترفض »تقييد« المقاومة بحصر احتكار السلاح بأيدي الأجهزة الأمنية، ولا تقبل قصر إصلاح الأجهزة الأمنية على قطاع غزة فقط. وترى حماس أن لا علاقة بين المصالحة والمفاوضات أو المصالحة والتهدئة وتصر على وجـوب أن يشكل الاتفاق رزمة واحدة وأن تتزامن إجراءات إصلاح الأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع على حد سواء.
كما أن قوى أخرى، وبينها الجهاد الإسلامي والجبهتان الشعبية والديموقراطية لا تريان مصلحة الآن في التركيز على التهدئة في هذا الحوار وترى أن الجهد ينبغي أن ينصب فقط على إنهاء التشرذم والخلاف الداخلي. وتعتقد بعض هذه القوى أن الخلافات حول التسوية السياسية والتهدئة تعمق الشرخ القائم بين الفلسطينيين ولا تساعد في ردمه. وتؤكد قوى فلسطينية كثيرة على العديد من الاتفاقات السابقة وفي مقدمتها اتفاق القاهرة الذي حدد أسس إصلاح منظمة التحرير واتفاق مكة الذي رغم اختلاف البعض معه إلا أنه مثل أول نوع من التوافق السياسي بين حماس وفتح.
وليس من المستبعد أن تصر غالبية القوى الفلسطينية على وجوب اعتماد إعلان القاهرة ووثيقة الوفاق الوطني، ولكن السؤال الأهم هو هل سيتوافقون على حكومة الوفاق وعلى مواعيد تشكيلها وإجراء الانتخابات؟
غير أن الحوار في القاهرة سيعقد في ظل اختلافات فلسطينية معه من نوع جديد. ففي السنوات الثلاث الماضية بزغ نجم العديد من الفصائل والقوى التي لم تكن موجودة أثناء حوار القاهرة عام .٢٠٠٥ وتحتج هذه القوى وبينها العديد من الجهات المسلحة أو تلك التي بات لها تمثيل سياسي في المجلس التشريعي الفلسطيني على عدم دعوتها للحوار. فقد اكتفى المصريون بتوجيه الدعوة للفصائل والقوى التي شاركت في حوارات القاهرة .٢٠٠٥ ولم توجه الدعوة لفصائل مثل اللجان الشعبية أو حركة المبادرة التي يقودها الدكتور مصطفى البرغوثي.