ليفنــي تجعــل حــزب العمــل محــل هــزء
صحيفة هآرتس الصهيونية
تكثر ليفني هذه الأيام من الضحك. ولديها ضحكة مجلجلة، وهذا صحي. وعندما أخبرها أحدهم بأن إيهود باراك ينال فقط في الاستطلاعات الأخيرة عشرة مقاعد، فإنها تكورت على نفسها من شدة الضحك. فثمة شيء في هذا الرقم يدفعها للضحك. وهي لن تقول، كما قال أولمرت في آذار ،٢٠٠٦ إن »كديما فازت في هذه الانتخابات والسؤال هو بأيّ عدد من المقاعد«، لأنها أكثر حذراً وأشد انضباطاً. وعدا ذلك فإن باراك ليس المشكلة لديها. فالمعركة الانتخابية للعام ،٢٠٠٩ هي المعركة الانتخابية الأولى في تاريخ إسرائيل التي لا يتنافس فيها رئيس حكومة عامل، وهو ما يجعل جميع المتنافسين أناساً يمكن الوصول إليهم، وقد بدأت بتنافس متقارب، بين الليكود وكديما، وبشكل متساوٍ.
وبوسع باراك أن يكرر إلى أن يبح صوته القول بأن كديما هي »حزب هواء« وإن الشعب »في النهاية« سوف يفهم من أدار الدولة في العام الأخير، ومن حرك الأمور، ومن خلق الأفعال، ومن حافظ على المحكمة العليا ومن قاد إلى التهدئة في المناطق. ومن وجهة الوقائع، فإن باراك محق، ولكن في هذه المرحلة المبكرة من الحملة تتنافس ليفني على رئاسة الحكومة فيما يصارع باراك من أجل حياته السياسية ومن أجل مصير حزب العمل الذي يضمر، والذي قد ينتهي، كما الليكود في العام ،٢٠٠٩ مع اثني عشر مقعداً.
وتبدو ليفني كنوع من مرشح الاحتجاج »شبه القادم من الخارج«، رغم أنها كانت جزءاً لا يتجزأ من المؤسسة الحكومية، من السلطة. وبالمقابل فإن باراك، رغم أنه عائد للحلبة السياسية قبل أكثر من عام، يبدو وكأنه عتيق، وشبه متحجر. فقد أفلحت ليفني في أن تعيد خلق نفسها وحزبها من جديد، بعد عام من تأبين كديما. أمنا باراك فإنه متورط مع حزب العمل والحزب متورط معه، حيث لا يبدو واضحاً أيهما الحدبة وعلى ظهر من منهما.
إن هذه معركة انتخابات خاصة ليس فقط لأنه يغيب عنها رئيس حكومة عامل، وإنما لأن فيها رئيسي حكومة سابقين، بدءا كشهابين في السياسة، كأمل كبير، وألقيا بمهانة بعيدا عن السلطة، بعد تلطيخهما بالزفت والريش. وعاد الاثنان في الأعوام الأخيرة، غير أن أحدهما أفلح والثاني فشل.
فنتنياهو، ومن دون أن يفعل تقريباً أي شيء في العامين والنصف الأخيرة، يوجد في موقع انطلاق ممتاز نحو رئاسة الحكومة. ومعطيات الاستطلاع التي تنشر هنا، من نسب المقاعد إلى أسئلة حول ملاءمتهم للمنصب، هي أكثر من جيدة له: فهو السيد اقتصاد، السيد أمن، السيد ائتلاف حكومي، السيد صمود في مواجهة الضغوط، السيد استخلاص العبر. إنه فعلاً السيد عالم. ومن المؤكد أن نتنياهو يقرأ هذه المعطيات ولا يصدّق أنه كذلك.
وثمة أناس يشعرون بالإحباط من استطلاعات كهذه، فيما أن آخرين يتشجعون منها. وأنا من النوع الثاني، كما يقول باراك. وبالفعل فإن باراك رجل حملات ممتاز. ومشكلته تبدأ حال انتهاء الحملة. هذا ما حدث في العام ،١٩٩٩ عندما هزم نتنياهو بأغلبية جارفة، وهو ما حدث أيضاً في العام ،٢٠٠٧ عندما تغلّب على عمير بيرتس وعامي إيلون. والواقع أنه يصعب استيعاب حجم الاحتقار والضغينة التي يكنها الجمهور لباراك. وهو لا يحظى بأي نقاط على أي شيء.
في هذا الاستطلاع يقف باراك في المؤخرة، تقريباً في كل المعايير، عدا مسألة الأمن القومي، (»أي من المرشحين الثلاثة أكثر ملاءمة لمعالجة مشاكل إسرائيل الأمنية«). وهناك هو في المكان الثاني، بعد نتنياهو.
في كل ما يتعلق بنتنياهو، فإن جمهرة الناخبين خلقت عقلانية: فلأنهم يريدونه، فإنه الأفضل في كل شيء. وبالنسبة لباراك فإن العقلانية مقلوبة:
لأنهم لا يريدونه، فإنه سيء في كل شيء. ويقول باراك إن الناس سوف تفهم من هو الحزب المسؤول، الحقيقي، الجذري، الذي يصنع الأمن وليس يتحدث عنه فقط.
ماذا، هل سيصوّت ناسنا لقائمة كديما؟ مع تساحي هنغبي، وروحاما وأفلالو؟
نتنياهو إلى النور
إننا لسنا سذجاً وبتنا أكثر خبرة وندوباً كي نعرف أن معطيات الاستطلاعات الأولية لا تعبر بالضرورة عن النتائج في صناديق الاقتراع. وكل ما بالوسع استنتاجه بشأنها هو أن هذا هو الحال في الأسبوع الأول من المعركة الانتخابية. وفي المعركة الانتخابية العام ٢٠٠٦ منحت الاستطلاعات كديما
٤٠ـ٤٢ مقعداً، تقريباً حتى الأسبوعين الأخيرين. ولكن كديما نالت ٢٩ مقعداً.
وبالمقابل فإن الاستطلاعات تنبأت فعلاً بمصير الليكود والعمل. وبالمناسبة فإن من يسأل نفسه أين اختفت المقاعد السبعة لحزب المتقاعدين، فإن الجواب موجود في تحليل النتائج: ٣٠٪ من ناخبيهم سيصوّتون هذه المرة لكديما، ٢٠ سيصوتون للعمل و١٠٪ لليكود. والباقي لا يعرفون أو لم يقرروا بعد لمن سيصوّتون.
والمعطيات المثيرة للفضول في هذا الاستطلاع تتعلق بتسيبي ليفني. فهي تجلب لحزبها عدد مقاعد مماثلاً لما يجلبه نتنياهو لليكود: ٣١ مقعداً، ولكن في أسئلة التناسب مع رئاسة الحكومة تبقى متخلفة عنه كثيراً. وهذا هو الحال في الرد على سؤال من سيعالج أفضل مشاكل الاقتصاد (هنا لنتنياهو قدرة تعزيز غير بسيطة إذا تفاقمت الأزمة الاقتصادية في الشهور القريبة)؛ وهذا هو الحال في الردّ على السؤال حول من سيقود بشكل أفضل العملية السياسية مع الفلسطينيين والسوريين؛ وهو الحال أيضاً مع من يعالج أفضل مشاكل إسرائيل الأمنية؛ وكذا في قضية الصمود أمام الضغوط والقدرة على قيادة ائتلاف.
وليفني تتخلف عن نتنياهو تقريباً في كل هذه المسائل، القضايا، ومع ذلك فإنها في المقاعد تتساوى معه.
ومن الوجهة الظاهرية فإن في الأمر لغزاً. لماذا لا تؤثر أسئلة العمق على نوايا التصويت؟ والاستنتاج واضح: رغم أن الجمهور يرى أن ليفني أقل أهلية لرئاسة الحكومة في القضايا الأشد حساسية، فإنه لا يزال يريدها. هكذا.
لأنها توحي بشيء يصعب تفسيره. فهل تشير هذه المعطيات إلى أن تأييد ليفني غير ناضج؟ وأنها قد تفقد تحليقها مع مرور الوقت؟ ربما، ولكن نتنياهو ليس مصنوعاً هو الآخر من مواد لا تتلف. وحتى اليوم فإن أحداً لم يعالج أمره.
لكنه الآن خرج إلى العلن واللعبة الحقيقية بدأت.
وكان لطيفاً لو أن نتنياهو وليفني حملا القفاز الذي ألقاه باراك عليهما وقبلا الوقوف ثلاثة في مناظرات تلفزيونية. ويمكن تعلم الكثير من هذه
المناظرات: حول إدراكهم للأمور، حول عمقهم وضحالتهم، حول سيطرتهم على المعطيات، حول صمودهم أمام الضغوط، حول روح الدعابة والجفاء.
وفي هذه الأثناء، عند دراسة الاستطلاعات، ينبغي لنا إمعان النظر في حجم المعسكرات. وفي هذا الاستطلاع ينال معسكر اليمين ٦١ مقعداً، أما معسكر الوسط ـ اليسار فينال ٥٩ مقعداً. وهذا شبه تعادل. وليس من الغريب أن ينتقل مقعدان أو ثلاثة من معسكر إلى آخر. ولكن حينها سيكون من الصعب أيضاً على ليفني تشكيل حكومة متجانسة في كل الأحوال، لأنه يوجد في معسكرها أحد عشر عضو كنيست عربياً، لا يزالون في إسرائيل العام ،٢٠٠٨ ولسبب ما غير مقبولين لأي ائتلاف. وحينها عليها أن تضم إلى ائتلافها على الأقل جهة يمينية واحدة، يمكن أن تهرب منها كالهروب من النار لحظة نشوء خشية من اتفاق سياسي.
وهناك من يظن أن هذه الانتخابات تعيد إحياء »المعسكر القومي«. وفي السنوات ٢٠٠٣ـ٢٠٠٦ نشأ شرخ بين الليكود والحريديم بسبب ضم شينوي لحكومة شارون وبسبب سلوكيات نتنياهو الاقتصادية، كما نشأ شرخ بين الليكود واليمين بسبب خطة الفصل عن غزة ونشوء حزب كديما. وعندما حاول نتنياهو، بعد انتخابات ،٢٠٠٦ إقامة كتلة مانعة مع ليبرمان وإيلي يشاي، جوبه بالرفض التام. فهم لم يرغبوا في الاستماع إليه.
وفي العامين الأخيرين انضمّ يشاي إلى حكومة أولمرت فور تشكيلها، أما ليبرمان فانضمّ إلى الحكومة بعد شهرين من ذلك، وحكم الاثنان على نتنياهو بالجلوس طويلاً في مقاعد المعارضة. أما الآن فإن اليمين موحد في صراعه ضد كديما. فهل هذا يعني أنه بعد الانتخابات لن ينضم حزب كشاس أو يهدوت هتوراة بحال من الأحوال إلى معسكر كديما ـ العمل، إذا ما دعيت ليفني لتشكيل حكومة؟ في الليكود يظنون أنهم لن ينضموا. وأن سيناريو كهذا واقعي فقط إذا امتلكت ليفني كتلة مانعة مستقرة وكبيرة.
وتقول ليفني، »إنني لا أقبل هذا. فكديما حزب وسط. وأجندتنا ورؤيتنا هي وسطية. ولا ينبغي تصنيفنا ضمن معسكر اليسار. عليكم أن تضعوا جانباً كل المعسكرات. لقد رفض نتنياهو الانضمام لحكومة أردت تشكيلها، ليس بسبب أن مواقفه بعيدة جداً عن مواقفي، وإنما لأنه لم يرد منحي مشروعية قبل الانتخابات«.
وتزعم ليفني أن »لكديما تحديداً هامش اختيار ومناورة سياسية أكبر وأوسع مما للأحزاب الأخرى«. والرسالة واضحة. إنها تريد الهرب من الارتباط باليسار وتريد في الوقت نفسه كسب أصواته. وهذه مهمة حساسة ومعقدة، تستدعي حملة حذرة ودقيقة. وفي الشهور الثلاثة القريبة سوف تضطر ليفني للمشي على البيض بين اليسار واليمين. فليس لباراك ما يخسره، ويمكنه أن يقامر بمبالغ كبيرة، أما هي فلديها الكثير مما تخسره.
خذوا مثلاً قائمة كديما للكنيست، والتي سوف تنتخب بعد أسابيع عدة. فإذا كانت قائمة يمينية، يسيطر عليها شاؤول موفاز، ورجاله أكثر تنظيما وانضباطا، سوف تضطر ليفني لتشرح للجمهور كيف تنوي تحقيق تسوية سياسية مع الفلسطينيين، عندما يكون أغلب أعضاء كتلتها يعارضون التنازلات في القدس.
آسف، لإغضابهم
ألقى بنيامين نتنياهو خطاباً في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست. وقبيل نهاية خطابه قال: »قبل خمس سنوات تسلمت، كوزير للمالية، اقتصاداً على شفا الانهيار، وسوية مع زملائي أنقذنا اقتصاد إسرائيل«. وضبطت كاميرات قناة الكنيست روبي ريفلين يمسك بيد سيلفان شالوم ويهمس في أذنه مهدئاً. فليست هناك جملة تستفز شالوم، وزير المالية قبل نتنياهو، أكثر من هذه الجملة التي يحبّ نتنياهو تردادها.
واستمر نتنياهو في خطابه. وقال »بعد الانتخابات سوف أدعو تسيبي ليفني وإيهود باراك للانضمام إلينا ولشركائنا، لرص الصفوف، وبمساعدة بوصلة وخريطة واضحة، نقود دولة إسرائيل إلى بر الأمان«. وبدت حركة عصبية في مقاعد شاس. ويتساءل رجال شاس بينهم وبين أنفسهم وبعد ذلك مع ليكوديين: هل من أجل ذلك نذهب إلى الانتخابات؟ هل من أجل أن تجلس كديما والليكود والعمل (ينالون جميعاً وفق الاستطلاعات ٧٢ مقعداً) ونغدو في مكانة مهملة؟ وقد جاء رد إيلي يشاي بعد يومين عندما أعلن أنه سيطلب لنفسه حقيبة التعليم في حكومة نتنياهو.
ومن الجلي أنهما الآن متعادلان بانتظار الاحتكاك المقبل.
لقد كانت هذه جلسة غريبة في افتتاح الدورة الشتوية. رئيس حكومة مستقيل منذ شهرين يلقي خطاب الافتتاح. أما بديلته فتجلس على كرسيها صامتة. ورئيس المعارضة يلقي، بموجب القانون، خطاب افتتاح حملته الانتخابية فيما أن المرشح الثالث، باراك، والذي ليس على الإطلاق عضو كنيست ينظر إلى الجميع من الهامش تقريباً. وألقى باراك نظرة إلى منصة الجمهور. واستدار بكرسيه، كمن يبحث عن شيء. وفي وقت لاحق برر أحد مقربيه هذه الحركة بأنها ليست بحثاً عن شيء وإنما وسيلة لإبداء رأيه في هذا المشهد الغريب، الذي كان هو جزء منه.