الأمن المجتمعي

أساليب القتال الصهيوني في مناطق مفتوحة

 


بقلم: عمانويل سكال


لواء (احتياط)، باحث كبير في مركز بيغن – السادات


مسارات المعارك التي شاركت فيها مع ابناء جيلي، تنقلت في مناطق مختلفة جدا، من المنحدرات البازلتية في الهضبة السورية، الى سند الجبل في حرب الايام الستة، ومشاهد الحوار في غور الاردن في “الاستنزاف”، ومناطق جبلية صعبة جدا في “سلامة الجليل”، وبطبيعة الامر السهول الواسعة للقناة و “افريقية” في حرب الاستنزاف وحرب يوم الغفران.


في السنين الكثيرة التي خدمت فيها في سيناء جهدت لافهم الطاقة الكبيرة الموجودة في المناطق المفتوحة، في كل ما يتصل باستعمال جهات مدرعات كبيرة تأتي للحسم، الى جانب المشكلات الصعبة التي تفرضها هذه المناطق على القائد وعلى الطوابير التي يقودها.


في السنين التي تدرب فيها الجيش الصهيوني بلا تشويش – منذ الهدنة في آب 1970 الى نشوب حرب يوم الغفران، ومنذ اتفاق الفصل بين القوات في 1974 الى بدء حركة القوات في السنتين 1981 – 1982 تمهيدا لحرب “سلامة الجليل”، تدرب الجيش وتطورت فروق تخصص كبيرة جدا: فروق بين ما سميناه “جيش الجنوب”، الفرقة 252، وما سميناه “جيش الشمال”، الفرقة 36.


تدربت الفرقة 252 على القتال في مناطق مفتوحة وأكدتها تأكيدا عملياتيا بتفهم ان المناطق المفتوحة تمنح شيئا من التسامي وتطور التفكير. نشأت فروق تصور بين ما يوجد عند الفرقة 252 وبين تصورات العمليات في الشمال، مع المشكلات الصعبة للاختراق في مسارات ضيقة مقصوفة بالنار. تحددت هذه الاشياء فنيا في طرفي المناطق التي مكث فيها الجيش الصهيوني حتى حرب يوم الغفران وبعد ذلك ايضا.


أدركنا انه توجد في المناطق المفتوحة قدرات شتى. سأحاول تقديم عدد من التوكيدات. ليس صحيحا أن نرى نموذج سيناء فقط. فالمناطق المفتوحة موجودة في أكثر الميادين التي يفترض بالجيش الصهيوني ان يعمل فيها وقد يعمل، وكذلك في مناطق موجودة اليوم في دول صديقة وتمكن رؤيتها مناطق مفتوحة ممكنة. وراء ارتفاعات سند الجبل في الاردن تبدأ المناطق الصحراوية. وفي سورية وراء اللجوت بل في لبنان في البقاع توجد مناطق مفتوحة. من المحقق أن هذا الامر برغم جميع تغييرات التصور يقتضي تخصصا لموضوع القتال في المناطق المفتوحة.


في السنين التي خدمت فيها وقدت وحدات في سيناء، اجتهدت أن افهم وان اضيف شيئا مني. اطلعت متأخرا نسبيا على مقالة ابراهام روتم من 1977: “قواعد ومبادىء في القتال الصحراوي”، في مجلة “معرخوت” العدد 254. هذه المقالة التي اراها جوهرة، اضاءت بصري بحدة التعبير ووصف الاشياء ومنذ ذلك الحين اصبحت هاديا لي.


تبين لي مرة اخرى عمق تفكير روتم في هذا الموضوع بعد حرب الخليج الاولى، عاصفة الصحراء، عندما أقمت في قيادة سلاح المدرعات فريق استخلاص دروس. طلبت، ووافق روتم بطبيعة الامر أن يكون عضوا في الفريق. والى ذلك شارك ايضا اناس مثل موسى بيلد، وشمعون نافيه وشلومو يناي. درسنا ما فعل الامريكيون في المناطق المفتوحة وخلصنا الى استنتاجات.


أتيت رئيس الاركان ايهود باراك فقال لي بنصف فكاهة: “الاستنتاج الاهم هو انه يجب أن نكون قوة عظمى”. كان محقا بطبيعة الامر لكن كانت توجد الى ذلك عدة امور تعلمناها من الامريكيين وكان من المهم استيعابها، في هذه المحاضرة لي شرف كبير أن استعمل هذه المقالة لروتم واقوالا اخرى له. استعمل هنا اقتباسات مباشرة، واقوالا سمعتها منه، واقوالا لاخرين ولي تقال في الموضوع.


المناورة هي لب الاستعمال في المناطق المفتوحة. ان من يرى في خياله مناطق مفتوحة وفيها اعداد كبيرة من الدبابات تسير وتثير الغبار على حق. فهذا في الحقيقة جوهر المناطق المفتوحة. صحيح الرأي السائد الذي يماهي بين المناورة والمناطق المفتوحة. ماهية المناورة هي تفضيل محاربة الارض أو الميدان بدل محاربة قوات العدو. اختيار سبيل الصعوبات الارضية على غير المعلوم.


قال كلاوزفيتش في المناورة “ان السير في معركة ليس بالضرورة استعمال السلاح فالمناورة اداة استراتيجية لكن يمكنها في كل لحظة دخول القتال”. هذه اقوال صائبة.


كتب روتم في مقالته: “يصبح القتال بلا مناورة استنزافا وايهانا ويخرج المنتصر مرهقا ايضا”. ليست المناورة هدفا في حد ذاتها، فليس الامتحان هل المناورة شجاعة وجريئة، بل هل تخدم الهدف الذي تتم لاجله. يجب على جميع القوات الثانوية ان تسهم في الخطة العامة. عندما تتورط قوة ثانوية تستطيع أن تؤثر في المعركة كلها. تتحدث النظرية الامنية عن حسم والمناورة تخدم الحسم. لهذا سآتي هنا بما يدرك بالمزاج العسكري وهو كيف نحسم الحرب.


في الخلاصة من أجل حسم الحرب يحتاج الى تحطيم ارادة العدو للقتال ووقف القتال. نحصل على ذلك بالمس بالبنى التحتية وجزء كبير من اسلحة الجو، وتحطيم الاطر المحاربة. ينبغي اصابة اكبر قدر من جنود العدو وبايقاع عالٍ، واحتلال  مناطق والتمسك بها ماديا.


في صعيد العمليات في التصور الامني الموجود، قبل ان نغيره او نزيد عليه، يمكن برغم القيود تحقيق هذه الاهداف. يمكن تحقيق جزء من هذه الاشياء بسلاح الجو فقط، ويمكن تنفيذ جزء بالقوات البرية فقط، ويمكن تنفيذ جزء بالتأليف بينهما فقط، هذا هو السر.


في الخلاصة، مع جميع التغييرات وجميع الاضافات اؤمن ولست أنا فقط بان حسم الحرب يكون في البر بالقوات البرية وبمساعدة سلاح الجو بطبيعة الامر. فالحسم في الخلاصة تأليف بين الحركة والنار. فالحركة والنار تتنافسان طوال التاريخ كله. منذ ايام اختراع البارود، والبندقية والمدفع وربما قبل ذلك منذ ايام الفرسان والقسيّ.


كانت الحرب العالمية الاولى التجسيم الفعال للنار، حرب خنادق في الوحل، وحقول الالغام والاسلاك، الى أن أتت الدبابة وأدخلت عنصر الحركة. وفي الحرب العالمية الثانية ازدادت اهمية الحركة، والمناورة في المناطق المفتوحة والتي تقل عن ذلك، وافضل مثال “الحرب الخاطفة” الالمانية ولا سيما غزو فرنسا، حيث وجدت جوقة من الدبابات في الاسفل مع نار وحركة وطائرات مقاتلة في الاعلى. وقد علموا العالم أجمع فصلا من معارك المناورة والحركة والنار.


كانت الحركة هي السيدة في الحرب العالمية الثانية، الى أن أتت القنبلة الذرية وادخلت عنصرا قويا من النار ما زال يلقي الرعب على النظام الى اليوم. اليوم ايضا توجد قيمة كبيرة جدا لعنصر النار، ولا سيما هو يحمي ويدافع عن عائق، ولا سيما اذا كان الحديث عن نار من سلاح دقيق، وكذلك لعنصر مضاد الدبابات الذي يعوق المناورة ولصواريخ أرض – جو التي تشوش على المناورة الجوية.


في الخلاصة يفترض ان تأتي المناورة بالحسم. الحسم في البر تحرزه الفيالق المدرعة التي لم ينقضِ أجلها. اعتقد أنه في اصعب مخططات القتال ستحسم الحرب على البر بقتال قوة تقليدية. اي بالفيالق المدرعة، التي هي قوة حديثة مدمجة ومتوازنة، في حين تكون الدبابات المطورة مركز الفيلق ومع مشاركة مدرعات ثقيلة، في ما يتصل بسلاح الجو هو يدعم الاسلحة المؤللة ولا سيما في العمق لا في المعركة الحالية.


لنتحدث قليلا عن الدبابة التي تقوم في مركز القوة البرية. يوجد فيها جدل ابدي واريد الاقتباس من اقوال روتم: “نشأت الدبابة وتوجد كسلاح رئيس في الهجوم والانقضاض. لا بديل منها وستظل ذات مدى قتالي ناجع وعميق. مع ذلك يجب ان نعترف بان الدبابة فقدت تفوقها كسلاح مضاد للدبابات وليست هذه غايتها ايضا لصالح الصاروخ البعيد المدى”، كتب ذلك في 1977 لا في 2006، “فهي قابلة للاصابة، ومتعلقة بغيرها، وتوجد اخطار كبيرة في استعمالها. لم تخرج من الميدان لكن يجب ان نفهم ماذا نفعل بها”.


اضاف روتم في المقالة نفسها ان “شجاعة افراد الدبابة ليست بديلا من اصلاح العيوب. فالجيش الحديث لا يستطيع العيش على البطولة، يجب العلاج وتقديم اجابات عملية”.


النار هي التي تكمل المناورة وهي جزء من لازم من معركة الحسم. يجب ان نعلم استعمال نار دقيقة لاصابة العدو في عمق مجال القتال كله، ونعمل في ذلك ايضا في كل حالة جوية، وفي جميع ساعات النهار، وبتردد عالٍ من أجل تحطيم الاطر وزيادة مدى النار.


ليس هذا العمل هو عمل مضادات الدبابات فقط بل هو عمل السلاح الدقيق مع الافكار الذكية ايضا. لكن هذه المعارك ستظل معارك لمجال النار فقط. فالتكنولوجيا تحسن جدوى النار ازاء اهداف كانت منيعة من قبل لا من جهة المدى فقط بل من جهة التدريع وما أشبه ايضا.


لكي ابين ان هذا التأليف بين الحركة والنار يقع على المستوى التكتيكي اريد مرة اخرى أن اقتبس من مقالة روتم تلك: “لا يوجد للدبابة رد عملي ومستقل  على الصاروخ المضاد للدبابة”. هذا مفهوم. فالدبابة تحتاج الى المساعدة. “الصاروخ المضاد للدبابات غير محمي من المدافع التي تطلق النار عليه. يوجد لبطارية المدافع قدرة رد ضئيلة جدا ازاء الطائرة التي تهاجمه.


وللطائرة مشكلة صعبة جدا ازاء نظام صواريخ ارض – جو ومضادات الطائرات. ولبطاريات صواريخ ارض – جو قدرة دفاعية ضعيفة جدا في مواجهة هجمات المدرعات البرية. وبهذا تغلق الدائرة”، هذه الاقوال صحيحة من المستوى التكتيكي الى المستوى الاستراتيجي.


للقتال في المناطق المفتوحة عدة مبادىء. فللمناطق المفتوحة مداخل، وتوجد دائما منطقة يجب اختراقها ومن خلالها. ويجب ان نعلم هل نصدم الرأس بالحائط او نقوم بعملية تطويق. مما يؤسفنا أنه لا يوجد في كل مكان امكان تطويق ويجب ان نعلم ان نختار مكان المقاومة الاضعف.


في الصحراء يمكن استعمال قوات كبيرة. توجد قدرة كامنة كبيرة على استعمال القوات لمعارك المدرعات مع المدرعات، ولاحتلال مناطق رئيسة وللمناورة. يقتضي الامر تغييرات سريعة لمراكز الثقل، ويحتاج سيطرة تكتيكية وتنفيذية جيدة جدا. يكون مدى القتال طويلا، وعلى نحو طبيعي يكون للوحدات في الصحراء مدى سير وحركة كبير ومدى كبير لمباشرة النار، فلا مكان للاختباء وتفضل الاسلحة بعيدة المدى.


لنقل شيئا عن الاستخبارات: كل من تعرض للقتال يعلم ان الانباء التي بدت مهمة جدا في بدء المعركة تفقد قيمتها سريعا. من اجل استغلال الفرص يجب ان نعلم كيف نميز الانباء التي تتلاشى قيمتها وان نعلم انشاء استخبارات تتطور سرعتها مع تطور الاحداث. يجب أن نستعمل ايضا وسائل تكنولوجية عصرية، وتهيئة المعلومات وان نفرق بين الغث والسمين، وان ننشر المعلومات ذات الصلة الى أن تصل الى آخر الوحدات المحاربة.


تركيز القوة – ما كانوا يستطيعون ذات مرة فعله بكتيبة، وبعد ذلك بلواء وبعد ذلك بفرقة اصبح من الممكن فعله اليوم بطابور وربما بطابورين. لهذا تركيز القوة فن ويجب ان نعلم كيف نفعله، وان نصل من طريق محور واحد او من طريق بضعة محاور، مباشرة او بسبل التفافية. ليس تركيز القوة عملا ساذجا.


وتجب معرفة السيطرة على المحاور. ان من رأى تركيزات الدبابات العالقة على المحور الشمالي في سيناء في حرب يوم الغفران أدرك وجود مشكلة. يجب ان نعلم تأمين المحاور من العدو ومن الاختلالات اللوجستية. ليس من السهل تركيز القوة ويحتاج ذلك الى صبر وطول نفس. يميل القادة الى القول: “هاجم بما معك”، وهو ميل معروف ومفهوم لكن يجب على القيادات ان تقوم بكل شيء للمساعدة على تركيز القوة.


الزمن عامل حاسم. يمكن الحديث في القتال عن “ساعة الرمل” السياسية، التي تصبح في كل حرب عاملا حاسما يؤثر في الطوابير والقادة. اذا كنت تستعمل الزمن استعمالا صحيحا فتستطيع التوفير في القتال، وعدم محاربة كل فيلق عدو على حدة. يوجد للزمن اهمية لتأمين القوات: كلما كان مكثك في منطقة مضروبة اقل يكون لذلك مزية.


لا يقل عن ذلك أهمية زمن رد القوات. فالسرية ترد أسرع من الكتيبة، واللواء يرد أسرع من الفرقة. لا يمكن جعل الفرق “تقفز”، يمكن توجيه أوامر عسكرية كهذه لكن لن يحدث شيء. افضل مثال الاوامر التي اعطيت الفرقة 143 في حرب يوم الغفران في الثامن من تشرين الاول: “اقفز” الى المنطقة الجنوبية وعد الى المنطقة الوسطى. انشغلت هذه الفرقة بالحركة والاستعدادات ولم تكد تحارب طوال ذلك اليوم الحاسم.


القيادة والسيطرة – لا تتطابقان مع السيطرة والرقابة. فالقيادة والسيطرة تنظيم اساسي صحيح لجميع القوات، وصورة وضع محدثة لك وللعدو، وقدرة رد مباشرة بواسطة اتصالات صادقة؛ احساس القائد هو القوة التي يملكها؛ وقاعدة سيطرة مشتركة، ونظرية قتالية، وخرائط،  وتجربة، وقيادة ثقة، وموضع صحيح للقائد. لموضع القائد قيمة عظيمة، وتناولوا هذا الامر كثيرا في حرب 2006. ثمّ اغراء عظيم بان تكون في الاماكن التي تمنحك فيها التكنولوجيا احساسا بانك تسيطر على الوضع لا هي. توجد اهمية عظيمة لموضع القائد في الاماكن الحاسمة ويجب ترديد هذا كثيرا.


سأنهي بامثلة على معارك في مناطق مفتوحة. في عاصفة الصحراء دخلت القوة البريطانية الكويت من طريق السعودية. وقام الامريكيون برحلة طويلة جدا في مناطق مفتوحة من طريق السعودية. قامت قوة الجنرال فرانكس بتطويق كبير تؤيدها وحدات موجهة من الجو في العمق لاحتلال مناطق ومفارق مسيطرة.


عندنا ايضا توجد امثلة لا يستهان بها على قتال في مناطق مفتوحة. فقد انتهت حرب يوم الغفران في افريقيا، في المناطق المفتوحة بعد العبور وعملت الفرقة 162 والفرقة 152 في الجنوب، واتجهت الفرقة 143 الى الشمال. عندما فتح المجال ومكنت ظروف القتال من ذلك بدأت معارك مناورة كلاسيكية افضت آخر الامر الى الهدنتين الاولى والثانية.


أخيرا، بالرغم من أن المناطق المأهولة تحدق بالمناطق المفتوحة في بعض الجبهات، وبالرغم من انه في بعض مهمات القتال تأمر قيادات على عمد وحداتنا بدخول مناطق مغلقة ومبنية، ما تزال المناطق المفتوحة المحور التي يمكن من طريقه الحسم في المستوى الاستراتيجي، وفي مستوى العمليات، بل في المستوى التكتيكي. يجب إيجاد الزوايا الصحيحة، وبذل تفكيرا وتدريبات وان نبحث عن الفِكَر اللامعة.


مجلة أبحاث الأمن القومي ع24


مركز بيغن السادات للأبحاث الإستراتيجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى