الصفة الشرعية والأخلاقية الرابعة لرجل الأمن في الاسلام
الصفة الشرعية والأخلاقية الرابعة لرجل الأمن في الاسلام
قراءة في كتاب” رجل الأمن في الإسلام “- شروطه.. صفاته.. آدابه للدكتور إبراهيم علي محمدأحمد
رابعاً: الصبر
من أعظم ما ينبغي أن يتحلى به رجل الأمن والمخابرات الصبر. فإذا كان الصبر فضيلة ففي حق رجل الامن أفضل وإن كان جميلاً ففي حق رجل الأمن أجمل. وهو خلق النبيينعليهم السلام قال عنه الراغب:”حبس النفس على ما تقتضيه العقل أو الشرع وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن حبس النفس لمصيبة سمي صبراً لا غير ويضاده الجزع، وإن كان في محاربة سمي شجاعة ويضاده الجبن ، وإن كان في إمساك عن الكلام سمي كتماناً ويضاده الافشاء ، وقد سمي الله كل ذلك صبراً”
وقد امر الله عز وجل بالصبر في آيات كثيرة حتى زادت عن السبعين ، وجعل تعالى لكل عمل جزءاً محدوداً إلا الصبر فجزاؤه بغير حساب، على ان الصبر يحتاجه الانسان في كل شيء عادة فالعبادة صبر على الطاعة ، وصبر على المعصية. ومن الآيات التي تضمنت الصبر قوله جل شأنه : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ( البقرة153، وقال 🙁 … إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر10، وقال:( وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)الشورى43.
ومن أعجب ما وصف به الصبر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:”الصبر ضياء”. وكلمة ضياء تلفت النظر ألا تدل على أن الصابر يرى الطريق واضحاً بالصبر ، وهو له ضياء ألا ترى ان هذه الكلمة تدل على عاقبة الصابر فإن عاقبته وضوح وضياء.
لهذا يكون الصبر ألزم لوازم رجل الأمن، وأمضى أسلحته، وأكمل عدته. والصبر على صعوبة العمل الأمني، وخطورته من أهم الصفات الواجب توافرها في رجل المخابرات، وإلا أدى إلى الانسحاب من العمليات المهمة والخطرة، أو الشعور بعدم الأمان أو الملل منها، كما أن عليه أن يصبر على أي ابتلاء أو بلاء أو تعذيب يحصل له إذا وقع في يد الأعداء. أضف إلى ذلك أن العمل في المخابرات يحتاج إلى بذل جهد مضمن ومستمر داخل البلاد وخارجها.
قال صاحب كتاب الأعشى عن رجل المخابرات: “أن يكون صبوراً على ما لعله يصير إليه من عقوبة إن ظفر به العدو بحيث لا يخبر بأحوال مملكته ولا يطلع على وهن في مملكته فإن ذلك لا يخلصه من يد عدوه ولا يدفع سطوته عنه. بل ولا يعترف انه جاسوس أصلا فإن ذلك مما يحتم هلاكه ويفضي إلى حتفه”.
ولنا في السيرة النبوية العطرة نماذج فريدة في الصبر في سبيل هذا الدين فقد صبر آل ياسر جميعاً، وصبر خباب رضي الله عنه، وصبر خبيب حتى مات مصلوباً في مكة، وصبر بلال حتى فقد الوعي، وصبر قائدنا وإمامنا صلى الله عليه وسلم على جميع أصناف العذاب، وعذب في الله عذاباً لم يعذبه أحد، والقائمة في الابتلاء طويلة يضيق المجال عن ذكرها.
لذا على رجال الأمن والمخابرات في البلاد الإسلامية أن يتحلوا بهذه الصفة، ويعلموا أن ما يعانونه ويلاقونه من تهب ومشقة وخوف ونصب وحبس وتعذيب وغير ذلك، فإنه مدخر لهم عند ربهم وليوقنوا انه مهما كان عذاب الدنيا قاسيا ومؤلما وموجعا فإن عذاب جنهم أشج قسوة، وألماً ووجعاً، وليتأكدوا أن الحفاظ على أسرار الأمة، والسهر على أمنها محفوظ لهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وأنهم سيجدون ذلك عند الله عز وجل، وأنهم إذا صبروا فإن الله معهم، وأنه يوفيهم أجورهم بغير حساب.