الخشية الإسرائيلية من التغيير
أبدت الأوساط السياسية في “إسرائيل” مخاوفها من أن يطالها التغيير في السياسة الأمريكية تجاهها بعد أن وصل (باراك أوباما) على سدة الرئاسة وحمل معه شعار التغيير الذي يُفترض ألا يقتصر على الشأن الداخلي بل لابد أن يتعداه إلى العلاقات الخارجية مما قد يُحدث تبديلاً في الحميمية التي ربطت واشنطن تل أبيب في عهد الرئيس جورج بوش الذي فاق ما قدمه ل”إسرائيل” في عهده كل توقعاتها، حيث كان يغير رئيس وزرائها السابق (أرئيل شارون) المعروف بعنصريته وارتكابه المجازر الدموية ضد الفلسطينيين، رجل سلام وأنه خاطبه خلال زيارة له بواشنطن (حزيران ) 2002 بأنه (أي بوش) يتتلمذ على يديه، وقدم له في 14 (نيسان) 2004 رسالة ضمانات تضمنت الموافقة على إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي خرجوا منها، وأتاحت ل”إسرائيل” الإبقاء على كتلها الاستيطانية الكبرى داخل محيط القدس والضفة الغربية خلافاً لكل قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي الذي يعتبرها غير شرعية، إضافة إلى استجابة الرئيس بوش لمطلب (إيهود أولمرت) بالإعلان في مؤتمر أنابوليس 24 (تشرين الثاني) 2007 عن تنبيه لمفهوم يهودية الدولة ل”إسرائيل”، تلك الحميمية التي لا يمكن أن تستمر في عهد أوباما بذات الطريقة التي كانت عليها في عهد بوش، ذلك ما يقلق “إسرائيل” حالياً بالرغم من تعيين (رام إيمانويل) كبيراً لموظفي البيت الأبيض؟
وهو أحد الإسرائيليين الأمريكيين الذي أمضى خدمته العسكرية في “إسرائيل” وكان والده (بنيامين إيمانويل) يحمل الجنسية الإسرائيلية وينتمي إلى مجموعة (ايتسيل) العنصرية اليهودية، إلا أن هذا التعيين لم يبدد قلق “إسرائيل” من التغيير الذي تخشى أن يؤثر على عدد من القضايا التي لخصتها الصحف الإسرائيلية بأربع قضايا رئيسية هي مسألة المفاوضات الإسرائيلية مع الفلسطينيين والسوريين، وتغيير صيغة التعامل مع إيران، ومستقبل المساعدات المالية والعسكرية ل”إسرائيل” وإلغاء واشنطن لدخول الإسرائيليين إلى الولايات المتحدة دون تأشيرات دخول.
وإن أكثر ما تلمسه “إسرائيل” من تغيير في السياسة الأمريكية وتتخوف منه هو ما ألمحت إليه وزيرة الخارجية (تسيبي ليفني) من خلافات حول ملف البرنامج النووي الإيراني حيث اعتبرت عزم الإدارة الجديدة على فتح حوار تمهيدي مع طهران يعد إشكالية مغلقة في الوقت الذي تظن فيه إيران أن العالم قد أخفق فيما يختص بمسألة العقوبات، وخلافاً للرئيس بوش فقد سبق لأوباما أن أشار إلى احتمال إجراء حوار أمريكي مع إيران دون شروط مسبقة، وعبّر عن اعتقاده بأن عدم تحول إيران إلى دولة نووية يتم عن طريق الحوار والدبلوماسية وليس كما يؤمن آخرون باستعمال القوة العسكرية فقط، وتتحسب “إسرائيل” أيضاً من إقدام إدارة أوباما على فتح حوار آخر مع دمشق ينهي عزلتها ويمنحها الفرصة للخروج من نطاق ما كان يسميه بوش محور الشر.
وما يقلق “إسرائيل” أيضاً تقليص المساعدات المالية التي تقدمها لها الولايات المتحدة وخاصة في أعقاب أزمتها الاقتصادية الطاحنة، لذا فإن أولمرت قرر السفر إلى واشنطن للحصول من إدارة بوش قبل رحيلها على ضمانات باستمرار معدل المساعدات كما هو دون تقليص.
ويبدو أنه في كل الأحوال وبالرغم من ثوابت السياسة الأمريكية الخارجية الداعمة للتحالف مع “إسرائيل” ودعمها إلا أن التطابق الكامل مع سياساتها وحميمية العلاقة السابقة بها ستتغير في عهد أوباما ولو قليلاً عمّا كانت عليه في عهد بوش، وهذا ما تخشاه “إسرائيل” التي اعتادت أن تكون جميع طلباتها من واشنطن مُجابة.