ظلام في غزة
صحيفة القدس العربي اللندنية
واصلت الحكومة الإسرائيلية عمليات ابتزازها لأهالي قطاع غزة من خلال استخدام ورقة الوقود مرة ثانية أو ثالثة، وإغراق القطاع في ظلام دامس، وشلّ كل أوجه الحياة فيه، مما يوحي بأن هذا الابتزاز اللاإنساني يمهد لمرحلة جديدة ربما تتمثل في توغلات أو اجتياحات دموية في الأيام أو الأسابيع المقبلة، خاصة بعد تصريحات إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي التي قال فيها إن الصدام مع حركة “حماس” التي تحكم القطاع بات حتمياً.
ومن المفارقة أنه في الوقت الذي تمنع فيه الحكومة الإسرائيلية وصول إمدادات الوقود إلى قطاع غزة، تشدد نظيرتها المصرية إحكام الحصار، وإغلاق معبر رفح، ونسف الأنفاق لمنع وصول أي إمدادات من أي نوع لأبناء القطاع المحاصرين.
بالأمس أصدرت محكمة مصرية حكماً قضائياً بوقف قرار سابق يمنع قوافل فك الحصار التي ينظمها نشطاء سياسيون لإيصال مساعدات طبية وغذائية لأبناء القطاع، باعتباره قراراً مخالفاً للدستور المصري وإساءة لاستعمال السلطة، وفق ما قاله المستشار محمد عطية رئيس محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة. لكن الحكومة المصرية لم تعر هذا الحكم القضائي أي اهتمام، وضربت به عرض الحائط.
فالحكومة المصرية، وللأسف الشديد، تحتقر القضاء المصري وأحكامه، خاصة إذا جاءت معارضة لبعض أوجه سياساتها، والمتعلق منها ب”إسرائيل”، والمؤيدة لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة الذي يعتبر قانونياً مسؤولية الإدارة المصرية حتى هذه اللحظة.
كان مؤلماً بالنسبة إلى عشرات الملايين من أبناء الشعب المصري أن تقدم حكومة بلادهم على نسف أنفاق فوق رؤوس أناس داخلها، وأن تمنع وصول مواد طبية، بل وحتى لعب أطفال اضطر بعض التجار إلى استخدام الأنفاق لإيصالها إلى أطفال محرومين من الفرح بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك.
ماذا يضير الحكومة المصرية لو سمحت لقوافل الإغاثة المصرية بالوصول إلى أبناء قطاع غزة المحاصرين، وأي انتهاك للقانون الدولي ممكن أن تشكله هذه الخطوة الإنسانية؟ نفهم لو أنها تمنع إيصال أسلحة للمحاصرين تمكنهم من مقاومة الحصار، والتصدي للقوات الإسرائيلية التي لا تتورع عن اقتحام الحدود وارتكاب مجازر في حق الأبرياء المحاصرين، لكن القوافل لا تحمل أسلحة، وإنما أدوية ومعدات طبية فقط.
كنا نتوقع أن تكون هذه الحكومة التي تمثل بلداً عربياً وإسلامياً رائداً قدم آلاف الشهداء في خدمة قضايا الأمة والعقيدة ونصرة المظلومين، كنا نتوقع أن تكون أكثر رحمة، أو حتى على المستوى نفسه مع نظيرتها الإسرائيلية، التي لم تعترض السفن التي تخرق الحصار بصفة مستمرة وتقل على ظهرها مساعدات مماثلة ومجموعة من النواب والمسؤولين الغربيين. ولكنها تبدو للأسف، أي الحكومة المصرية، أكثر إسرائيلية من الإسرائيليين أنفسهم.
الحكومة المصرية تتخبط، وتفقد وعيها عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع حصار قطاع غزة، وأبرز أوجه هذا التخبط، هو تعاملها مع بدو سيناء الذين هم مواطنون، وإطلاق النار عليهم بهدف القتل دون رحمة أو شفقة، مثلما حدث في اليومين الماضيين. أبناء قطاع غزة سيواصلون صمودهم في وجه هذا التحالف الإسرائيلي مع الحكومة المصرية بهدف تجويعهم وقطع الكهرباء عنهم، وجعل حياتهم أكثر ظلاماً، ويدركون في الوقت نفسه أن الشعب المصري بجميع فئاته يقف معهم ويتعاطف مع مأساتهم، ولن يطول صمته على من يريدون إذلالهم وتركيعهم وحرمانهم وأطفالهم من أبسط الاحتياجات الضرورية واللازمة للبقاء على قيد الحياة.