ماذا عن المواجهة المرتقبة مع حماس في غزة؟
البروفيسور ايال زيسير
يمكن القول إن هذا العزم الذي أبداه الجيش الإسرائيلي من خلال العملية الخاصة بالنفق الذي حفره عناصر من حركة حماس بهدف اختطاف عدد آخر من الجنود كان حيوياً جداً، لكن حقيقة أن الحركة ردت مرة أخرى بإطلاق قذائف قسام تُعد تذكيراً مؤلماً لحكومة من شأنها أن تُشَكل في إسرائيل بعد الانتخابات.
بعبارة أخرى فإن مشكلة (غزة) سوف تبقى تصفعنا المرة تلو الأخرى إلى أن تتم معالجتها، وحماس سوف تعود إلى وضعية التهدئة لأن هذا يخدم مصالحهم في هذه المرحلة.
بعد أشهر من التهدئة استؤنفت الأسبوع الماضي عملية إطلاق النار في المناطق الجنوبية وذلك في أعقاب العملية الوقائية التي نفذها الجيش ضد نفق حفرته حماس على مقربة من الحدود الإسرائيلية، مما أسفر عن مقتل ستة من عناصر الحركة ورد عليها الفلسطينيون مرة أخرى بإطلاق وابل من قذائف الكاتيوشا باتجاه بلدتي سدروت وعسقلان وباقي البلدات اليهودية المحيطة بقطاع غزة.
لقد استمر إطلاق النار من الجانب الفلسطيني بضعة أيام إلاّ أن الهدوء ساد المنطقة الحدودية مرة أخرى إذ يبدو أنه ليس هناك شخص معني بتصعيد يؤدي إلى وقف التهدئة، فإسرائيل من جانبها تستعد لانتخابات وليس هناك زعيم من زعمائها لديه الحماسة في التورط في مواجهة من شأنها أن تنتهي بنفس الإخفاق التام الذي حصل في لبنان في صيف عام 2006.
وحماس هي الأخرى ليست مهتمة باندلاع مواجهة أخرى من شأنها المس بجهودها الرامية إلى ترسيخ وتعزيز مكانتها في قطاع غزة، بل هي غارقة حتى الرأس في صراعاتها السياسية ضد خصومها من داخل القطاع وضد أبو مازن والسلطة الفلسطينية.
من جهة أخرى ورغم هذا كله فإن اندلاع الصراع لمدة زمنية محددة خلال منتصف الأسبوع الماضي على طول الحدود بين إسرائيل والقطاع إنما يعكس مدى هشاشة وقابلية التهدئة للانفجار، بالإضافة إلى أنه وبسهولة نسبية يمكن تدهور الوضع إلى مواجهة شاملة قد تعيد الجيش الإسرائيلي إلى قطاع غزة مرة أخرى.
ويمكن القول بعد هذا كله إن التهدئة من وجهة نظر الجانبين الإسرائيلي وحماس تُعد تهدئة مؤقتة هدفها الاستعداد وإعادة ترتيب الأمر لدى كل طرف لاحتمال وقوع جولة عنف أخرى قادمة بينهما، فلقد استغلت حركة حماس التهدئة من أجل تهريب كميات أسلحة وبتدريب قواتها وتعزيز وجودها في غزة.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه في ضوء تعاظم قوة حماس هذه فضلت إسرائيل إتباع سياسة صرف النظر عن هذا كله، ومع ذلك قرر الجيش الإسرائيلي التحرك والعمل عندما اتضح له أن حماس لا تكتفي بتعزيز قوتها داخل قطاع غزة؟
وإنما تعكف على أعداد وحفر الأنفاق التي سوف يتم استخدامها لشن هجمات على قوات الجيش على امتداد السياج الحدودي، على غرار الهجوم الذي أدى إلى أسر الجندي غلعاد شليط في حزيران 2006.
وينبغي علينا الاعتراف بأنه خلال فترة التهدئة أيضاً لم تعرف المناطق الحدودية بين إسرائيل وقطاع غزة هدوءاً حقيقيا،ً فمن خلال قراءة معمقة في الصحف يتبين أنه وقعت وبشكل يومي حوادث على الدوام من ضمنها الكشف عن عبوات ناسفة وضعها الفلسطينيون على طريق دوريات الجيش الإسرائيلي بل وإطلاق الفلسطينيين النار نحو هذه الدوريات.
ويشار هنا إلى أننا اتبعنا نفس سياسة صرف النظر هذه تجاه تعاظم قوة حزب الله في لبنان لسنين طويلة أيضاً، كما أنها في حقيقة الأمر تواصل إتباع نفس النهج في أيامنا هذه لكن الأخطر من هذا كله هو أن إسرائيل سمحت لحزب الله حتى عام 2006 بالبقاء على الجدار الحدودي بل في الواقع السيطرة على ما يحدث على طوله.
فلقد كان حزب الله يملك مواقع ونقاط مراقبة على طول هذه الحدود بالإضافة إلى تفعيل دوريات له وحضور مستور على امتداد الحدود، وقد سهّل هذا له مع الأيام عمليات التخطيط ونصب الكمين القاتل لإحدى دوريات الجيش في الثاني عشر من تموز 2006،حيث أسفر عن مقتل اثني عشر جندياً إسرائيلياً بما في ذلك الجنديان إلداد ريغف وايهود غولدفاسير اللذين اُختطفا بعد وفاتهما إلى لبنان.
إن العملية التي نفذها الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي ضد الأنفاق التي حفرتها حماس تجاه الحدود مع إسرائيل تشير إلى مدى عزم إسرائيل على منع حماس من حرية العمل والتحرك على غرار ما توفر لدى حزب الله طيلة فترة طويلة على امتداد الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وهذا بطبيعة الحال توجه مفهوم وله ما يبرره، ولكن رغم ذلك وأثناء جولة العنف الأخيرة التي أعقبت العملية الإسرائيلية كانت يد حماس هي العليا إذ رداً على العملية الإسرائيلية أطلقت عناصر من الحركة قذائف صاروخية تجاه وسط مدينة عسقلان.
هذه المعادلة التي تطبقها حركة حماس ضد إسرائيل لا يمكن تحملها كما ينبغي الاعتراف وبكل أسف أننا لم نجد السبيل حتى اليوم لخرقها، وردع الحركة عن إطلاق الصواريخ تجاه المدن الإسرائيلية عدا عن ذلك فقد قررت إسرائيل مسبقاً رفع أيديها والامتناع عن القيام برد فعلي في محاولة منها لإعادة الهدوء إلى المناطق الحدودية.
وهكذا لم يأت أي رد إسرائيلي على إطلاق الصواريخ تجاه مركز مدينة عسقلان فما يعني أنه بمثابة استعداد من جانب إسرائيلي للقبول بنمط العمل هذا من جانب حركة حماس والأمل أيضاً في أن لا يُصيب الصاروخ الذي أُطلق أي شخص وبهذه الطريق يمكن للجميع العودة إلى الوضع .
لكن هذا التوجه مصيره الضرر اللاحق والنقمة بإسرائيل كونه ينطوي على إرسال رسالة لإسرائيل تتضمن استعداداً إسرائيلياً لقبول معادلة حماس، وهي إطلاق الصواريخ صوب البلدات والمدن الإسرائيلية رداً على أي عملية عسكرية ينفذها الجيش على طول الحدود.
وبالمناسبة فإن واقعاً كهذا لم يكن قائماً ضد حزب الله فلقد سادت بين إسرائيل والحزب تفاهمات ضمنية صامتة تقوم على مبدأ الامتناع عن إطلاق النار تجاه أهداف مدنية طالما أن الطرف الآخر يمتنع عن ذلك بالإضافة إلى محاولة حصر إطلاق النار باتجاه أهداف ومواقع عسكرية.
في غضون ذلك عاد الهدوء إلى قطاع غزة، ولإسرائيل مسائل ملحة أكثر ينبغي عليها الاهتمام والاشتغال بها على رأسها الانتخابات العامة المرتقبة في شهر شباط 2009 ،غير أن الفلسطينيين أيضاً لهم مشاغل مماثلة إذ من المتوقع أن يبدأ حوار في القاهرة بين الفصائل الفلسطينية حيث يأمل قادة حماس من خلالها ترسيخ مكانتهم في غزة وتحقيق موطئ قدم للحركة في الضفة الغربية أيضاً.
ومن المتوقع أن ينهي أبو مازن ولايته كرئيس للسلطة الفلسطينية في كانون ثاني القادم 2009 وحماس من جانبها تستعد لصراعات سياسية ربما تُبقى على رئيس السلطة في منصبه غير أنه سيكون أكثر ارتباطاً من أي وقت آخر برغبة جيدة من جماعة حماس.
من جهة أخرى فإن انتصار المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة براك اوباما قوبل بترحيب رجالات حماس الذي أعربوا عن أملهم في أن يسعى الرئيس المنتخب إلى إجراء حوار ليس مع الإيرانيين فحسب، وإنما أيضاً مع الممثلية الإيرانية المحلية في المنطقة حماس وحزب الله. وبما أن الأمر على هذا النحو فإن حركة حماس ليست معنية باندلاع مواجهة على نطاق واسع أي أنه سيتم تأجيلها إلى موعد آخر مستقبلاً.
لقد عادت غزة لمدة معنية من الزمن إلى واجهة الصحافة والعناوين الرئيسة غير أنها سوف تعود خلال الأسابيع القريبة القادمة لتُحصر بين السطور الداخلية، لكن التحدي الذي تواجهه تل أبيب في القطاع لم ينته بل يمكن القول إنه آخذ في التعاظم مصيره وجوب وقوع مواجهة سياسية أو عسكرية مبكرة جداً أكثر بكثير مما يتوقعه السياسيون في الكيان.