الحرب مع حماس في غزة لن تهرب
عاموس هرئيل-هآرتس
تتابع تل أبيب عن كثب صراع القوى الفلسطينية ولكن بمدى حضور أدنى مما في الماضي. تقارير في وسائل الاعلام عن لقاءات نسق فيها مسؤولو الجيش ورؤساء الاجهزة استمرار الصراع ضد حماس، احدثت حرجا ما في الجانب الفلسطيني.
اما الان، فان تل أبيب الرسمية تقلل من تصريحاتها وان كانت المداولات عن اليوم التالي لـ9 كانون الثاني تتواصل. من اقنع مكتب رئيس الوزراء بقابلية الوضع للتفجر كان رئيس المخابرات يوفال ديسكن، الذي شخص الازمة السياسية في السلطة بانها ذات طاقة هدامة كامنة حتى قبل عدة اشهر. وجر الجيش الى انشغال مكثف بذلك تحت ضغط رجال اولمرت.
ضباط كبار قالوا هذا الاسبوع ان الجيش يستعد لسلسلة سيناريوهات محتملة في الضفة، بينها اعتزال عباس بسبب الخلاف القانوني على مكانته، تفاقم حالته الصحية او اغتياله. اعلان من جانب حماس بان ولاية الرئيس “غير قانونية” كفيل بان يوازي اباحة دمه. ومع ذلك، ففي المداولات التي عقدت في الاسابيع الاخيرة تعزز التقدير بان عباس سيتمسك بكرسيه. وقال مصدر امني كبير: “هو يريد أن يبقى، وسيجد الطريق لعمل ذلك”.
فتح تحتاج عباس في السلطة. كبار المسؤولين لا يضغطون على عباس بالبقاء فقط. فالمتطرفون منهم يقترحون على الرئيس الاعلان عن غزة كاقليم متمرد والتوجه الى انتخابات في الضفة فقط. وعلى سيبل العقبى، يوصون بوقف دفع الرواتب لموظفي السلطة العاطلين عن العمل في غزة، وهي التي التي ستشدد الخناق الاقتصادي على القطاع.
جذور التصميم الجديد لفتح في المواجهة الداخلية يشخصونها في الجيش الاسرائيلي في سلسلة الاحداث التي بدأت بسيطرة حماس على غزة في حزيران 2007. اليد الحديدية التي عالجت بها حماس في غزة لعائلتي حلس ودغمش اكدت الرسالة. ومن الجهة الاخرى سلسلة الاعمال الاسرائيلية ضد البنى التحتية المدنية لحماس، وعلى رأسها اقتحام المجمع التجاري بملكية الجمعيات الاسلامية في نابلس في الصيف الماضي، اقنعت السلطة بان من الافضل ان تقوم الاجهزة وليس الجيش الاسرائيلي بالعمل القذر.
النتيجة هي اغلاق عشرات الجمعيات ومكاتب حماس واعتقال المئات من رجالها. في جهاز الامن يؤكدون زعم رؤساء الاجهزة بانهم يقتربون من تحطيم البنى التحتية العسكرية لحماس في الضفة. حماس خفضت دراماتيكيا نقل الاموال الى المنظمات الخيرية في الضفة، خشية أن تضع السلطة يدها على المال.
“لقد توقفوا عن خداعنا”، يقول ضابط كبير في هيئة الاركان. ويضيف ضابط آخر: “لدينا الان مقاول فرعي ممتاز حيال حماس. هذا لا يشبه المرات السابقة التي نقلنا فيها المسؤولية الى السلطة. يمكن لنا أن نرى البريق في العيون”. التوقعات التي انطلقت قبل نصف سنة وكأنه مطلوب لحماس 72 ساعة دون وجود الجيش الاسرائيلي كي تحتل الضفة من يد فتح، القيت بها الى سلة المهملات الاستخبارية.
على المدى البعيد يقدرون في هيئة الاركان، فتح وحماس لا تؤمنان بانه يمكنهما ان يتعايشان الواحدة مع الاخرى. كل طرق يريد تصفية الاخر. ولكن على المدى الاقصر، وان كانت حماس غير معنية بالمصالحة، فان لها مصلحة في الوصول الى مهلة تكتيكية، لانها لا تزال يتعين عليها أن تثبت حكمها في القطاع. السيطرة على المجتمع وعلى الحكم يسبق في نظرها المجال العسكري.
وانطلاقا من استراتيجيتها العامة، وافقت حماس على التهدئة. في اسرائيل بالطبع، عمل هذا بالضبط على نحو معاكس. الحاجة التكتيكية للهدوء تغلبت على الاعتبارات الاستراتيجية.
ولكن كل هذه التقديرات جيدة فقط بضمان محدود. التجربة المتراكمة في المناطق تدل على أن السيناريو غير المتوقع يميل الى أن يبعد عن الطريق الخطط المعقدة. فمنذ زمن غير بعيد ذكر ضباط نائب رئيس الاركان، اللواء دان هرئيل كيف حصل انه عندما كان رئيس دائرة العمليات في هيئة الاركان في شباط 1994 استدعى في يوم جمعة 185 سرية الى المناطق ردا على مذبحة ارتكبها باروخ غولدشتاين في الحرم الابراهيمي. يكفي حدث واحد، من الجانب الاسرائيلي او الفلسطيني لهز كل التوقعات.
وزير الحرب ايهود باراك يواصل تلقي الضربات على المستوى السياسي الداخلي. ولكن في كل ما يتعلق بشؤون وزارته، فان باراك يحافظ على رؤية باردة وواعية. واذا كان لا يزال قبل بضعة اشهر يبث رسالة مزدوجة وغامضة عن عملية واسعة للجيش الاسرائيلي في غزة، فهذا الاسبوع كان واضحا وجليا. “لم آتي الى هنا كي أعتذر”، قال في خطاب استثنائي في الكنيست. ” لا اتأسف على أي يوم من التهدئة ولا اتأسف على ايام اخرى، طالما تخدم هذه مصالح دولة اسرائيل”.
وحذر باراك ممن يؤمنون عبثا بـ “حل هوائي نقي” لمشكلة الصواريخ في القطاع. “من يريد حلا مستقرا ودائما لتهديد حماس من غزة، سيتعين عليه الدخول الى هناك ومعالجة المشكلة. لا تسلوا انفسكم بكلمات فارغة. اذا كنتت تدعون للعودة الى القطاع، قولوا ذلك بصوت عال وقولوا ما هي المعاني النابعة من ذلك”. الحرب لن تهرب، ادعى باراك وشدد بان ليس له أي شهية للعودة الى أزقة جباليا. الكلمات كالسهم. ربما بعد أن يفقد بعض المقاعد الاخرى في الاستطلاعات، سنسمع منه ايضا ماذا يفكر حقا عن المفاوضات لاعادة جلعاد شليت.
ادعاءات كبار رجالات هيئة الاركان في الاسابيع الاخيرة بدت مشابهة جدا لادعاءات وزير الدفاع. المصلحة الاسرائيلية في نظرهم هي اضعاف حماس، ولكن يدور الحديث عن سياق بعيد المدى. طالما كانت قوات امن عباس غير قوية بما فيه الكفاية لاخذ مكان حماس في غزة، لا داعي للسرعة. يبدو أن معظم الجنرالات (رأي الاقلية المعاكس يقوده قائد المنطقة الجنوبية يوآف جلانت)، يعتقدون بانه لن يكون ممكنا السير الى “نصف حملة” في غزة.
حتى لو قررت الحكومة احتلال محدود لاجزاء من القطاع، يوجد خطر في أن استمرار نار الصواريخ في ظل الحملة سيخلق ضغطا من الرأي العام الاسرائيلي لحل المشكلة مرة واحدة والى الابد.
ومن هنا قصير الطريق الى تجنيد بضع فرق احتياط اخرى لاحتلال كامل للقطاع، ومنظومة علاقات بعيدة المدى مع مليون ونصف فلسطيني، اوهمت اسرائيل نفسها انها انفصلت عنهم الى الابد بفضل فك الارتباط. الحساب العسكري يتحدث عن كلفة يومية من 17 مليون شيكل، فقط لغرض توفير الادوية، الغذاء والحفاضات للاطفال للسكان المحتلين في قسم من القطاع. في واقع الازمة الاقتصادية العالمية، نصف مليار شيكل في الشهر ايضا (لا يتضمن صيانة الجيش في القتال وايام الاحتياط) هي نفقات لا يمكن تجاهلها.
الجنرالات يهمسون ايضا بما لا يقوله باراك: ان الحكومة الانتقالية تجعل ولاية اولمرت الولاية الاطول لحكومة الشلل الوطني. منذ الفشل في لبنان، تؤثر الغمزة للجنة التحقيق التالية على مسيرة (عدم) اتخاذ القرارات، من المداولات عديمة الجدوى عن غزة وحتى الجلسات غير الجدية جدا للجنة الوزارية التي تبحث بتحرير السجناء مقابل شليت. خلافا للانطباع الذي تخلقه وسائل الاعلام احيانا، فان اسرائيل بعيدة جدا عن دخول مكثف للقطاع. الاستعدادات العملية لذلك جمدت. وباستثناء سيناريو متطرف لقتلى كثيرين في هجوم صاروخي، من الصعب ان نتوقع اجتياح للقطاع في الفترة القريبة القادمة.
الالعاب الحربية التي اجراها الجيش الاسرائيلي، في حالة خطوة برية كبيرة، توقعت ضربة شديدة لحماس، ولكن ليس هزيمتها. احد السيناريوهات يتحدث عن ثمانية ايام من القتال، نحو 650 قتيل من حماس، اكثر من 30 قتيل من الجيش الاسرائيلي وعدد لا بأس به من المدنيين الفلسطينيين الذي سيقتلون في الاشتباكات. وحتى بعد فترة زمنية كهذه، سيحتل جزء من القطاع فقط ويقع دماء هائل بالبنى التحتية في الجانب الفلسطيني ونار القسام ستستمر. يجب أن يؤخذ بالحسبان ايضا الانتقاد المتوقع في الساحة الدولية واحتمال ان يحاول حزب الله، في حالة مواجهة واسعة، فتح جبهة ثانية من لبنان.
اساس الاصابات سيتلقاها الجيش الاسرائيلي كنتيجة للعبوات الناسفة الكبيرة، في عمليات بواسطة انفاق ونار صواريخ ضد الدبابات، وان كانت لا توجد في هذه المرحلة معلومات استخبارية مؤكدة عن تهريب صواريخ مضادة للدبابات متطورة الى القطاع مثل “ماتس” و “كورنيت”، النماذج التي تتوفر تحت تصرف سوريا وحزب الله. “احتلال غزة هو موضوع قرار سياسي” يقول ضابط كبير.
“على المستوى العملي، لا جدال حول النتيجة. واضح للجميع أن هذه لن تكون نزهة سنوية، ولكن الجيش الاسرائيلي سيعرف كيف يفعل ذلك، اذا ما كلف بالمهمة. السؤال هو استراتيجي: ماذا تريد اسرائيل أن تحققه ولمن ستنقل المفاتيح بعد الاحتلال”.