الإعلام العربي والدبلوماسية الشعبية الأمريكية
تقرير واشنطن- رضوى عمار
تؤكد العديد من استطلاعات الرأي التى أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تدهور الصورة الأمريكية عربياً؛ الأمر الذي أدى إلى التشكيك في كافة المبادرات الأمريكية لإصلاح المنطقة. فوجهة النظر السائدة في العالم العربي ترى السياسة الأمريكية مزدوجة المعايير، ولديها دوافع خفية.
وفي هذا الصدد نعرض لدراسة صدرت عن “مؤسسة ستانلي”The Stanley Foundation، بعنوان: “الميديا العربية والسياسة الأمريكية: إعادة انطلاق الدبلوماسية العامة” Arab Media and US Policy: A Public Diplomacy Reset“، للخبير في وسائل الإعلام العربية، مروان ام. كريدي Marwan M. Kraidy. لمروان كتابين في المجال الإعلامي، الأول يحمل عنوان “دراسات وسائل الإعلام العالمية: المنظورات الأنثوغرافية” Global Media Studies: Ethnographic Perspectives صدر في عام 2003، أما الثاني يعنون بـ “المنطق الثقافي للعولمة The Cultural Logic of Globalization ” صدر في عام 2005، كما أن له أكثر من 40 مقال عن الإعلام العربي والعالمي.
الذاكرة التاريخية العربية
تنطلق الدراسة من أن الخبرة التاريخية للبث الإعلامي الغربي قبل الحرب العالمية الثانية سواء من ألمانيا النازية، فرنسا، الولايات المتحدة، بريطانيا العظمي، والاتحاد السوفيتي السابق، تركت أثراً سلبيا لدي الدول العربية، دفعتها إلى التشكيك في الهدف من هذا البث، ورؤيته على أنه يهدف إلى التأثير على مشاعر وأراء شعوبها.
ويُلاحظ أنه ربما كان البث الأجنبي ضرورياً أو له أهمية عندما كانت وسائل الإعلام الحكومية غير جديرة بالثقة في الأقاليم التي يستهدفها البث. وكان الأشخاص متعطشون للمعلومات على عكس الوضع حاليا الذي يشهد غزارة في المعلومات والأخبار من مختلف وسائل الإعلام, الوضع الذي خلق العديد من الخيارات أمام المواطن العربي.
في وقتنا الراهن هناك العديد من القنوات الأجنبية تُبث باللغة العربية، فبجانب قناة الحرة الأمريكية، توجد قناة العالم الإيرانية، وقناة روسيا اليوم، والخدمة البريطانية “بي بي سي” العربية، و إذاعة صوت ألمانيا (الدويتشه فيله)، وقناة فرنسا 24. هذا التنوع والتعدد خلق منافسة حادة بين وسائل الإعلام العربية والأجنبية الموجهة للعالم العربي.
أسباب تراجع الصورة الأمريكية عربياً
تشير العديد من استطلاعات الرأي إلى تراجع الصورة الأمريكية عربياً، الذي ترجعه الدراسة إلى الدعم الأمريكي للحكومات العربية السلطوية، بجانب الدعم الأمريكي للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. فلا يمكن تجاهل حجم المتناقضات في السياسة الأمريكية خاصة عندما تروج للديمقراطية في المنطقة، فعندما تأتي هذه الديمقراطية بقيادات تعارض مصالح واشنطن بالمنطقة، تُعلن أن الشعب العربي غير قادر على تطبيق الديمقراطية، مما يترتب عليه غياب المصداقية الأمريكية عربياً.
وفي أحد استطلاعات الرأي حول اتجاهات العرب تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، تبين أن 65% من المستطلعة أرائهم يؤمنوا بأن الديمقراطية ليست هدف أمريكي حقيقي، بينما يرى 5% بأن الديمقراطية هدفاً حقيقياً للولايات المتحدة، ورأى 16% أنها كانت هدفاً حقيقياً ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تطبقه بطريقة خاطئة.
وتُرجع العديد من الدراسات تراجع الصورة الأمريكية عربياً إلى عامل الدين في إطار الترويج لمقولات ونظريات بدأت تشق طريقها عالميا مثل مقولات “صدام الحضارات Clash of Civilizations“. ولكن في واقع الأمر يُعد العامل الديني مٌتغير واحد ضمن متغيرات أخرى وليس أهمها.
موقف العالم العربي من الولايات المتحدة
تُشير الدراسة إلى أنه من الصعب وسط هذا الزخم الهائل في وسائل الإعلام العربية تحديد أيها يٌعبر عن منظور يٌعادي الولايات المتحدة الأمريكية anti-American أو يعبر عن منظور يتفق معها Pro-American، غير أنه من الملاحظ أن هذه الثنائيات هي ثنائيات ظاهرية ليس لها جدوى.
وقد أشارت الدراسة في هذا الصدد إلى قناة New TV التي تم إطلاقها كمحطة للحزب الشيوعي اللبناني المملوكة حديثاً من جانب رجل الأعمال تحسين خياط. ورغم أن القناة تحافظ على موقفها اليساري، إلا أنها تنحاز لهدفين معلنين من جانب السياسة الأمريكية، هما: دعم عدم النزوع للطائفية، ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في الحكم. ولكنها في نفس الوقت تنتقد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ومن ثم يُصعب تصنيف هذه القنوات إذا كانت مع أو ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
الدبلوماسية العامة محاولة لكسب القلوب والعقول العربية
تٌعد الدبلوماسية العامة إحدى وسائل التأثير في الرأي العام. ففي هذا الإطار قامت واشنطن بإطلاق قناة الحرة الموجهة للجمهور العربي والممولة من الحكومة الأمريكية. ولكن السياسات التى انتهجتها إدارة بوش خلال فترتيها بداية من تبنيها الحرب العالمية على الإرهاب، وصولاً إلى انتهاجها سياسات انفرادية (بعيدة عن العمل الجماعي) اقترنت بقواعد لعبة سياسية شروطها ” هل أنت معنا أم ضدنا”، وما تمخض عنها من شن ضربات استباقية على أفغانستان والعراق، متجاهلة حلفائها والأمم المتحدة، أدت إلى توتير علاقات واشنطن مع باقي دول المجتمع الدولي.
وفي الوقت الذي أخفقت الدبلوماسية العامة الأمريكية في تحسين الصورة الأمريكية عربيا، قدمت الدراسة عدداً من التوصيات منها: خلق جهاز مستقل وله مهامه يكون لرئيسه مكتب في البيت الأبيض ويكون مستشاراً خاصاً للرئيس، وزيادة المخصصات المالية الموجهة للدبلوماسية الشعبية، ونشر تعليم اللغة العربية بين المتخصصين الأمريكيين، وتسهيل وصول الصحفيين العرب للمصادر الأمريكية بصورة واسعة، بالإضافة إلى تسهيل الحصول على التأشيرة الأمريكية خاصة بالنسبة للطلاب والصحفيين.
وهناك بالفعل برامج مثل منحة فولبرايت Fulbright Fellowships ، في مجال الصحافة، الاتصالات، والدراسات الإعلامية. لكن لابد من العمل على مضاعفتها ثلاث مرات كي تستفيد منها شريحة أكبر.
كذلك أوصت الدراسة بإغلاق قناة الحرة، فهي لا تستطيع المنافسة في ظل هذا الزخم الإعلامي. كما أوصت بتصديق الولايات المتحدة الأمريكية على اتفاقية جنيف، وإغلاق معتقل جوانتنامو، وإطلاق حملة لتحسين معاملة السجناء. كل ذلك كمحاولة لتجميل الصورة الأمريكية أمام الرأي العام العربي.
تأثير العولمة على الدبلوماسية العامة
في الوقت الذي يرى فيه صناع القرار الأمريكي أن الأسباب الرئيسية لكراهية الولايات المتحدة تكمن في الأديان والأيديولوجيات، تري الدراسة أن الأسباب الاقتصادية هي السبب الرئيسي للصورة السلبية للولايات المتحدة الأمريكية.
وهي المقاربة التي أكد عليها تقرير صادر عن خدمات أبحاث الكونجرس Congressional Research Service ” الذي أشار إلى وجود اتجاه للوم الولايات المتحدة الأمريكية التي قادت للعولمة التي أصابت المنطقة بأزمات اقتصادية.
وتري الدراسة أن الأوساط العربية تري في الدفع الأمريكي نحو العولمة هدفاً للسيطرة والتحكم في الموارد العربية على غرار الاستعمار الأوروبي. وفي استطلاع رأي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حول من يؤثر في السياسات، الميديا، الأعمال، الثقافة والحكومات ، اتضح أنه من بين الأسباب الرئيسية لتزايد كراهية الولايات المتحدة الأمريكية، أن واشنطن عمقت الفجوة بين الأغنياء والفقراء حسبما رأي 59% من المستطلعة أرائهم، في حين رأي 57% أن تراجع الصورة الأمريكية يكمن في الدعم الأمريكي لإسرائيل، مقارنة بـ 54% عبروا عن استيائهم من القوة الأمريكية كسبب رئيسي لكرههم للولايات المتحدة الأمريكية.
ويسود العالم العربي إدراك بأن الولايات المتحدة لا تؤمن بعجلة الاقتصاد الحر والتبادل الثقافي وأنها تستخدم العولمة كأداة لاستنزاف ثروات العالم. ويٌضيف مستوى استجابة الحكومة الأمريكية لإعصار كاتريناHurricane Katrina وصور الفقر الحضري في أكثر أمم العالم ثروة ، انطباع كبير في العالم العربي بأن القوة العظمى لا تلقي اهتماماً للضعفاء والفقراء.
مسرح الإعلام العربي
تري الدراسة أن الإعلام العربي شهد طفرة كبيرة خلال العقد الأخير لاسيما إبان الغزو العراقي للكويت في عام1990، حيث بدأت نخبة الحكم السعودي في البحث عن سٌبل لبسط نفوذها السياسي والاقتصادي على المنطقة. فبدأ رجال الأعمال السعوديين المرتبطين بنخبة الحكم في إطلاق قنوات فضائية متعددة بشكل أساسي لمواجهة الدعاية العراقية في حرب الخليج.
وفي الوقت الذي شهد فيه العالم العربي المئات من القنوات التليفزيونية الموجهة للعالم العربي الداخلي، فقدت وسائل الإعلام الحكومية العربية نسبة كبيرة من المشاهدين، والمكانة، والنفوذ، وأصبح عليها أن تكافح للبقاء في ظل المنافسة المحتدمة مع القنوات الخاصة.
ومن الجدير بالذكر أنه يوجد أكثر من 300 قناة فضائية تٌبث بالعربية لجمهور المشاهدين الذين يقطنون ما بين المغرب والعراق. حيث أشارت الدراسة إلى عدد من تلك القنوات، كقناة الجزيرة (قطر)، العربية والـMBC (الإمارات)، وقناة دبي وأبو ظبي (الإمارات)، قناة الـ LBC-AL-Hayat (لبنان)، وقناة المنار (حزب الله اللبناني). بالإضافة إلى العديد من القنوات المتخصصة سواء في مجال الأعمال مثل قناة (CNBC، العربية، العقارية، والاقتصادية)، وأخرى مهتمة بقضايا المرآة (قناة هي)، والقنوات الدينية (الرسالة، المجد، اقرأ)، وقنوات الموسيقى(روتانا، Music Plus، ميلودي)، وغيرها من القنوات.
ويٌلاحظ أن هناك العديد من القنوات التي أصبحت تبث كشبكة قنوات متعددة، مثل: مجموعة قنوات الجزيرة، ومجموعة قنوات الـMBC. غير أن هذه القنوات ليست ناجحة على نفس المستوى. وأن القنوات المملوكة من جانب الحكومة بصورة مباشرة، أو التي تتدخل الحكومات في بثها، تشهد عزوف المشاهدين عن مشاهدتها. فيرجع نجاح قناة الجزيرة جزئياً لانفصالها عن الحكومة القطرية، الأمر الذي حافظت عليه القناة.
وفيما يتعلق بأنواع البرامج التي تجذب انتباه المشاهدين العرب بصورة كبيرة، رأت الدراسة أن البرامج التليفزيونية العربية الأكثر شعبية تنوعت بين برامج لها صدى تاريخي أو سياسي. وفي الغالب تتحدث هذه البرامج عن الوحدة والاتحاد في مواجهة النفوذ الأجنبي، وأخرى تُثير قضايا الحراك الاجتماعي، إلى جانب البرامج التفاعلية.
وقد أوضحت الدراسة أنه في شهر رمضان الذي يٌعد أهم شهور السنة التي تحظى بمشاهدة عالية للمسلسلات والبرامج التلفزيونية، فإن العرضين اللذين حظيا بمشاهدة عالية ونقاشات واسعة خلال رمضان 2007،هما مسلسل “الملك فاروق” الذي يُعد قراءة لفترة مهمة في التاريخ المصري. والعمل الثاني هو مسلسل “باب الحارة”، والذي عبر عن نظرة حنين للحياة الاجتماعية في المجتمع السوري. إلى جانب ذلك كانت هناك أعمال ناقشت الإرهاب في أفغانستان وكيفية انتقاله لشوارع العواصم العربية وأخرى تكشف عن الاهتمام بالأفكار الدينية للشباب العربي. كما حظيت برامج التليفزيون الحية مثل ستار أكاديمي وسوبر ستار أيضاً على شعبية هائلة نظراً لما تشهده من تفاعل كبير من جانب المشاهدين.
وتُختتم الدراسة بالإشارة إلى أن هناك عدد كبير من الكتاب الأمريكيين ينتقدون السياسات الأمريكية مثل مايكل مورو Michael Mooro ونعوم تشومسكي Noam Chomsky ، وأيضاً سيمور هيرش Seymour Hersh والذي كان له العديد من المقالات المنشورة حديثاً بشأن السياسة الأمريكية تجاه إيران وحزب الله في مجلة النيويوركر The New Yorker، التى جعلت اسمه يتردد في العواصم العربية. ويلاحظ أن كل ذلك النقد لإدارة بوش ما هو إلا تأكيد لحرية التعبير المكفولة على نحو كبير في الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه الحرية هي التي تكفل لهؤلاء الكتاب ليكتبوا ما يريدون. وتلك الصورة الايجابية للولايات المتحدة لا تكون محل تقدير على المستوي العربي عند التفكير في الصورة الأمريكية.