في العمق

فهمي هويدي يكشف أسرارا جديدة عن محرقة غزة

فهمي هويدي يكشف أسرارا جديدة عن محرقة غزة


المجد


 كشف الكاتب الصحفي والمفكر الإسلامي فهمي هويدي للمرة الأولى عن بعض أسرار حرب غزة مشيرا إلى أن الكثير مما تداولته وسائل الاعلام، بعضه يفتقد إلى الصواب والبعض الآخر يفتقد الى الدقة والبعض الثالث يفتقد الى البراءة.


 


وفنّد هويدي في بداية مقال نشر له اليوم الثلاثاء أكاذيب دولة الاحتلال الصهيوني التي روجت لها لتحاول إقناع العرب والعالم بأن عدوانها الوحشي على غزة والذي استمر 22 يوما وخلّف آلاف الشهداء والجرحى، جاء نتيجة لإلغاء التهدئة، وإطلاق بعض الصواريخ على القطاع، مؤكدا نجاح الاحتلال في دس هذه الادعاءات علينا، حتى أصبحت أحد محاور خطابنا الاعلامي.


 


وقال ان الذي فضح هذه الأكاذيب هو الكاتب والباحث الأمريكي اليهودي، هنري سيجمان، في مقالة مهمة وكاشفة بعنوان “أكاذيب اسرائيل” نشرتها له مجلة “لندن ريفيو أوف بوكس” (عدد 29 يناير/كانون الثاني)، وكانت خلاصة مقالته ان دولة العدو الصهيوني هي التي نقضت التهدئة وليست حماس.


 


وعبّر عن هذا الموقف أيضا البروفيسور جون ميرزهايمر أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو الذي كتب مقاله بعنوان “حرب أخرى.. خسارة أخرى”، في مجلة “ذا اميريكان كونسيرفاتيف” (26 يناير) قال فيها: ان سبب الحرب ليست صواريخ حماس، بل متابعة هدف اسرائيل الكبرى.


 


تهدئة ثم وعدوان


قال هويدي، معلوم أن الوساطة المصرية أسفرت عن تهدئة مدتها ستة أشهر، انتهت في 17 ديسمبر الماضي، وخلال تلك الفترة أوقفت حركة حماس أي نشاط للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وفاء بمقتضيات التهدئة، في حين لم تلتزم اسرائيل بشيء، سواء فيما خص فتح المعابر لتوفير احتياجات الناس المعيشية، أو فيما تعلق بوقف الأعمال العسكرية، حيث واصلت عمليات التوغل والتصفية، التي كان آخرها قيامها في الرابع من نوفمبر بقتل ستة من عناصر حماس بالقطاع.


 


وحين حل موعد انتهاء التهدئة في 17 ديسمبر، لم يجر أي اتصال مع قادة حماس بخصوص ترتيبات المستقبل، وليس صحيحا أنهم وقتذاك نصحوا وحذروا من العواقب، كما ذكرت بعض التصريحات السياسية، وكان على فصائل المقاومة أن تحدد موقفا من المسألة، فعقد ممثلوها اجتماعات في غزة ودمشق أعلنوا بعدها أن الفترة المتفق عليها انتهت، وازاء استمرار اسرائيل في الحصار وتصفية الناشطين، فانهم أصبحوا في حل من التزاماتهم ازاءها.


 


وأجرت القاهرة قبل أسبوع من الحرب اتصالين هاتفيين مع الدكتور محمود الزهار، القيادي في حماس، بخصوص تجديد الهدئة، فكان رده أن حماس وفصائل المقاومة الأخرى في القطاع، لا يستطيعون القبول بالتجديد في ظل استمرار الحصار، ورغم تواتر الأنباء عن اتجاه اسرائيل الى الهجوم على القطاع، فان الدكتور الزهار تلقى اتصالا هاتفيا من القاهرة يوم الخميس 12/25 أبلغ فيه بأن اسرائيل لا تنوي القيام بعملياتها العسكرية. الا أنها شنت هجومها المفاجئ والشرس في 27 يناير أي بعد يومين اثنين فقط من الرسالة التي أبلغت اليهم.


 


أسرار واسرار


كان التقدير الاسرائيلي المبدئي أن الهجوم المفاجئ والشرس الذي بدأته في 27 يناير سوف يستغرق ثلاثة أيام، وأن القصف المكثف، والمجنون سوف يدفع المقاومة الى التسليم.


 


ولوحظت آنذاك ثلاثة أمور، الأول:


أن الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب تحدد بعد خمسة أيام من بدء الحرب.


 


الثاني:


أن بعض رجال الأمن الوقائي الهاربين اتجهوا الى رفح المصرية متوقعين أن قيادات حماس سوف تهرب من القطاع، وأن الساحة ستكون مهيأة لاستقبالهم.


 


الثالث:


 أنه لم يجر أي اتصال مع قيادات المقاومة في الخارج، باستثناء اتصال هاتفي وحيد أجراه عمر موسى، أمين الجامعة العربية، مع نائب رئيس حركة الجهاد الاسلامي زياد نخالة، المقيم في دمشق.


 


في اليوم السادس -الخميس الأول من يناير-، تلقت قيادة المكتب السياسي في حماس اتصالا هاتفيا من أحد مسؤولي المخابرات العامة في القاهرة، دعا خلاله وفدا من الحركة لبحث الموقف في العاصمة المصرية، علما بأن خطوط الاتصال ظلت مقطوعة بين الطرفين منذ رفضت الحركة حضور مؤتمر المصالحة في نوفمبر الماضي، وحتى لا يفهم أن حماس متلهفة على وقف اطلاق النار، فانها أخرت ارسال الوفد الى الأحد 4 بناير.


 


في الوقت ذاته، بعد أسبوع من بدء الحرب، أجرى الفرنسيون والدنماركيون اتصالات مع قيادة المكتب السياسي في دمشق لتحسس احتمالات وقف اطلاق النار.


 


هذه الاتصالات كانت تعني أمرين، أولهما: أن صمود المقاومة في غزة فاجأ الجميع، ولم يكن في الحسبان.


 


وثانيهما: أن اسرائيل تريد أن تنهي الحرب بفرض شروط التسليم على حماس.


 


ويضيف هويدي، الملاحظ في هذا الصدد، أن الغارات الاسرائيلية كانت تشتد وتزداد عنفا أثناء وجود ممثلي حماس في القاهرة، ولم تكن تلك الغارات سوى رسالة ضغط على المفاوضين لدفعهم للقبول بالتسليم، وهناك معلومات تشير الى أن رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت أجل خطاب اعلان قرار وقف اطلاق النار مرتين، انتظارا منه لما يمكن أن تسفر عنه اجتماعات القاهرة التي رفضت فيها حماس ما نقل اليها من إملاءات اسرائيلية.


 


أسطورتان


يقول الكاتب أن هناك أسطورتان راجتا أثناء الحرب وبعدها هما:


أن المعركة استهدفت التصدي للنفوذ الايراني في المنطقة، وتلك شائعة اسرائيلية أرادات بها اسرائيل أن تحقق ثلاثة أهداف،


الأول:


تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وتصويرها بحسبانها أداة في يد ايران.


 


والثاني:


استنفار العالم العربي الذي تتوجس بعض أنظمته من ايران، ومن ثم الايحاء بأنها العدو الحقيقي للعرب وليست اسرائيل، وهو ما قالته صراحة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني.


 


الثالث:


تصفية الحسابات الاسرائيلية ازاء ايران التي تعتبرها الدولة العبرية أكبر تحد لها، خصوصا في ظل استمرارها في مشروعها النووي.


 


ويقول هويدي ان هذه المقولة لا تفرق بين الحليف والعميل، والذين يرددونها لا يعرفون أو يتجاهلون أن حماس رفضت الاشتراك في مؤتمر الفصائل الذي دعت اليه طهران أثناء انعقاد مؤتمر أنابوليس، مما عكر صفو العلاقات بين الطرفين لبعض الوقت، كما أنها رفضت الملاحظات الايرانية على اتفاق التهدئة الذي تم في شهر يونيو الماضي، مشيرا إلى أن الذين يتخوفون من مساندة ايران للمقاومة لا يبدون أي تحفظ على تحالف الأمريكيين والاسرائيليين مع الطرف المقابل.


 


الأكذوبة الثانية: تتمثل في الاعتقاد السائد في بعض الأوساط السياسية العربية بأن التحالف الحاكم في اسرائيل الآن «ليفني -باراك أو كاديما والعمل» هو أفضل للعرب من الليكود الذي يقوده بنيامين نتيناهو، ولهذا فان هناك حرصا شديدا وتحركات مشهودة من جانب تلك الأوساط السياسية العربية لانجاح التحالف القائم، وترجيح كفته في مواجهة الثاني.


 


ويرى هويدي ان الذين يتعلقون بوهم المراهنة على تحالف يسار الوسط الحاكم هناك، ينسون أن كل الحروب التي شنتها اسرائيل ضد العرب قادها ذلك التحالف الخبيث، باستثناء ما جرى في عام 1982 حينما قاد شارون الليكودي آنذاك حملة اجتياح بيروت.


 


ويختتم الكاتب الصحفي مقاله بالقول، ان إسرائيل تحاول الآن تحقيق أهدافها التي فشلت في تحقيقها بالحرب عن طريق الضغط والاملاءات السياسية، حيث يظل اخضاع حماس والغاء نتائج انتخابات عام 2006 هدفا لا تريد اسرائيل ومن لف لفها التراجع عنه، بالتالي فالمعروض الآن تحديدا هو العودة الى الوضع الذي ساد قبل 27 ديسمبر، الذي يستدعي التهدئة التي تكبل المقاومة وتطلق يد اسرائيل مع الابقاء على صورة محسنة للحصار، وتعليق كل شيء بعد ذلك، خصوصا الاعمار ورفع الأنقاض واخراج ما تحتها من جثث، حتى توافق حماس على الخضوع وتقبل بكل ما رفضته في السابق، رغم كل ما سال من دماء وأبيد من بشر ودمر من عمران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى