بعد فوز ليفني..أوباما و”المعتدلين العرب” في ورطة
رغم أن التوقعات كانت تسير باتجاه فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الإسرائيلية إلا أنها جاءت بنتيجة مفاجئة ، حيث تقدم حزب كاديما برئاسة تسيبي ليفني بـ 30 مقعدا ثم حزب الليكود بزعامة بنيامين نمتايهاو بـ 28 مقعدا ثم حزب اسرائيل بيتنا المتطرف ب 15 مقعدا ثم حزب العمل بزعامة إيهود باراك ب 13 مقعدا وهى أدنى نسبه له في تاريخه وفسرها البعض بأن حزب العمل لم يستطع منذ خسر رئاسة الحكومة عام 1977 أن يقدم بديلا فعليا لأي من الأحزاب الأخرى ولم تشفع له الحرب الدموية التي شنها باراك على غزة في تحقيق أي إنجاز .
وجاء حزب شاس المتطرف بعد حزب العمل ب 9 أو 10 مقاعد وأخيرا الأحزاب العربية بحوالي 7 مقاعد وهى بذلك لم تحافظ على نسبتها السابقة وهى 10 مقاعد أي نسبة الحسم اللازمة لكي تدخل في تشكيلة الحكومة ولا تتوزع مقاعدها على الأحزاب الكبيرة وهى في هذه الحالة كاديما والليكود.
النتائج السابقة قد ترحب بها بعض الدول العربية التي توصف بالاعتدال ، إلا أنه عند النظر إليها بشكل أكثر عمقا فإنها لا تدعو للتفاؤل إطلاقا بالنظر إلى نظام الانتخابات في الكيان الصهيوني القائم على التمثيل النسبي ، حيث تصبح الأحزاب الصغيرة لها الكلمة الفصل ، بينما لا يتمكن أي من الأحزاب الكبيرة من تحقيق الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة وهي 61 مقعدا في الكنيست من أصل 120 .
وعلى ضوء النتائج السابقة ، فإن إسرائيل تكون أمام عدة خيارات إما تشكيل حكومة من اليسار بزعامة ليفني أي تضم كاديما والعمل وميريتس والأحزاب العربية أو تشكيل حكومة من اليمين برئاسة نتنياهو وتضم كلا من الليكود وإسرائيل بيتنا وحزب شاس ، وفي كلتا الحاليتن فإن أي من الحكومتين لن تسطيع أن تصل للنسبة المطلوبة وهى 61 مقعدا ، أي أنه يستحيل تشكيل حكومة من اليسار دون استقطاب أحزاب من اليمين والعكس .
وفي ضوء الحقيقة السابقة ، فإن نتائج الانتخابات لا تعكس صورة الحكومة المقبلة وبدون الاتفاق بين كاديما والليكود والعمل يستحيل تشكيل حكومة مستقرة وهكذا فإن إسرائيل قد تجد نفسها تدعو لانتخابات جديدة أو تقبل بحكومة ائتلافية تضم اليسار واليمين وتتولى ليفني نصف المدة ونتنياهو النصف الباقي وهو ما يطلق عليه حكومة بـ “رأسين” ، أو القيام بتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى ليفني رئاستها ونتنياهو وزير الخارجية وباراك وزير الحرب،خاصة وأن ليفني أكدت أنها لن تقبل أن تشارك في حكومة يتولى نتنياهو رئاستها .
وبصفة عامة فإن إسرائيل ستواجه خلال الأسابيع المقبلة مرحلة من عدم الاسقرار ، حيث أنه في أعقاب الانتخابات، يكون أمام الرئيس شيمون بيريز سبعة أيام لتكليف زعيم الحزب الفائز بتشكيل الحكومة ، وتقليديا فان هذا الحزب هو الذي يحصل على أعلى عدد من المقاعد في الكنيست ويتولى زعيمه رئاسة الحكومة الجديدة.
وبعد ذلك سيكون أمام زعيم الحزب الفائز 28 يوما لتشكيل ائتلاف ، وفي حال الضرورة يمكن لبيريز تمديد الفترة 14 يوما إضافيا ، وفي حال لم يتم تشكيل ائتلاف، يكون بإمكان بيريز تكليف زعيم حزب آخر للقيام بهذه المهمة، وسيكون أمامه 28 يوما لتشكيل ائتلاف.
وإذا لم يكن ذلك ممكنا، يكلف بيريز شخصا ثالثا بهذه المهمة ، وفي حال فشله في تشكيل ائتلاف خلال 14 يوما، فإن الرئيس يدعو إلى إجراء انتخابات جديدة.
وهكذا يتضح أن عملية تشكيل ائتلاف ستكون صعبة جدا وعلى الحزب الفائز التفاهم مع العديد من الأحزاب التي تطالب بحقائب وزارية في الحكومة الجديدة، كل طبقا لأجندته ، وكان هذا سببا لعدم استقرار معظم الحكومات الإسرائيلية حيث لم تتمكن سوى ستة برلمانات من إكمال مدتها القانونية وهي أربع سنوات ، وخلال السنوات الـ13 الماضية وحدها، تمت الدعوة إلى إجراء انتخابات ست مرات بعد سحب أحزاب صغيرة تأييدها للحكومة.
ويبدو أن هذا النظام الانتخابي كان مرسوما بدقة من قبل مؤسسي إسرائيل لمنعها من تقديم أية تنازلات في الصراع العربي الإسرائيلي ، فما أن تتعرض أية حكومة لضغوط دولية إلا وتنسحب أحزاب صغيرة وتسقط الحكومة لرفع الحرج عن إسرائيل وهذا هو تحديدا الفخ الذي وضعه الكيان الصهيوني في وجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي أكد أكثر من مرة حرصه على الإسراع بتنفيذ حل الدولتين .
ففوز ليفني وليس نتنياهو كان رسالة لأمريكا أكثر منها للداخل أن إسرائيل لن تأتي بحكومة يمينية متطرفة لا تتناسب مع سياسات أوباما الذي يبدو أكثر اعتدالا من سلفه جورج بوش ، وفي نفس الوقت فإن إسرائيل ضمنت في حقيقة الأمر أنها لن تقدم تنازلات تذكر في أية مفاوضات مستقبلية بشأن الصراع العربي الإسرائيلي ، لأنه حتى لو تشكلت حكومة برئاسة ليفني فإنها ستضم اليمين ونتنياهو وهو معروف عنه أنه يرفض إقامة دولة فلسطينية ويرفض حل الدولتين ويزعم ليل نهار أنه لا يوجد ما أسماه شريك فلسطيني.
ويبدو أن الدول العربية التي توصف بالاعتدال وكانت تعول على أوباما وحزب كاديما الذي يتبنى حل الدولتين بدأت تشعر بخيبة أمل كبيرة إزاء تحقيق السلام ، فأية مفاوضات في ظل حكومة تضم نتنياهو أو اليمين لن تحقق أية نتائج تذكر ، وهكذا فإن القضية الفلسطينية كتب عليها أن تدور في حلقة مفرغة ما بين انتهاء انتخابات وبداية انتخابات أخرى سواء كان ذلك في إسرائيل أو أمريكا.
محيط – جهان مصطفى