عيون وآذان “التجسس الصهيوني”
المجد يفترض أن يكون المحافظون الجدد في الولايات المتحدة قضوا غير مأسوف عليهم بعد خسارتهم حربين ثم خسارة الانتخابات الأميركية، وأن يكون اللوبي اليهودي انجحر وبعض أبرز أركانه يواجه تهمة التجسس لإسرائيل، غير أن سقوط ترشح تشارلز فريمان لرئاسة مجلس الاستخبارات الوطني أثبت أن أخبار موت عصابة إسرائيل مبالغ فيها.
الصحافة العربية أوفت الموضوع حقه، وبقدر أهميته، فمدير الاستخبارات الوطنية الأميرال دنيس بلير أثنى على مرشحه فريمان صباح 12 من هذا الشهر وقال إنه «صاحب خبرة طويلة وعقل مبدع»، ولكن ما حل بعد الظهر حتى كان فريمان يعلن انسحابه ويحمِّل أنصار إسرائيل المسؤولية.
أمامي خبر عنوانه «أوباما انهار أمام لوبي إسرائيل» وأجده صحيحاً، فبالإضافة الى أمثال السناتور جو ليبرمان والسناتور تشك شومر اللذين يمثلان ليكودية إسرائيل في مجلس الشيوخ الأميركي كان هناك رجال اللوبي، فقاد الحملة جوناثان تشايت في «نيورببلك» الليكودية، وأكتفي برأي فيه من ليكودي مثله هو جيمس هيلبروم الذي كتب أن تشايت ليبرالي ازاء كل قضية باستثناء إسرائيل حيث هو من المحافظين الجدد.
الليكودي دانيال بايبس الذي احترف مهاجمة الإسلام والمسلمين كتب يقول: «ربما لا تعرفون أن ستيفن روزن، من منتدى الشرق الأوسط، كان أول من لفت الأنظار (في 19/2) الى مشكلة تعيين فريمان… وخلال ساعات انتشر الخبر، واعترف فريمان بالهزيمة بعد ثلاثة أسابيع. فقط شخص من مستوى روزن وصدقيته يستطيع أن يفعل هذا».
في كل مرة أعتقد أنني قرأت أو سمعت عن أقصى ما يمكن أن تصِل اليه وقاحة أنصار اسرائيل أو دناءتهم أجد بعد ذلك أنهم تفوقوا على أنفسهم. بايبس يتحدث عن «مستوى» روزن وكلاهما أحقر من أحدهما الآخر، وروزن تحديداً يواجه قرار اتهام بالتجسس لإسرائيل أثناء عمله في اللوبي اليهودي (ايباك) وكر الجواسيس المعروف، أي أنه ليس محترماً وصاحب صدقية إلا عند ليكودي مثله.
وأترجم عن ستيفن والت الذي ألف مع جون ميرزهايمر الكتاب المشهور «لوبي اسرائيل» تعليقاً له على الموضوع: لو لم يكن للقضية تأثير مؤذٍ على السياسة الأميركية فإن مفارقات الوضع قد تبدو مضحكة. مجموعة من الاستراتيجيين الهواة أيدوا بالصوت العالي الحرب على العراق يشككون الآن في حكمة رجل عرف أن الحرب ستكون خطأ كارثياً. وواحد عمل طويلاً في لوبي اسرائيل ويواجه الآن قرار اتهام بالتجسس يحاول أن يقنعنا بأن فريمان الوطني الحقيقي خيار سيِّئ في منصب استخبارات. وصحافي (هو جيفري غولدبرغ) كانت فكرته عن الخدمة العامة أن يتطوع في الجيش الإسرائيلي يتحدى أهلية رجل نذر نفسه عقوداً لخدمة الحكومة الأميركية. هذه وقاحة (خوتزباه يهودية).
هي وقاحة فعلاً أن يتهم عملاء اسرائيل وجواسيسها مواطناً نزيهاً بما فيهم.
اسرائيل منذ تأسيسها تتجسس على الولايات المتحدة، إما مباشرة أو عبر يهود أميركيين يدينون بالولاء لها ويقدمون مصلحتها على مصلحة «بلادهم» الولايات المتحدة، ولا بد من ان القراء سمعوا بقضية جوناثان بولارد الذي نقل عبر عمله في البحرية الأميركية 800 ألف كلمة من تقارير سرية الى اسرائيل، وهو في السجن واسرائيل تطلب تسليمه لها.
هناك تقارير لوكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيق الفيديرالي تقدم سنة بعد سنة الى الكونغرس وتتحدث عن التجسس الإسرائيلي على الولايات المتحدة في كل مجال سياسي وعسكري وأمني واقتصادي. هذه التقارير متوافرة للراغب، وبعضها يمكن الحصول عليه بسهولة عبر الانترنت، وهي تظهر أن إسرائيل الدولة الثانية في العالم، بعد الصين، في التجسس على الولايات المتحدة، والى درجة أن تحاول تشكيل شركات مدعومة حكومياً تتشارك مع شركات تكنولوجيا أميركية لاختراق أجهزة كومبيوتر وزارة الدفاع، والشركات الكبرى، خصوصاً شركات السلاح، وقد وجدت إسرائيل طريقاً الى مشاركة أكبر شركات الاتصالات الأميركية ما يعطيها مدخلاً للتجسس ينافس الوكالات الأميركية نفسها.
القارئ المهتم يستطيع أن يمسك بطرف الخيط من طريق موضوع نشره موقع الترنت (Alternet.org) في 10 الشهر الجاري بعنوان «كسر المحظور في جهود اسرائيل للتجسس على الولايات المتحدة»، ففيه تفاصيل كثيرة عن تقارير أميركية تسجل تجسس اسرائيل وتكفي مادة لكتاب.
رجال اللوبي والليكوديون من أنصار إسرائيل يجب أن يجردوا من جنسيتهم الأميركية ويطردوا الى إسرائيل ليتجسسوا أحدهم على الآخر. غير أن باراك أوباما لا يفعل وانما يسقط أمام اللوبي، وهذا بعد أن ألزم بلاده المفلسة بثلاثين بليون دولار من المساعدات العسكرية على عشر سنوات، وهي مدة تتجاوز ولايتين له، هذا إذا فاز بولاية ثانية.
جهاد الخازن- الحياة