في العمق

من غير الْمُسْتَبْعَدِ أنْ تقومَ إسرائيلُ بالعودة لعمليات التصفية بحق القيادات

 

كتب/ صالح النعامي

هناك عِدَّةُ مؤشرات تُدَلِّلُ بما لا يقبل الشك على أن الحكومة الجديدة ستَتَّبِعُ نهجًا تصعيديًّا في مواجهة حركة حماس وقطاع غزة، وهذا النهج لا تعكسه فقط التوجهات المتطرفة للأحزاب التي تُشَكِّلُ الحكومة، بل أيضا طبيعة التركيبة الشخصية لهذه الحكومة، حيث إنها تَضمُّ الساسة الأكثر تطرُّفًا الذين عرفتهم الخارطة السياسية الإسرائيلية.

وتتلخص هذه المؤشرات في قرار نتنياهو استبدال الجنرال عوفر ديكل، المسؤول عن ملف الجندي الإسرائيلي الْمُخْتَطَف لدى حماس جلعاد شليت، وتأكيد مستشاري نتنياهو على أنه سيعتمد نهجًا مغايرًا في التعاطي مع ملف شليت، بحيث إن كل ما تم التَّوَصُّل إليه من تفاهمات مبدئية مع حماس سيُوضَعُ على الطاولة من جديد، وهذا مُؤَشِّرٌ على إمكانية عدم قبول الحكومة الحالية المواقفَ التي قدَّمَتْهَا الحكومة السابقة بشأن إنهاء هذا الملف.

وليس من الْمُسْتَبْعَدِ أن يقصد مُقَرَّبُو نتنياهو من تغيير نَهْجِ العَمَلِ على محاولة تحرير شليت بالقوةِ، في حال تَوَفَّرَتْ معلومات استخبارية، مع أن هذا احتمالٌ يستَبْعِدُهُ الأغلبية الساحقة من المراقبين في إسرائيل.

من ناحيةٍ ثانيةٍ، فقد أعد وزير التهديدات الاستراتيجية في الحكومة، موشيه يعلون، خِطَّةً للتَّعَامُلِ مع حركة حماس، سيَتِمُّ عَرْضُهَا ومناقَشَتُها في اجتماع خاص للمجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، وحتى قبل أنْ يَتِمَّ الكشف عن تفاصيل هذه الْخِطَّة، فإنه يمكن القول إنه يستهدف للتصعيد، حيث إن يعلون معروفٌ بمواقِفِه بالِغَةِ التطرف من حركة حماس، منذ أن كان رئيسًا لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي.

وهنا يتوَجَّبُ التذكير بأن أحد أهم بنودِ الاتفاق الائتلافي بين حِزْبَيِ الليكود برئاسة نتنياهو، وحزب "إسرائيل بيتنا"، برئاسة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان؛ البند الذي يَنُصُّ بشكلٍ واضِحٍ على أنّ إسقاطَ حُكْمِ حركة حماس هو هدفٌ استراتيجِيٌّ للحكومة القادمة، بِغَضِّ النظر عن واقعيّةِ وجِدِّيَّة بلورة هذا الهدف، إلا أنه يُدَلِّلُ على البوصلة التي ستَتَّخِذُها الحكومة الجديدة في تعاملها مع حماس…

في ذات الوقت، فإنه من الواضح تمامًا أن نتنياهو يرى أن لديه هامشَ مناورةٍ كبيرًا في مواجهة حركة حماس، بِفَضْلِ موقف السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية من الحركة.

في الوقت نَفْسِه، فإن تفجير النظام المصري الأزمةَ الأخيرةَ مع حزب الله، وشراسَةَ الحملة الموجهة ضد الحزب، أقنعتْ نتنياهو بأنه على الرُّغْمِ من تطرف حكومته، إلا أنه سيجد في بعض الدول العربية حليفًا له!

لكن في المقابل لا يمكن إغفالُ عوامِلَ أخرى تصب في الاتجاه المعاكس، وقد تدفع نتنياهو؛ ليكون أكثرَ حَذَرًا في تعاطيه العسكري مع حركة حماس، وهي:

 وجود رغبة جماهيرية إسرائيلية عارمة بإنهاء ملف شليت، فضلًا عن أن وجود أحزابٍ فاعِلَةٍ داخل الحكومة تَضْغَطُ بإنهاء مِلَفِّهِ، مثل حركة شاس وحزب العمل، إلى جانب إدراك بأنه لا يوجد حَلٌّ عسكري لمشكلة شليت.

 هامش المناورة المتاحُ أمام إسرائيل في العمل العسكري، في ظل الوضع الدولي الحاليِّ محدودٌ جدًّا، مع العلم أن أولمرت عندما شَنَّ حَرْبَهُ الأخيرةَ على القطاع، اختار توقيتَهَا بِدِقَّةٍ، فتمتْ في الفترة الرمادِيَّةِ الفاصلةِ بين عهدي بوش وأوباما. مع العلم أن حكومة نتنياهو تُوَاجِهُ مشكلةً شرعيَّةً دولِيَّةً بسبب طابعها الحزبيّ، ومواقفها السياسية.

 هناك جدول أولويات خاص بنتنياهو؛ حيث يتصدَّرُ البرنامج النووي الإيرانيُّ قائمةَ التهديدات التي تُوَاجِهُ إسرائيل…

وبالتالي فإنه من غير الْمُسْتَبْعَدِ أنْ تقومَ إسرائيلُ بالعودة لعمليات التصفية ضد القيادات والنُّشَطَاءِ في حالِ كان هناك مُبَرِّرٌ عَلَنِيٌّ لذلك. ومن غير المستبعد أن تحاول إسرائيل تصفيةَ بعضِ قيادات الحركة في الخارج بِمَعْزِلٍ عن التطورات على الساحة الفلسطينية.

 

واضح تمامًا أنّ عملياتِ إطلاق الصواريخ من قطاع غزة في ظِلِّ الظروف الحالية ستُعْتَبَرُ من قبل حكومة نتنياهو مُسَوِّغًا لِشَنِّ هجوم على غزة، وبكل تأكيد سيكون المستهدف حماسَ وحكومتَها، وبالتالي يتوجَّبُ على الفصائل الفلسطينية إدراكُ تداعياتِ أيِّ خُطْوَةٍ تُقْدِمُ عليها المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى