وصفة لتعزيز حماس في غزة.. وفلسطين
منذ تشكيل حكومة بنيامين نتن ياهو، تصاعدت الدعوات الإسرائيلية لإسقاط حُكم حركة حماس في قطاع غزة، لكن أكثر ما يثير الانتباه هو أنّ هذه الدعوات لم تَعُدْ قاصرةً على السياسيين, حيث غدَا الكثير من قادة الأجهزة الأمنية يسوّقون هذه الدعوات ويُبَرِّرونها، وأبرز هؤلاء هو يوفال ديسكين (رئيس جهاز المخابرات الداخلية «الشاباك») الذي يعتبر أحد أكثر الجنرالات تأثيراً على عملية صنع القرار في تل أبيب.
الكاتب الإسرائيلي عكيفا إلدار يُدَلِّل في مقال نشرته صحيفة «هآرتس» على أنّ المنطق الذي يستند إليه ديسكين غير سليم، ولن يؤدِّي إلا لتعزيز حركة حماس، وهذه ترجمة المقال:
يعتبر يوفال ديسكين (رئيس جهاز المخابرات الداخلية «الشاباك») شخصاً مستقيماً, إذ إنّه يقول ما يؤمن به، وهذا تحديداً مصدر قلق. وقد عبّر ديسكين الأسبوع الماضي عن مواقفه السياسية أمام أعضاء لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، وبواسطتهم نقل وجهة نظره الى الجمهور الواسع، ومواقف ديسكين تعبر عن فشل استراتيجي خطير. لقد قال ديسكين إنه طالما ظلّت حركة حماس تحكم غزة لا يوجد أي أمل لنجاح عملية سياسية حقيقية لحلّ الصراع بما يضمن مصالح إسرائيل.
لكن ماذا يقترح ديسكين إذن؟ قال: «لقد اقترحت في حينه للمستوى السياسي العمل على إسقاط حكم حركة حماس في غزة من أجل تهيئة الجو لعملية سياسية بما يخدم مصالح إسرائيل». لكن ديسكين ناقض نفسه, حيث قال: إن بالإمكان العمل على تهاوي حكم حماس، لكن من غير الممكن اجتثاث حماس من قلوب الفلسطينيين.
بكلمات ثانية ديسكين يقول: إنّ الطريقة الوحيدة بالتي بوساطتها يمكن تدمير حكم حركة حماس هو شنّ الطبعة الثانية من حرب «الرصاص المصبوب» على غزة، لكنه في نفس الوقت يقرّ بأنّ مثل هذه الحرب لن تؤدي إلى اجتثاث حماس من قلوب الناس… والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن تهيئة سياقات سياسية تناسب مصالح إسرائيل في الوقت الذي تتربع حركة حماس على قلوب الفلسطينيين؟ ففي غياب خيار جدي لحل الصراع بوسائل سياسية، فإنّ الخيار العسكري يجعل الفلسطينيين أمام خيار واحدٍ: تخليد الصراع مع إسرائيل وتعاظم التأييد لحركة حماس، حتى أكثر الناس عداءً من بين الفلسطينيين لحماس يُقِرّون أنه لا يوجد تنظيم أكثر منها قدرة على إدارة الصراع في ظلّ حرب استنزاف ضد إسرائيل، من هنا فإنّ حماس لن تحافظ على حكمها في غزة، بل إنّها ستحصل على مواطئ قدم راسخة في الضفة الغربية على حساب السلطة الفلسطينية. لكن ماذا سيكون مصير التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية التابعة لأبو مازن وإسرائيل، وماذا بخصوص خطط دايتون (الجنرال الأمريكي الذي يشرف على تدريب أجهزة عباس الأمنية)، وتحديداً في ما يتعلق بتسليم السلطة المزيد من المناطق للسيطرة عليها أمنياً.
إنّ أية عملية عسكرية ضد حماس لن تحصل على شرعية دولية ما لم يرافقها أُفُق سياسي، بل ستؤدي إلى اجتثاث إسرائيل من قلوب أفضل مُؤيّديها في العالم، وماذا سيكون مصير جلعاد شاليط الذي تحتجزه حماس، في حال دفعنا هذه الحركة إلى الزاوية؟
الدكتور ماتي شطاينبيرغ الذي عمل لسنوات مستشاراً لرؤساء جهاز «الشاباك» لشؤون الفلسطينيين، غضب من موقف زميله السابق ديسكين، وهو يؤكّد أن ما يدعو إليه ديسكين لن يؤدّي إلى انهيار حركة حماس، بل سيؤدي إلى انهيار حكم السلطة في الضفة الغربية.
ويضيف: إذا كان رئيس «الشاباك» يعتقد أنه لا مفرّ من عملية عسكرية ضد حماس، فإنّه لا مفرّ من تهيئة الأرضية لعملية سياسية. اندماج إسرائيل في تحرُّك دولي وضمن ذلك أنظمة الحكم العربية المعتدلة يمكنا من العمل العسكري ضد حماس، وبهذا فقط يمكن أن نُظهِر حركة حماس كحركة تهدف لضرب العملية السياسية وتثير ضدها ليس المجتمع الدولي فقط بل أيضاً الدول العربية، كما أنّها ستخسر تأييد معظم الفلسطينيين، وعلى رأسهم الفلسطينيون في غزة.
إن شطاينبيرغ مقتنع أن الطريق الوحيد لوقف تعاظم حركة حماس يتمثل في محاولة إقناع الجمهور الفلسطيني بتفوق عوائد التسوية السياسية على طريق الدم والعَرق والألم، لذا يقترح أن يتم قلب المعادلة التي رسمها ديسكين رأساً على عقب، فبدلاً من اشتراط الشروع بالعملية السياسية بإسقاط حكم حماس من الحكم، يجب تبنّي موقفٍ يقول إنه طالما لم يتم الشروع في عملية سياسية لحلّ الصراع، فإنّه يجب السماح لحماس بمواصلة حكم قطاع غزة.
ترجمة صالح النعامي