أكبر سجن في العالم لـ 1.5 مليون إنسان محكوم عليهم بالإعدام
فلسطين الآن
هناك في غزة .. يعيش الفلسطينيون بأكبر سجن في العالم، بما تعنيه كلمة سجن على أرض الواقع، بعد أن تحوّل القطاع إلى مُعتقل مُحكم الإغلاق براً وجواً وبحراً، ليس هذا فحسب، بل إن هذا السجن الضخم قد يتحوّل بأكمله إلى أكبر “مقبرة جماعية” إن لم يُفك أسره.
هم مهددون بكارثة إنسانية لا سابق لها في التاريخ البشري الحديث في ظل القتل والعدوان، ومنع وصول الوقود والطعام وحتى الدواء، في حين أن المرضى المسجونين في مستشفيات نفد العلاج منها وأجهزتها مهددة بالتوقف، فهم ينتظرون ساعة انقضاء الأجل والموت لحظة بلحظة، وكل ذلك سببه حصار خانق اشتد منذ عشرة أشهر.
فسجن قطاع غزة، هو السجن الأول والوحيد الذي تُنقل فيه معاناة الأسرى الذين بداخله على الهواء مباشرة وإلى جميع أنحاء العالم بمختلف لغاته، بل إن “قصص الحصار” التي يسردها “الأسرى” أمام شاشات التلفزة والمعاناة القاتلة التي لا ينكرها أحد، لا تجد اهتماماً بالمقارنة مع حجم الكارثة القريبة الوقوع إن تواصل هذا الحصار والإغلاق.
هذا السجن، الذي يضم في جنباته أكبر عدد من المعتقلين في التاريخ الحديث (1.5 مليون إنسان فلسطيني)، بينهم أطفال ونساء وشيوخ، تُنتزع منه أبسط مقوّمات الحياة البشرية، بل يحرم سجناء ورهائن غزة حتى من حقوق السجناء في سجون العالم الصغيرة.
غزة .. سجن مُحكم
يقول رامي عبده، المتحدث باسم اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار في غزة “إن سجون الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ليس 28 سجناً وإنما 29 سجناً، وذلك بعد انضمام قطاع غزة إلى تلك السجون، بل هو أكبر هذه السجون”.
وأشار إلى أن الاحتلال يحرم مليون ونصف المليون من “السجناء” في قطاع غزة من أبسط حقوقهم التي يحصل عليها الأسرى، مطالباً العالم بالإنصاف وإعطاء السجناء في أكبر سجن في العالم حق المساواة على الأقل مع السجناء في سائر السجون.
ورأى عبده أن ما يذهل حقاً هو وجه التشابه التام بين انتهاكات حقوق الأسرى التي تسجلها منظمات حقوق الإنسان الدولية وبين ما يتعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة.
فبين الحين والآخر تخرج إحدى المؤسسات الحقوقية لتنتقد مثلاً اضطرار بعض الأسرى في بعض الدول، ومن بينها سجون الاحتلال، لشرب المياه الملوثة حفاظاً على حياتهم وهو ما يتعرض له المواطنون في غزة نتيجة لمنع المواد المطهر والمُعقمة للمياه من الدخول إلى القطاع.
أطفال يُقتلون وهم محاصرون
المزيد من صور الحصار لسجن غزة الكبير تكمن في انتقاد تلك المؤسسات لاحتجاز الأطفال بتلك السجون الصغيرة في ظروف مخالفة لأبسط القواعد الإنسانية، الأمر الذي يتعرض له أطفال القطاع بجانب استهدافهم المتكرر من قوات الاحتلال، لا سيما وأن ثلث ضحايا الحصار المرضى هم من الأطفال.
وهنا تتساءل الحملات واللجان المحلية والدولية المناهضة للحصار الخانق المفروض منذ عشرة أشهر على غزة، كم من المؤسسات التي انتقدت وفاة مرضى ومعتقلين في سجون الاحتلال، في حين أن مرضى القطاع يتساقطون واحداً تلو الآخر أمام ناظر العالم، وسط صمت تلك المؤسسات والمجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكناً تجاه عشرات المرضى من الأطفال والنساء الذين حرموا من تلقي العلاج وينتظرون بلا حول منهم ولا قوة الانضمام إلى قائمة الموتى المتصاعدة.
أسوأ سجون العالم
وبشهادة من الأمم المتحدة؛ فإن غزة، التي يتركّز في مخيماته المكتظة مليون ونصف المليون لاجئ فلسطيني، هي من أسوأ السجون في العالم على الإطلاق ومن جميع النواحي، وعليه فإن سجون العالم، حتى السيئ منها، أفضل من وضع السكان في قطاع غزة المحاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
مدير عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” جون جينغ يقول: “دائماً يشير الصحافيون إلى غزة على أنها سجن مفتوح، لكن عندما نتحدث عن مستويات الخدمات والمعيشة يمكن القول إن أوضاع السجون في الخارج أفضل من الوضع القائم في غزة”.
ولفت جينغ الانتباه إلى أن سكان القطاع محرومون من تلقي الخدمات الطبية والإنسانية الأساسية بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع. مشيراً إلى أن السجين في الدول الأوروبية يتلقى العلاج والعناية الطبية والإنسانية اللازمة، بينما الفلسطيني في قطاع غزة محروم من الكثير من الخدمات الصحية الأساسية بالإضافة إلى أنه محروم من التنقل لغاية العلاج.
كارثة إنسانية متسارعة
“الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة” حذّرت إزاء هذا الوضع من خطورة الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، والذي ينذر بكوارث إنسانية وصحية وبيئية لا سابق لها جراء استمرار تشديد الحصار.
وتؤكد اللجنة أيضاً في سلسلة بياناتها المنددة بالحصار على أن “الساعات الحالية تنذر بكارثة إنسانية تتشكّل بشكل متسارع، عبر انهيار ما تبقى من نظام الخدمات العامة ومقومات الحياة اليومية والرعاية الصحية في شتى مناطق قطاع غزة”، كما قال.
وتشدد الحملة على ضرورة رفع الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة، وهو شريط ساحلي ضِّيق بات معزولاً عن العالم بالكامل. أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي كافة منافذ غزة منذ عشرة شهور، كما أغلق الجانب المصري معبر رفح، وهو الوحيد الذي يصل القطاع بالأراضي المصرية والعالم الخارجي.
المعتقلون يتعرّضون للقصف والقتل!
غزة التي تحوّلت إلى سجن، يختلف أيضاً عن باقي سجون العالم، فهذا السجن يتعرّض للقصف الجوي والبحري والبري من قبل آلة الحرب الإسرائيلية ليلاً ونهاراً، وهي التي تحاصره، مما أوقع منذ بداية تشديد الحصار قبل عشرة أشهر ضحايا بالمئات، ثلثهم من الأطفال.
ويُجابه رفضُ الفلسطينيين في غزة ما يتعرّضون له من انتزاع لحقهم في الحياة؛ بسلسلة عقوبات جماعية من قبل السجان الإسرائيلي، تبدأ بالحرمان من العلاج ثم منع الوقود، وهو ما ينذر بانقطاع التيار الكهرباء وإغراق غزة في ظلام دامس، كما سيعني حالات موت جماعي لأولئك الذين يعيشون على الأجهزة في مستشفيات القطاع، والذين يقدّر عددهم بالمئات، لا سيما الأطفال حديثي الولادة في داخل الحاضنات.
وتتواصل هذه العقوبات في منع إدخال أي مواد غذائية أو مساعدات إنسانية، وهو ما يشير إلى قرب وقوع كوارث بشرية، لا سيما وأن جميع التقارير الحقوقية الصادرة من القطاع المحاصر تحذّر من مدى تدني مستوى المعيشة، والذي هو الأسوأ على الإطلاق منذ الاحتلال الإسرائيلي للقطاع سنة 1967.
ولا بد من التوضيح هنا على أن حالة الحصار المشدّدة المفروضة على قطاع غزة، أنشأت وقائع مأساوية ذات أبعاد كارثية، وبخاصة على قطاعات الصحة والتغذية والتعليم والعون الإنساني، كما أدت إلى شلل تام في المرافق الصناعية والقطاعات الاقتصادية، وتسبّبت في أزمة متفاقمة في سوق العمل الذي كان يعاني في الأصل من معدلات بطالة قياسية هي الأعلى عالمياً.
سجن غزة في سطور
تبلغ مساحة غزة، 363 كم2 (1.3 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية)، وحدودها البرية مع مصر تبلغ 11 كيلومتر ومع الأراضي المحتلة سنة 1948 51 كيلومتر، أما طول الخط الساحلي فيبلغ 40 كيلومتر.
الكثافة السكانية في قطاع غزة هي الأعلى في العالم (26400 شخص في كم2 الواحد). ويعيش معظم سكان غزة وعددهم 1.5 مليون (80 في المائة) تحت خط الفقر – 2 دولار يومياً، نحو سبعين في المائة من أهالي قطاع غزة هم لاجئون يعيشون في تسعة مخيمات.
الأزمة الخانقة في الوقود التي تعاني منها غزة بسبب الحصار، تسببت في توقف خدمات البلديات مما يهدد بكارثة بيئية سوف تحل على قطاع غزة خلال وقت قصير، وتوقف خدمات القطاع الصحي مما يؤثر علي حياة المواطنين، وتوقف خدمات الدفاع المدني، وتحول قطاع غزة إلى مدينة أشباح كبيرة حيث أصبحت الشوارع خالية من المركبات.
كما تسببت أزمة منع إدخال الوقود للقطاع إلى توقف مؤسسات التعليم العالي حيث أعلنت الجامعات عن تعليق الدوام، وشل الحركة التعليمية، وتوقف قطاع النقل التجاري مما سوف يؤثر على نقل المساعدات الإنسانية من المعابر الممنوعة أصلاً.
وأدى ذلك أيضاً إلى توقف 90 في المائة من السيارات الخاصة التي تعمل على البنزين والسولار، وتلوث مياه الشرب في قطاع غزة نتيجة توقف محطات المعالجة عن العمل، وتوقف محطات ضخ مياه الصرف الصحي عن العمل مما يهدد بكارثة بيئية، وأدى إلى توقف المخابز عن توزيع الخبز، وتوقف محطات الغاز عن توزيع الغاز على المنازل نتيجة توقف مركباتهم. كما هدد ذلك الأمن الغذائي لمليون ونصف المليون فلسطيني نتيجة توقف القطاع الزراعي وقطاع الصيد في ظل النقص الشديد في الثروة الحيوانية