قراءة فى نتائج جولة كارتر ولقائه خالد مشعل
رسالة وجهها جلعاد شاليط لذويه، وكشف عن دور سبق أن لعبه كارتر نفسه أقنع “حماس” بالإنخراط فى الإنتخابات التشريعية سنة 2006، ومكاسب جمة حققتها “حماس” جراء اللقاء العلنى مع الرئيس الأميركى الأسبق.
هذه هى أهم نتائج لقاء مشعل ـ كارتر فى العاصمة السورية.
حين نقصر النتائج على الصعيد الحمساوى ـ الإسرائيلى على رسالة شاليط لذويه، فإننا نأخذ بعين الإعتبار أن قيادة “حماس” لم توافق على أى من مقترحات الرئيس الأميركى الأسبق.
فهى رفضت عرضه وقف اطلاق الصواريخ من جانب واحد لمدة ثلاثين يوما بهدف تحفيز اسرائيل على اعلان وقف اطلاق نار مماثل.
ورفضت عرضه اطلاق سراح الجندى الإسرائيلى الأسير مقابل 71 أسيرا فلسطينيا سبق أن وافقت على إطلاق سراحهم من خلال الوساطة المصرية، واصرت على متابعة مصر اتصالاتها مع اسرائيل بشأن القائمة التى تمت صياغتها من قبل “حماس” نفسها.
ورفضت تخليها عن دور لها فى إدارة معبر رفح، إلى جانب ادوار لكل من مصر والرئيس محمود عباس، والإتحاد الأوروبى شريطة أن لا يكون للإتحاد الأوروبى دور مقرر فى فتح المعبر أو اغلاقه، وأن يكون مقر اقامة المراقبين الأوروبيين فى مصر..
ورفضت التقاء مشعل مع ايلى يشاى نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، زعيم حركة شاس الإسرائيلية، ورفضت قبل كل ذلك الإعتراف بإسرائيل.
أى أن “حماس” رفضت النقاط الرئيسة الخمس التى طرحها كارتر عليها، واستجابت فقط لطلب نقله رسالة من الأسير جلعاد شاليط لذويه.
وفى المقابل حققت “حماس” مكاسب غير محدودة..
أولا: تأكيد ثقلها الوازن فى الساحة الفلسطينية من خلال منبر الرئيس الأميركى الأسبق.
ثانيا: كسر طوق العزلة الدبلوماسية والسياسية التى نجح تحالف عباس مع دول الإعتدال العربى فى فرضه عليها.
ثالثا: كسر الحاجز النفسى أمام الحصول على اعتراف رسمى دولى بها يتبع اعتراف شخصيات وازنة بها من عيار كارتر. فضلا عن نفى صفة الإرهاب عن “حماس”.
رابعا: الإعلان على أوسع نطاق عن موقفها السياسى المتعلق بالحل السياسى دون زيادة حرف واحد له، بما يهيئ الظروف أمام تطورات لاحقة على طريق ما هو وارد فى أولا وثانيا وثالثا.
هذا الموقف سبق الإعلان عنه من خلال تصريحات اعلامية متكررة صدرت عن مشعل وموسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسى لحركة “حماس” وغيرهما، غير أن عباس واميركا واسرائيل عملوا على التعتيم عليه. وقد كانت جولة كارتر ولقاؤه قادة “حماس” فرصة لكى يتم الإعلان عن هذا الموقف بشكل جلي، وهو يتمثل في:
1.القبول بإقامة دولة فلسطينية على الأراضى الفلسطينية المحتلة سنة 1967. وهو موقف يعود بالتفاوض الفلسطينى ـ الإسرائيلى إلى المربع الأول الذى انطلقت منه المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل فى مدريد.
2.القبول بدخول منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة اصلاح المنظمة، وهو ما يوفر فرصة مواتية لـ “حماس” كى تشارك فى صياغة قرارات المرجعية المعترف بها دوليا للشعب الفلسطيني.
3.الإعتراف بشرعية الرئيس محمود عباس، فـ “حماس” تلتزم بما يتوصل عباس إليه جراء مفاوضاته مع اسرائيل، فى حالة قبول الشعب الفلسطينى به من خلال استفتاء.
4.القبول بتشكيل حكومة تكنوقراط ووحدة وطنية فلسطينية، وهى بالتأكيد غير حكومة التكنوقراط التى اقترحت على “حماس” فور اعلان نتائج الإنتخابات التشريعية سنة 2007، فتلك كان هدفها عدم مشاركة “حماس” فى الحكم.
خامسا: هنا يجدر لفت النظر إلى أن هذه الموافقة تعنى عمليا إجراء الإنتخابات الرئاسية فى موعدها، مع ما يحمله ذلك من امكانية كبيرة لأن يفوز اسماعيل هنية رئيسا مقبلا للسلطة الفلسطينية، أو مقرب من “حماس” تدعمه فى الوصول لهذا الموقع.
كما تعنى ضمان إجراء الإنتخابات التشريعية لتفوز بها “حماس” مرة أخرى، وفقا لتوقعات استطلاعات الرأى المتكررة، خاصة فى ضوء عملية التفكك المتواصلة التى تعانى منها “فتح”.
وفى المحصلة، فإن لقاء مشعل ـ كارتر غطى خلال الأيام القليلة الماضية، وسيغطى خلال أيام مقبلة، على تحركات سياسية لدول اقليمية، بل وغطى كذلك على تحرك وزيرة خارجية الولايات المتحدة فى المنطقة، وزيارة عباس إلى واشنطن.
إلى كل ذلك، فقد تعاملت “حماس” بذكاء مشهود مع مقترحات وشخص الرئيس الأميركى الأسبق.
لم تكسب “حماس” فقط تفهم المجتمع الدولى لموقفها، لكنها كسبت كذلك تفهم كوادر متقدمة فى حركة “فتح” من طراز قدورة فارس العضو السابق فى المجلس التشريعي، وأحد أقرب المقربين لمروان البرغوثي، والذى يلقى بدوره كذلك “قدورة فارس” تفهما من قبل هذا المجتمع.
غير أن أهم ما تكشف عنه على هامش جولة الرئيس الأميركى الأسبق هو مدى بعد النظر وطول النفس الذى تعمل به “حماس”..!
يكشف أحمد يوسف مستشار اسماعيل هنية رئيس حكومة تسيير الأعمال فى غزة عن أن نصيحة من كارتر هى التى وقفت وراء قبول الحركة خوض الإنتخابات التشريعية سنة 2007..!
هذا يعنى أن الإتصالات مع كارتر، وربما غيره من الشخصيات الأميركية، يعود تاريخها إلى وقت بعيد..!!