الحصول على المعلومات الأمنية عن طريق الاستطلاع
المجد-
لقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب الاستطلاع في غزوة بدر وقام بنفسه وتحصل على معلومات ثرة عن جيش مكة قال ابن إسحاق:( حتى، وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم.
فقال الشيخ لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم إذا أخبرتنا أخبرناك قال: أذاك بذاك؟ قال نعم قال الشيخ بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا فإن صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا للمكان الذي فيه قريش. فلما فرغ من خبره قال ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء ثم انصرف عنه قال يقول الشيخ:(ما من ماء أمن ماء العراق) .
إن المتأمل في عملية الاستطلاع الآنفة يستطيع الخروج بالجوانب الأمنية الآتية:
إخفاء الشخصية
لقد أخفى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشيخ شخصيته بسؤاله عن قريش ومحمد وأصحابه فحسب الشيخ أن السائل طرف ثالث لا هو من قريش ، ولا هو من أصحاب محمد وهذا أمر هام في الحصول على المعلومات ، فإذا علم الشيخ حقيقة أمر السائل ربما كانت النتائج على غير ما آلت إليه. وربما كان ذلك الشيخ عيناً لقريش فينقل تلك المعلومة لقريش مما يكون له أثر على مجريات الأمور ساعتها فلو سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قريش وحسب ، فربما استنتج الشيخ أن سائله من جهة محمد وأصحابه. ولكن بهذا الأسلوب العام غطى الرسول على هويته، ولم يدع للشيخ فرصة لمعرفتها.
استدراج الشيخ للحصول على المعلومة
حينما رفض الشيخ الإجابة عن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم واشترط للإجابة أن يعلم حقيقة سائليه لم ييأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحصول على إجابة من الشيخ بل استدرجه الرسول بذكاء وحول عليه الشرط هو. فقال إن أخبرتنا أخبرناك؟ فطلب من الشيخ أن يخبره أولاً . فتحقق للرسول صلى الله عليه وسلم أراد، وتحصل على مكان الجيش المكي، وهي معلومة في غاية الأهمية بالنسبة للجيش المسلم الذي أصبح على بينة من مكان وجود عدوه.
استخدام التورية
عندما أراد النبي الإجابة عن سؤال الشيخ استخدام أسلوب التورية فاخبره بأنهم من ماء. ولعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الإشارة إلى خلقهم من الماء – المني، وحسبها الشيخ موضعاً في العراق فهذا تصرف أمني في غاية الحكمة فبعد أن حصل النبي صلى الله عليه وسلم على المعلومة التي يريدها، لم يعط الشيخ أي معلومة يمكن أن يستفيد منها العدو إذا ما أدركوا الشيخ.
وقال له النبي صلى الله عليه وسلم من ماء ولم يذكر له أي جهة ، فربما فعل ذلك مخافة أن يذكر له منطقة ما في الجزيرة العربية تكون هي ذات منطقة الشيخ، أو يعرف بعض أهلها، وهنا يدرك الشيخ أن النبي صلى الله عليه وسلم يكذب عليه، فيشك في أمره، مما قد يترتب عليه آثار سلبية. أو ربما حاول الرسول صلى الله عليه وسلم بقدر الإمكان تجنب الكذب الصراح ما دام في الأمر متسع فلجأ إلى التورية على الرغم من إباحة الكذب في مثل هذا الموضع.
سرعة الانصراف
نلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف بسرعة عقب الإجابة عن سؤال الشيخ . وفي ذلك تصرف أمني سليم فلو مكث مع الشيخ ربما يسأله مرة أخرى عن موضع ماء، وبخاصة أن الإجابة أشكلت على الشيخ عقب مغادرة النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول :ما من ماء أمن ماء العراق ؟ وحينها قد يتعقد الأمر أكثر.
كما أن لإطالة الوقوف مع الشيخ تؤدي إلى تأكد الشيخ من معالم وملامح النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه، وبخاصة هو رجل بهذا الذكاء والدراية التامة بالمنطقة ، والتحليل السليم للتحركات ، فإذا لقيه عين أو طليعة من قريش وسألوه عن أوصاف من لقيه لاستطاع أن يصفهما وصفاً دقيقاً يجعل العدو لا يشك أنهما – محمد صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر رضي الله عنه – وحتى يفوت النبي صلى الله عليه وسلم ذاك عجل ّ الانصراف.