تقارير أمنية

رئيس الموساد السابق داني ياتوم مفوض سام غير رسمي في بلغاريا

كتابة : يوري  كوزنيتـسوف 

ترجمة: جورج حداد(كنعان)

المجد-

تمخضت الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في بلغاريا في 5 ـ 7 ـ 2009 عن مفاجآت عديدة. ومن هذه المفاجآت بروز حزب "نظام، شرعية، عدالة" وتجاوزه نسبة الحد الأدنى (4،0%) للدخول إلى البرلمان، حيث نال الحزب نسبة 4،13% وحصل على 9 مقاعد من أصل 240 مقعدا.

ويحيط هذا الحزب نفسه بضجة مصطنعة ومتواصلة، حيث يكثر رئيسه ومسئولوه من الظهور في أجهزة الإعلام اجمع، ومن الاجتماعات واللقاءات العامة. ولفت الحزب النظر إليه:

أولا ـ بادعائه شن حملة على الفساد وملاحقة السياسيين والموظفين الكبار بتهم الرشوة والصفقات المشبوهة وما إلى ذلك.

ثانيا ـ بعلاقاته الخارجية القوية، خصوصا مع الأجهزة الصهيونية.

 

وفي احد الاجتماعات التي عقدتها قيادة الحزب الاشتراكي للبحث في أسباب خسارة الحزب للانتخابات، انبرى رومين فودينيتشاروف، احد قادة الحزب، المعارض لرئيس الحزب الحالي سرغيي ستانيشيف والمرشح للحلول محله، للادعاء بأن الحزب الاشتراكي (الذي كان حاكما حتى الانتخابات) هو الذي اوجد حزب "نظام، شرعية، عدالة" من اجل إضعاف المعارضة. ولكن رئيس الحزب ياني يانيف رد على هذه التهمة، مدعيا أن الحزب تأسس في كانون الأول 2005. وان رومين فودينيتشاروف نفسه سيأتي دوره في المثول أمام القضاء بتهم الفساد.

 

ونرى من الضروري تسليط الضوء على هذا الحزب، لما له من خصوصية، ولا سيما علاقاته الخارجية. ولا يسعنا إلا أن نورد الملاحظات التالية:

 

ـ1ـ   أن السيد ياني يانيف، رئيس الحزب، هو سياسي مغمور لم يكن له "لا طعم ولا رائحة"، وكان عضوا في الحزب الشيوعي البلغاري السابق، الاشتراكي اللاحق (أي حزب رئيس الوزراء الخاسر)، ثم انتقل الى حزب "أتاكا" المعارض، ثم تركه ليشكل حزبه الخاص، الذي نحن بصدده. ولكن ابرز نقطة في السيرة الذاتية للرجل انه كان احد عناصر جهاز المخابرات البلغارية في العهد "الشيوعي!!"، التي كانت على أوثق علاقة بالمخابرات الروسية عهدذاك، والتي أصبحت تقف على "مفترق طرق" بعد ما يسمى "التحول الدمقراطي" في 1989، وخصوصا بعد انضمام بلغاريا إلى الحلف الأطلسي، مما فتح "قناة جديدة" لعمل المخابرات الروسية، والمخابرات الغربية، على الساحة البلغارية. وفي السنتين الأخيرتين، ولا سيما في فترة التحضير للانتخابات الأخيرة، سلطت الأضواء الإعلامية على ياني يانيف، بشكل يحسده عليه أي سياسي مخضرم بارز.

 

ـ2ـ   اخذ حزب "إر، زد، إس" RZS (نظام، شرعية، عدالة) يتصدر واجهة الحياة السياسية في البلاد، بادعاء محاربة الفساد وملاحقة رجال السياسة والموظفين الكبار في الجمارك وغيرها من الإدارات بتهم الفساد وجمع الثروات غير المشروعة، واخذ يقدم الملفات تلو الملفات إلى المدعي العام الرئيسي حول الفساد والفاسدين. وقد تساءل العديد من المراقبين: بصرف النظر عن صحة أو لا صحة تلك الملفات، من أين يأتي هذا الحزب الناشئ بكل تلك الملفات، ومن هي الجهة التي تزوده بها؟ و… أليس الظهور العجائبي لهذا الحزب، وطرح تلك الملفات، هو محاولة من طرف خفي ما، ولكنه طرف قوي، للسيطرة الكاملة أو شبه الكاملة على الحياة السياسية في البلاد؟

 

ـ3 ـ   إن اسم حزب "نظام، شرعية، عدالة"، ونمط نشاطه الاجتماعي ـ السياسي هو قريب جدا الى درجة التقليد لاسم ونمط نشاط الحزب الصهيوني المسمى حزب "العدالة الاجتماعية" لمؤسسه الملياردير أركاديي غايداماك.

 

ـ 4 ـ   في ايار 2009، وبدون مقدمات ملحوظة، ظهر ياني يانيف رئيس حزب "نظام، شرعية، عدالة" في دولة العدو الصهيوني. وجاء في النشرة الالكترونية البلغارية Blog.bg (بتاريخ 16-5-2009) ان ياني يانيف سافر الى اسرائيل للتعرف الى سياسة الدولة (الاسرائيلية) في مكافحة الفساد والجريمة المنظمة. وصرح بأن خبراء في المخابرات المالية "الاسرائيليين" يمكن ان يساعدوا زملاءهم البلغار على هذا الصعيد، بعد تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات. وفي مقابلة بين يانيف ورئيس شعبة مكافحة غسيل الأموال القذرة وتمويل العمليات الإرهابية في دولة العدو الصهيوني ايهودا شافر، صرح الأخير أن المخابرات المالية ينبغي أن تكون مؤسسة مستقلة تماما، وليس كما هي الآن في بلغاريا. وشعبة المخابرات المالية الصهيونية تأسست سنة 2002 وهي تعمل بتعاون وثيق مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وتحضر لديهما بصفة مراقب.

 

ـ5ـ   وفي مجرى الشهر ذاته حط الرحال في بلغاريا الرئيس السابق للموساد الجنرال داني ياتوم، الذي جرت في "عهده" محاولة اغتيال المناضل الفلسطيني  رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية – حماس-  خالد مشعل في الأردن، والذي اضطر لتقديم استقالته بسبب فشل محاولة الاغتيال والأزمة التي نشبت حينذاك بين دولة العدو الصهيوني والأردن. وقد اشتهر الجنرال ياتوم في دولة العدو الصهيوني ، بشكل خاص، بالنشاطات "الخيرية" التي قام بها خلال العدوان على لبنان سنة 2006. وقيل يومها ان الجنرال داني ياتوم جاء الى بلغاريا بناء لدعوة خاصة من ياني يانيف. ومنذ وصوله إلى بلغاريا اخذ الجنرال ياتوم يظهر بشكل شبه يومي في وسائل الإعلام البلغارية (تلفزيون، راديو، صحف) ويقدم المقابلات ويلقي المواعظ عن "الرسالة الحضارية" للموساد و دولة العدو الصهيوني ، وعن مكافحة الفساد والجريمة المنظمة وغسل الأموال القذرة ومنع تهريب السلاح وطبعا… مكافحة الإرهاب. وقال في احد تصاريحه أن الشعب البلغاري ينبغي أن يكافح الفساد، وإلا فإنه … سيخسر دولته. وقد قدم الجنرال نفسه بأنه صاحب شركة أو مؤسسة استشارات، سياسية وقانونية وأمنية، حول مكافحة الفساد والجريمة المنظمة.

 

ـ 6 ـ   وفي البدء اعتقد كثيرون أن الجنرال ياتوم انما يقوم بزيارة "صداقة" الى بلغاريا، وانه لا يلبث أن يعود الى دولة العدو الصهيوني بعد ان يختتم دورة مواعظه ضد الفساد والجريمة المنظمة. ولكن يبدو انه لم تكن هذه حسابات الجنرال وأسياده. ففي أوائل شهر تموز نشرت وسائل الإعلام البلغارية كلها تقريبا أن ياني يانيف، رئيس حزب "نظام، شرعية، عدالة" هو مهدد بالقتل، من قبل الاوليغارشيين الماليين الذين يقوم بفضحهم، وانه جرى إحباط محاولة اغتياله بتفجير سيارته. وانه ـ أي ياني يانيف ـ قام بتكليف مؤسسة الجنرال داني ياتوم، إلى جانب مؤسسة أمنية بلغارية، بالاضطلاع بتأمين حمايته الشخصية وحماية شخصيات أخرى بارزة في حزبه. وتعقيبا على ذلك عبر الجنرال داني ياتوم عن سروره بهذا التكليف، وأكد انه سيستقدم اللوازم اللوجستية التي يقتضيها نظام الحماية … من دولة العدو الصهيوني.

 

وقد تم توقيع اتفاق الحماية مع الجنرال ياتوم، من قبل المجلس السياسي لحزب يانيف. وأفادت المعلومات الصادرة عن الحزب أن اللوازم اللوجستية للحماية التي سيتم استيرادها من دولة العدو الصهيوني ستكون هدية بدون مقابل، بفضل "وساطة" الجنرال ياتوم.

 

ـ7ـ  من المعلوم، لدى المتابعين، أن الجنرال ياتوم هو على علاقة وثيقة برجال المافيا ـ المليارديرية اليهود الروس، المرتبطين خصوصا بتجارة تهريب الماس وتجارة الأسلحة في إفريقيا. وهذه العلاقة بالمافيا المالية "اليهودية ـ الروسية" هي "مسألة فيها نظر"، ويمكن النظر إليها من أكثر من "زاوية نظر" سياسية ومخابراتية، الآن ومستقبلا.

 

ـ 8 ـ  من أهم الشخصيات (المليارديرية) الصهيونية من اليهود الروسيي الأصل، التي هي على علاقة وثيقة بالجنرال داني ياتوم، اثنان هما:

 

أ ـ الملياردير اليهودي الروسي الأصل اركاديي غايداماك مؤسس حزب "العدالة الاجتماعية" في دولة العدو الصهيوني ورئيس مؤتمر المنظمات الدينية اليهودية في روسيا. وهو احد اكبر عمالقة تجارة الماس. وقد اتهم بالمشاركة في فضيحة ما يسمى أنغولاغيت، المتعلقة بالصفقات المشبوهة لتهريب الأسلحة إلى انغولا خلال الحرب الأهلية الطويلة في تلك البلاد. كما سبق ان حققت معه الشرطة الصهيونية بتهمة غسل اموال قذرة. وكان في وقت ما ممنوعا من مغادرة دولة العدو الصهيوني. ويملك غايداماك شركة عقارية في تل ابيب. وقد بدأ مؤخرا في توظيف أموال في بلغاريا، منها في صناعة محروقات الديزل، وكذلك في الحقل العقاري.

 

ب ـ الملياردير اليهودي الروسي الأصل ليف ليفايف (واحيانا يسمى ليفييف)، المعروف بأنه اغنى اغنياء دولة العدو الصهيوني ويسمى ملك تجارة الماس. وقد وجه ليفايف انتقادات الى الحكومات الصهيونية المتعاقبة منذ 1990 بأنها لا تحسن استيعاب اليهود الروس. وقد وقع خلاف بينه وبين مصلحة الضرائب الصهيونية.

وتقول جريدة "الاندبندنت" انه انتقل الى لندن واشترى مسكنا محصنا ضد التفجيرات بقيمة 35 مليون جنيه استرليني. وتقول نشرة mediapool.bg الالكترونية وغيرها من وسائل الإعلام البلغارية ان الشركات الخاصة بليف ليفايف بدأت بشراء أراض وعقارات في مدينة صوفيا وغيرها من المناطق البلغارية، وإقامة مشاريع عقارية، بعضها على شكل أحياء كاملة مغلقة، وهي تعتمد أسلوب البيع المؤجل بالتقسيط.

 

ـ9ـ يقول الكاتب ، ليست اسرائيل جمعية للبر والاحسان. وهذه مسألة لا يختلف عليها اثنان. ولكن حتى لو كانت اسرائيل ـ جدلا ـ جمعية خيرية، فمن هو ياني يانيف حتى تتبرع له اسرائيل باللوازم اللوجستية الضروروية لحمايته وحماية ازلامه الذين هم مجموعة من المرتزقة والمغامرين من امثاله. ان واقعة "تبرع" اسرائيل باللوازم التي يطلبها الجنرال داني ياتوم، بحجة حماية يانيف ورجاله، تبين كذب الجنرال ياتوم وتفضحه، إذ تدل أن الجنرال ياتوم إنما يقوم بمهمة صهيونية "رسمية" في بلغاريا، وان له حسابا "مفتوحا" لتنفيذ هذه المهمة.

 

ـ10ـ كيف يقدم ياني يانيف الجنرال ياتوم ويحدد مهماته؟

في مؤتمر صحفي له يقول ياني يانيف: "إن شخصية في حجم الجنرال داني ياتوم، الذي سبق له العمل في كل أنحاء العالم، لديه الإمكانية أن يختار هو بنفسه مهماته".

 

أي أن داني ياتوم وموساده هم طلقاء الأيدي في العمل كما يشاءون في بلغاريا، بغطاء سياسي وقانوني من قبل حزب "شرعي" بلغاري هو حزب "نظام، شرعية، عدالة".

 

ـ11ـ وكيف يحدد الجنرال داني ياتوم إطار مهماته؟

 

انه، ببساطة كلية، يتصرف كمفوض سام مطلق الصلاحية، بدون أن يبدي الحاجة لان تعترف به الجهات البلغارية المعنية.

 

فخلال الحملة الانتخابية قام بمرافقة احد مرشحي حزب يانيف، المدعو ديميتر ابادجييف، إلى مدينة فارنا السياحية المشهورة على البحر الأسود. وصرح ياتوم أمام الصحفيين "أن البرلمان لا ينبغي أن يكون ملجأ لرجال العصابات". وبسؤاله عن الصفة التي يتكلم بها قال "لست هنا كسياسي، بل كممثل للمجتمع الدولي، الذي يكافح ضد الشر".

 

في الموقع الالكتروني البلغاري http://www.cross-bg.net/، يذكر على لسان الجنرال في احد مقابلاته التلفزيونية ان "كل سياسي ترفع ضده دعوى قضائية، ينبغي أن يقدم استقالته، أو أن يخرج في إجازة". أي انه يضع نصب عينيه "وضع اليد" على الحياة السياسية (وطبعا غير السياسية أيضا) البلغارية، لا أكثر ولا اقل!!!.

 

وهو يضيف: "في الوقت الراهن، حينما أصبح الإرهاب مفهوما عالميا، وحينما تقوم إيران بالحصول على السلاح النووي، فإن الموساد يكتسب أهمية كبرى في التعاون الدولي". وان وكالة المخابرات الصهيونية لها "تعاون مدهش" مع الولايات المتحدة الاميركية، انجلترا، فرنسا، ألمانيا، ايطاليا، اليونان وبلغاريا. وان الإرهاب يمثل تهديدا ثقيلا لسبب إضافي هو أن المنظمات الإرهابية لا تمتلك بنية تحتية منظورة ولا قواعد كبيرة، ولهذا من الصعب جدا الحصول على المعلومات.

 

أي ان الجنرال ياتوم وموساده، وبغطاء حزب "نظام، شرعية، عدالة"، وتحت شعارات مزيفة مثل مكافحة الرشوة والفساد والجريمة المنظمة، سيبدأون، انطلاقا من بلغاريا، بنصب شباكهم لـ"صيد الساحرات" في كل اوروبا الشرقية، وهم يعتقدون أنهم هنا هم في مأمن بحماية الحلف الأطلسي والقاعدة العسكرية الأميركية في مدينة بورغاس البلغارية، بعيدا عن خطر "العدو الدائم" روسيا.

 

ـ12ـ ان الجنرال داني ياتوم، وان كان ظاهريا خارج الوظيفة، الا انه شخصية سياسية وأمنية بارزة، وهو يسمح لنفسه بأن يدلي بالتصريحات ويمارس من النشاطات على الأرض البلغارية، مما يعتبر ـ بكل المقاييس والأعراف الدولية ـ تدخلا فظا في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة هي الجمهورية البلغارية. ورغم ذلك، مما يلفت النظر جدا، انه لا السلطات المعنية البلغارية، ولا الأحزاب والقوى السياسية البلغارية الرئيسية تعترض على هذا التدخل الصهيونية المكشوف في الشؤون الداخلية لبلغاريا. ويمكن أن نستنتج من ذلك احد أمرين، أو كلاهما معا:

 

أولا ـ أن هناك قوة كبرى، أو أكثر، على علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالحضور الميمون للجنرال داني ياتوم في بلغاريا. والدولة والأحزاب والقوى السياسية البلغارية لا تريد الاصطدام بهذه أو تلك من القوى الكبرى المعنية.

 

ثانيا ـ ان دور داني ياطوم في بلغاريا متعدد الاحتمالات، وكل طرف خارجي او داخلي، على علاقة مباشرة او غير مباشرة به وبنشاطه، يستفيد الآن، أو سيستفيد لاحقا من هذا النشاط. ولهذا يتم "التغاضي" ولو مرحليا عن هذا النشاط المرشح للتزايد في المستقبل المنظور.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى