وكالة الأمن القومي الأمريكي NSA تتنصت على أحاديث العالم!
المجد_
هل فكرتَ وأنت تجري مكالمة هاتفية أو ترسل رسالة بالفاكس أو عبر الإنترنت أن هناك أجهزة على بُعد آلاف الكيلومترات تلتقط كلماتك وتسجلها؟ وأن هناك جيوشاً من آلاف الموظفين تنتظر هذه الكلمات على مدار الساعة لتحلل وتقرر؟ قد تقول : ما قيمة كلماتي حتى ينشغل بها الآخرون؟ وقد يظن البعض أنه أصبح "الرجــل المهم" الذي تتبعه أجهزة التنصت الدولية. والأمر بالتأكيد ليس على هذا النحو أو ذاك، ولكن وكالة الأمن القومي الأمريكي قررت أن تقوم بدور الأذن الكبيرة التي تتنصت على العالم أجمع. النشاط التجسسي لـNSA تضمه 100 مليون وثيقة كل عام و40 طناً من الوثائق يتم التخلص منها كل يوم. الأذن الكبيرة الذي يستحق أن يسمى به أخطر جهاز أمني في الولايات المتحدة وأكثرها سرية، وهو (وكالة الأمن القومي NSA) ووظيفته القيام بالتنصت على جميع المحادثات والمخابرات والاتصالات بين جميع الدول والمؤسسات، عدد العاملين في هذا الجهاز كان عام 1975م مائة وعشرين ألفاً، أما الآن فلا أحد يعرف عددهم، وإن كان من المؤكد أن العدد قد تضاعف ربما أكثر من مرة، ولكي يأخذ القارئ فكرة تقريبية عن مدى أهمية هذا الجهاز، نقول إنه يأخذ 80% من الميزانية التي تخصصها الولايات المتحدة الأمريكية لمختلف أنشطتها الاستخبارية والتي تقدر بـ27 مليار من الدولارات. وكمثال على ما يقوم به هذا الجهاز فقد تبيَّن أنه كان يتنصت على الأميرة ديانا التي قتلت في حادثة سيارة سنة 1997م في باريس، وأنه يملك أرشيفاً حول محادثاتها ومكالماتها واتصالاتها مؤلفة من 1056صفحة وتحوي معلومات في غاية السرية والشخصية، وذكرت صحيفتا (Miror The) و(Record Daily The) البريطانيتان أن هذا الجهاز الاستخباري تنصت على جميع مكالمات الأميرة مدة سنوات عديدة وحتى وفاتها، ولم تظهر هذه الحقيقة للملأ إلا بعد تقدم وكالة لأنباء الإنترنت ـ تعمل في مدينة نيويورك ـ بطلب رسمي ل(NSA) حول تزويدها بملف ديانا كاملاً، استناداً إلى قانون أمريكي حول حرية الحصول على المعلومـــات. قامت الوكالة بدراسة الطلب وخلصت إلى نتيجة مفادها أن إجابة مثل هذا الطلب ستضر بأمن وبمصالح الولايات المتحدة ضرراً بالغاً، لذا قامت برد الطلب، ولكنها اعترفت رسمياً في جواب الرد بوجود الملف وأنه مؤلف من 1056 صفحة. وذكر أحد المسئولين في هذه الوكالة أن ديانا لم تكن هدفاً مقصوداً للوكالة، وأن هذه المعلومات تجمعت لديها بشكل عرضي وغير مقصود، فماذا لو كانت الأميرة هدفاً مقصوداً فما عدد الصفحات التي كان الملف سيبلغه آنذاك؟! ولكي نعطي بعض المعلومات المختصرة عن هذا الجهاز الأمني علينا أن نرجع إلى الوراء قليلاً: حيث يوجد في الولايات المتحدة ثلاثة أجهزة للمخابرات تقوم بعملية التنصت داخل الولايات المتحدة وخارجها وهي: وكالة الأمن القومي (NSA)، ومكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI)، والمخابرات المركزية الأمريكية CIA، ولكن أكبر هذه الأجهزة في موضوع التنصت هو (NSA) دون شك.
تم تشكيل هذا الجهاز الأمني في 24- 10- 1952م بأمر من هاري ترومان ـ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك، ولم يعرف بأمر تشكيل هذا الجهاز لا الرأي العام الأمريكي ولا حتى الكونجرس، وكانت تعليمات الرئيس هي قيام هذا الجهاز بالتنصت على نطاق عالمي. قام الجهاز في بداية الأمر بالتنصت على المخابرات التي تتم بالشفرات بين الدبلوماسيين، وكذلك بين الضباط من الرتب العالية في جميع أنحاء العالم، ثم شمل نشاط التنصت جميع المخابرات والاتصالات الجارية في العالم (سواء أكانت بالهاتف الاعتيادي أم بالهاتف النقال أم بالفاكس أم بالبريد الإلكتروني، أم بالإنترنت)، ولاسيما للأشخاص المهمين من رؤساء الدول والحكومات، والوزراء، والضباط، ورؤساء الأحزاب، ورجال الأعمال المهمين… إلخ، وهو يستخدم في هذا السبيل محطات التنصت المبثوثة في جميع أنحاء العالم (في القواعد والمطارات العسكرية، وفي السفن الحربية، والغواصات، والطائرات العسكرية، والأقمار الصناعية).بعد مدة قصيرة من تشكيل (NSA) عام 1952م صدر تعميم سري يحدد مجال عمل وحدود نشاط كل من: (NSA) و(CIA) لكي لا يكون هناك أي تصادم أو تداخل بينهما، وبعد عام واحد جرى الشيء نفسه بين (CIA) وبين (FBI)، حيث سمح لـ(CIA) باستعمال الأجهزة الإلكترونية للتنصت بشرط عدم التصادم مع نشاط (FBI).وبعد أن قام ترومان بإصدار تعليمات أعطت الـ(FBI) صلاحية التنصت على أي شخص فيما يتعلق بأمن البلد دون أخذ إذن من أحد أو من أي جهة، سرعان ما أدى استعمال هذه الصلاحية الواسعة إلى مشكلات كبيرة، كما استغلت استغلالاً سيئاً في العهد (المكارثي) ضد العديد من المثقفين والكتَّاب والفنانين، الذين اتهموا بمساعدة الشيوعية، كما استغلت ضد معارضي حرب فيتنام، لذا قامت المحكمة العليا الأمريكية عام 1972م بإصدار قرار أبطلت بموجبه هذه الصلاحية، ومنعت التنصت دون إذن من المحكمة ـ على أي مواطن أمريكي ليست له علاقة مع القوى الخارجية.
ولكن هذا القرار لم يستطع أن يكون سداً ومانعاً لعمليات التنصت، فقد تبين عام 1973م أنه تم التنصت على ستمائة مواطن أمريكي، وعلى ستة آلاف أجنبي يعيشون في الولايات المتحدة، وكان ضمن هذه المكالمات المسجلة مكالمات للسيناتور روبرت كندي ـ الذي قُتِل عام 1988م مع سوم جينكانا، وكان من أكبر رؤساء المافيا آنذاك.تنصت حتى على الدول الحليفة ومع أن الجهاز الأمني أو الوكالة الأمنية تتعاون مع وكالات مشابهة لها في إنجلترا، وكندا، ونيوزيلندا، وأستراليا ضمن نظام استخباري ضخم يُدعى (Echelon) إلا أن نشاطها وفاعلياتها لم تقتصر على التنصت على الاتحاد السوفييتي ودول حلف (وارسو)، بل تبين في عام 1960م أنها تنصتت على محادثات ومكالمات دول صديقة مثل فرنسا وإيطاليا.ولم ينكشف بعض فعاليات هذه الوكالة في الولايات المتحدة إلا عام 1975م عندما اعترف رئيس هذه الوكالة الجنرال (لوي آلن) أمام لجنة في الكونجرس بأنهم قاموا خلال أعوام 1967م ـ 1973م بالتنصت على مخابرات الآلاف من المواطنين الأمريكيين، كما أورد الكاتب الأمريكي جيمس بامفورد حقائق مثيرة عن الوكالة في كتابه المعنون (قصر اللغز Puzzle Palace)، حيث ذكر قيام الوكالة بالتنصت على المكالمات الشفرية للسياسيين والعسكريين، وقال: إن معدل الوثائق التي تصل إلى هذه الوكالة نتيجة نشاطها التجسسي يتراوح بين (50 ـ 100) مليون وثيقة كل عام، وأنه يتم حرق 40 طناً من الوثائق السرية يومياً، وأنها تقوم بواسطة الكومبيوترات الضخمة بحل الشفرات، وبمراقبة الأرقام التجسسية، وبالتنصت على رؤساء الدول، ورؤساء الوزراء، والوزراء، ورؤساء الأركان للدول الأخرى، وأن عدد المكالمات التي تسجلها يتجاوز الملايين.وفي عام 1957م أي في أواخر حكم إيزنهاور بدأت لأول مرة عمليات التنصت والتجسس بواسطة الغواصات التي جُهزت بالأجهزة الإلكترونية المعقدة التي تستطيع تسجيل المكالمات والإشارات اللاسلكية، وأخذ الصور الدقيقة للأهداف الأرضية، وكان أهم إنجاز حققته هذه الأجهزة الموضوعة في الغواصات هو الحصول على الإشارات التي تطلقها العقول الإلكترونية الروسية قبل أو أثناء إطلاق الصواريخ، أي تم التوصل إلى إمكان متابعة مراحل إطلاق الصواريخ وتعيين مسارها، ومواضع أهدافها، فوصلت بذلك إلى إمكان التدخل في مراحل هذه العمليات، وهناك احتمال كبير بأن السفن والغواصات الأمريكية لا تزال تقوم بهذه المهمة. وعندما أرسلت الولايات المتحدة أول قمر صناعي للتنصت في نهاية عام 1976م زادت قدرة وإمكانات وكالة (NSA) في عمليات التنصت على جميع الأجهزة السلكية واللاسلكية للاتحاد السوفييتي، وبلدان أوروبا الشرقية، أما في التسعينيات فقد بلغ عدد الأقمار عدة مئات. وهذه الزيادة في عدد الأقمار التجسسية كان ضرورياً لمواكبة الزيادة الكبيرة، بل الانفجار في عدد الهواتف ووسائل الاتصال الحديثة، ففي عام 1987م كان عدد الهواتف الموجودة في العالم كله يبلغ 447 مليون هاتف، ولكن هذا العدد طفر في تسع سنوات فقط إلى 741 مليون هاتف، هذا عدا وسائل الاتصالات الأخرى، وبلغ مجموع المكالمات الهاتفية بين الولايات المتحدة وكندا وحدها في عام 1996م رقماً خيالياً وهو خمس مليارات ومائة وسبعة ملايين دقيقة، والخط الثاني من ناحية كثافة الاتصالات الهاتفية هو خط (الصين ـ وهونج كونج)، إذ بلغ مليارين وسبعمائة وستةً وخمسين مليون دقيقة. نشاطات CIA وبينما يتركز نشاط وكالة (NSA) على التنصت الإلكتروني نرى أن وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) إضافة إلى قيامها بالتنصت ولكن دون نشاط (NSA) بكثير تقوم بنشاطات وفاعليات تجسسية تعتمد على الأفراد، لذا يتم تدريب الجواسيس عندها على جميع الأنشطة التجسسية من أخذ الصور، وعمليات التزوير (تزوير التواقيع والأختام.. إلخ)، وفتح الرسائل، والكتابة بالحبر السري.. إلخ، ولكن أهم نشاط لها وأهم مصدر للمعلومات عندها هو التسلل إلى مخابرات الدول الأخرى، وتصيد عملاء لها من بين أفراد تلك المخابرات، كما تقوم بتبادل المعلومات الاستخبارية مع الدول الصديقـة. لكن أهم درس تلقته هذه الوكالة في عدم الاعتماد على معلومات المخابرات الصديقة كان في موضوع الثورة الإيرانية، إذ اعتمدت على المعلومات والتقييمات الآتية إليها من المخابرات الإيرانية "سافاك"، وكانت تقلل كثيراً من دور "الخميني" وتستبعد منه القيام بأي حركة مؤثرة وتصوره رجلاً هرماً ضعيفاً لا يستطيع القيام بقيادة أي حركة قوية ومؤثرة ضد نظام الشاه.. وكان هذا درساً قاسياً لها.
يتيع ….