اتفاق الرف.. بلا مضمون
عمل أولمرت مستمد من عصر صحافة التسلية
اتفاق الرف.. بلا مضمون
عوزي بنزيمان
وزير الخارجية ايهود باراك وعد في هذا الاسبوع أن تدفع حماس ثمناً باهظاً في الوقت الملائم علي عدوانيتها. قبل عامين وعد رئيس الوزراء المنتخب ايهود اولمرت بأن تكون اسرائيل دولة يطيب العيش فيها ؛ خلال حرب لبنان الثانية وعدت الحكومة الشعب بأن الجبهة الداخلية قوية وراسخة؛ وفي مقابلات العيد الاخيرة وعدنا اولمرت بأن ايران لن تكون نووية ابداً ؛ المساعي السياسية والامنية التي تبذلها الحكومة في هذه الايام ترمي الي ضمان التوصل الي تهدئة في الجنوب في الشهر القادم، حتي تمر احتفالات الاستقلال وخصوصاً زيارة الرئيس بوش من دون تشويشات وذروة هذا النهج ـ اسرائيل تجري مفاوضات مع السلطة الفلسطينية للتوصل الي اتفاق رف لا تنوي من البداية تنفيذه.
نمط العمل الذي اختاره اولمرت لادارة شؤون الدولة مستمد من عالم الفكاهة والتسلية الذي نراه في الثقافة الاعلامية السائدة؛ هو يتخيل الواقع وينتج حلولا وهمية لضائقة حقيقية. الدولة في لعبة تلفزيونية. المشاكل الحقيقية لا تحل وانما يتم علاجها . يتحدثون عنها ويركزون عليها ويجرون الحوار من حولها. بهذه الطريقة تبدو الحكومة نوعاً من الوهم وتثير تصوراً بأنها تتحرك بجدية للاستجابة لمعضلات الدولة. ولكن علي ارض الواقع هي تنتج خطوات وتحركات خداعة لا تعلو كونها ذراً للرماد في العيون وتطلق فقاعات مضللة في الهواء.
اتفاق الرف هو نموذج صارخ يجسد هذه الظاهرة حيث لا يعتقد رئيس الوزراء وحكومته من البداية بحقيقة هذه الوثيقة التي يتداولون حولها مع السلطة الفلسطينية. هذه الجهود دبلوماسية شكلية فقط وتدور حول نوع من الخطة الرئيسية التي ستستمد منها في موعد غير محدد تسوية عملية بين الجانبين.
من المفترض ان يحل الاتفاق كل النقاط الخلافية بين اسرائيل والفلسطينيين ومن بينها مسار الحدود والسيطرة في القدس وحق العودة والترتيبات الامنية. هذا تحد هائل وملائم شريطة ان تكون هناك نية جدية لتطبيقه. ولكن المزاج في الجانب الاسرائيلي علي الاقل هو مزاج تسلية فكرية لا اكثر، شيء أشبه بروحية هيا بنا نري ان كنا قادرين علي التوصل الي تفاهمات . افتراض قادة الدولة الاساسي هو انه لا توجد اي فرصة لتطبيق الوثيقة التي تتم بلورتها الان. السبب الاساسي من وراء ذلك حسب اعتقادهم ضعف حكومة محمود عباس وهيمنة حماس علي الشارع الفلسطيني.
المراقبون الاخرون سيدعون ان هناك عظمة في حلق اسرائيل الامر الذي يضعف قدرتها علي اتباع التسويات المطلوبة للتوصل الي اتفاق ناهيك عن تنفيذه علي ارض الواقع ـ ولكن اولمرت ماهر في كبت مواقف شاس اليمينية.
الحكومة تجري الان عملية سياسية بالغمز واللمز: هي تعرف ان هذه التسوية لا تملك فرصة حقيقية وعملية (باستثناء ورقة مبلورة في احس الاحوال)، هي تواصل الحفاظ علي هذه العملية باعتبار ذلك اهون الامرين؛ بدلاً من رفع يديها والتنازل عن مبدأ الحوار مع السلطة الفلسطينية يفضل ان تلعب لعبة مسرحية وتثير الانطباع بأن هناك حوارا يجري. القادة الاسرائيليون يقولون لانفسهم: ان لم يجد ذلك فلن يضر. وفي هذه الاثناء يؤجلون النهاية ويؤخرون قدوم لحظة الحقيقة ويكسبون اسبوعاً آخر وشهراً من حكم بدون مواجهة مباشرة مع ابو مازن واتباعه.
للفلسطينيين اسبابهم الخاصة لقبول قوانين اللعبة هذه. اولمرت يوضح لنفسه وللجمهور ان الوثيقة قيد البحث ان تم الاتفاق عليها فعلاً ستكرس في نظر العالم مبدأ الدولتين وتبعد بذلك الميل الآخذ في التعزز في الاسرة الدولية باقامة دولة ثنائية القومية فوق ارض اسرائيل كلها. هذا طبعاً هدف ملائم جداً وهو موجود في اساس تصور الكثيرين في اسرائيل الذين يعتقدون ان الانسحاب من المناطق يأتي لضمان الحفاظ علي طابع الدولة الصهيوني.
بكلمات اخري مفتاح ضمان شخصية اسرائيل وصورتها كبيت وطني للشعب اليهودي يكمن في قدرة قيادتها علي التحلي بالشجاعة ومواجهة المعسكر الرافض للانسحاب من يهودا والسامرة. بعد ان تنجح في هذا المحك ستحين لحظة الاتفاق مع الفلسطينيين.