رؤية «حماس»
هل يجوز وصف حركة «حماس» بأنها غير واقعية من حيث رؤيتها السياسية.. وأنها بالتالي تفتقر إلى المرونة التي يمكن أن تفضي إلى تسوية سلمية عادلة للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي؟
ليس سراً أن الهدف الاستراتيجي الأعظم لحركة حماس على المدى المستقبلي البعيد ـ غير المرئي حالياً ـ هو تحرير أراضي «فلسطين التاريخية» من البحر إلى النهر.. بما في ذلك الأرض الفلسطينية المقامة عليها الدولة اليهودية الإسرائيلية التي ستحتفل الأمة اليهودية بذكراها الستين خلال أقل من أسبوعين. فهل هو هدف رومانسي خيالي يدخل احتمال تحقيقه في باب المستحيل؟
السؤال المطروح قديم. لكن ما يبرر إعادة طرحه هذه الأيام ما أعلن عن صيغة لتسوية النزاع المصيري أبلغتها قيادة الحركة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر خلال محادثاته في دمشق مع رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، وهذه الصيغة يمكن تلخيصها كما يلي: قيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، وأن يكون لها سيادة وطنية حقيقية، وأن تكون القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وإخلاء المستوطنات اليهودية بالكامل من أرض الدولة الفلسطينية، ضمان حق العودة بالكامل للاجئين الفلسطينيين.
لكن وفقا لهذه الصيغة لن تعترف حماس إطلاقاً بإسرائيل. وكبديل عن الاعتراف عرضت الحركة ـ هدنة مع الدولة اليهودية لمدى عشر سنوات. منتقدو حماس ـ بمن فيهم غالبية الدولة العربية وقيادة فصيل فتح المتمثل في السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن يعتبرون أن الحركة تقدم شروطا تعجيزية من المستحيل أن تقبل إسرائيل مبدأ التفاوض حولها. ومن ثم يرى المنتقدون أن يتوخى قادة حماس «الواقعية» فيعترفوا أولاً بإسرائيل كدولة شرعية ذات سيادة باعتبار أن الدولة اليهودية باتت بعد انسلاخ ستة عقود زمنية أمرا واقعا ليس من الممكن القفز عليه، هل هو انتقاد مصيب؟.
المنتقدون يتناسون ثوابت الرؤية الإسرائيلية المبنية على فكرة «أرض الميعاد» كوعد إلهي للأمة اليهودية، وليس هذا تنظيراً متبطلا. فالحقائق على أرض الضفة الغربية تشرح نفسها بنفسها: جدار فاصل يأكل نحول 60 في المئة من الأرض على هيئة استيطان يهودي مع تهويد بالكامل للقدس على أساس أنها العاصمة الأبدية الموحدة، للدولة الإسرائيلية الموسعة.
فكل ذلك على طريق إنفاذ متطلبات عقيدة دينية يعتبر من خلالها أن «يهودا والسامرا» ليست أرضا واقعة تحت احتلال وإنما هي أرض «محررة» تطبيقا للوعد الإلهي. تأسيساً على ذلك فإن أي مسعي فلسطيني أو عربي للتفاوض مع إسرائيل محكوم عليه بالفشل الحتمي سلفا.