كيم فيلبي الجاسوس الذي خان أجيالاً … (2 – 2)
المجد-
هارولد أوهاري إيفانز رئيس التحرير السابق لصحيفة “الصنداي تايمز” يعتبر من أبرز الصحافيين البريطانيين الذين أصبحوا أعلاماً لامعة. وبالرغم من أنه استقر في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أوائل الثمانينات من القرن العشرين، إلا أنه لا يزال يمثل مدرسة صحافية كبيرة تعتمد على التحقيقات الصحافية والحملات الاعلامية المثيرة للاهتمام، وقام أخيراً بنشر مذكراته عن عمله الصحافي اللامع والذي شهد انتقاله من رئاسة تحرير صحيفة إقليمية مغمورة في شمال شرقي انجلترا، لكي يتولى رئاسة أكبر الصحف البريطانية الأسبوعية، وذلك إلى حين اختلافه مع مالك المطبوعة الجديد روبرت ميردوخ وهجرته إلى أمريكا. وكانت “الصنداي تايمز” تحت رئاسة إيفانز قد كشفت عن فضائح مثيرة سواء على المستوى السياسي مثل قصة هروب الجاسوس المزدوج كيم فيلبي الذي يمثّل الآن رمزاً من رموز الحرب الباردة والصراع السياسي والاستخباراتي بين المعسكر الغربي والدول الشيوعية السابقة بزعامة الاتحاد السوفييتي.
بدأت رحلة هاري ايفانز في مدينة مانشستر بشمالي انجلترا حيث عمل في صحيفة محلية بارزة هناك وامتدت بعد ذلك إلى لندن لرئاسة تحرير “الصنداي تايمز” و”التايمز” لفترة قصيرة، وبعدها استقر الصحافي المخضرم في نيويورك وواشنطن حيث اصبح مدرسة اعلامية شامخة ولكن المؤلف يركز في هذا الجزء الخاص بهروب فيلبي إلى موسكو في “رحلة الخيانة” في خضم فترة الحرب الباردة وسعى كل طرف فيها على تحقيق مكاسب إلى حساب الطرف الآخر، فقد كانت صدمة لندن عنيفة جداً بعد خيانة فيلبي وخاصة انه يشغل مثل هذا المنصب الحساس، فقد كانت المفارقة انه كان مسؤولاً عن مكافحة الشيوعية، بينما كان هو في قرارة نفسه من أنصار هذا النظام الذي قمع الحريات الفردية واصاب الناس بالفقر برغم المثاليات التي احاط نفسه بها.
ومن المؤكد ان كتاب ايفانز الحافل بذكرياته عن هذه الخبطات الصحافية المثيرة بما فيها هروب فيلبي يعكس لنا في حقيقة الأمر المدرسة القديمة الكلاسيكية في الصحافة خلال القرن العشرين التي كانت تعتمد على الأمانة والتصميم والدقة والموضوعية. وعلى الرغم من اننا الآن في عصر الكمبيوتر وثورة المعلومات نعيش في ظل 24 ساعة من السيل الاعلامي، إلا ان هذه المبادئ القديمة لا تزال هي الهادية امام اجيال الصحافيين الجدد.
ويروي ايفانز في هذا السياق كيف كان فريق التحقيقات الصحافية الذي يعمل بتشجيع ووحي منه في “الصنداي تايمز” يشعر بالاحباط لفترة طويلة لأنه كان يواجه عملية تعتيم منظمة من قبل المؤسسة الحاكمة في بريطانيا إزاء الكشف عن حقائق قصة هروب فيلبي وكانت اسئلة عديدة تحيط بهذه القضية ومن بينها كما يشير المؤلف: “هل كان فيلبي محل ثقة كبيرة من وزارة الخارجية البريطانية بحيث انها لم تكتشف خلال خدمته في واشنطن في عام 1949 وذلك تحت ساتر السكرتير الأول في السفارة البريطانية هناك، ان بعض تصرفاته كانت مثيرة للشبهات؟
وعلاوة على ذلك فإن تكهنات عديدة كانت قد ثارت حول دوره في هرو بيرجيس وماكلين قبلة إلى الاتحاد السوفييتي، وكان العميلان كما اوضح ايفانز في الفصل السابق من الدبلوماسيين البارزين الذين عملوا ايضاً في واشنطن، وانطلاقاً من روح المغامرة الصحافية ومتابعة هذه الازمة الخطيرة أوفد ايفانز اثنين من المندوبين الصحافيين في الجريدة الاسبوعية إلى واشنطن وكان أحد هذين المندوبين هو فيل نايتلي الذي قام باتصالات مع وكالة الاستخبارات المركزية لمتابعة خيوط هذه القضية.
ويقول ايفانز إن الوكالة كانت معجبة للغاية بأساليب العمل السري البريطاني خاصة الدور الذي يضطلع به جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية المعروفة باسم (M16) وكان هذا الجهاز قد لعب دوراً رئيسياً في فك شفرة الألمان الحربية خلال الحرب العالمية الثانية، ما اسهم في هزيمة النازي الساحقة.
وأبلغ مسؤول كبير في الوكالة الأمريكية نايتلي انه كان يعرف جيدا كيم فيلبي.
اختراق المخابرات الأمريكية
وألقى المسؤول الاستخباراتي الأمريكي “قنبلة كلامية كبيرة” على مسامع هذا الصحافي المتحمس في “الصنداي تايمز” وهي ان فيلبي كان يعمل كضابط اتصال بريطاني مع كل من وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ويوضح المؤلف ان هذا السر كان مثيراً للغاية بحيث يضفي بعداً درامياً كبيراً على هروب فيلبي. فقد كان معناه أنه خلال ثلاثة أعوام من فترة الحرب الباردة فإن فيلبي كان في بؤرة عمليات الاستخبارات الغربية ضد السوفييت. وكانت الخطورة تتمثل ايضاً في أن فيلبي كان قد تمكن من اختراق جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية وبعدها نجح ايضاً في اختراق وكالة الاستخبارات المركزية في أمريكا!! وتبين أيضاً ان مدير الوكالة ولتربيديل قد أعطى فيلبي الضوء الأخضر لمعرفة تفاصيل ما يدور في الوكالة على كل المستويات.
ويشير ايفانز إلى أن هذا كان معناه ايضاً ان فيلبي كان بوسعه ان يلم بكافة العمليات السرية الامريكية باستثناء ما يعرفه المدير العام لهذه الوكالة شخصياً. وكانت الخطورة التي نبه اليها ايفانز في هذا المجال انه من المؤكد ان فيلبي ومن قبله بقية هذه الشبكة من العملاء المزودجين قد تمكنوا من كشف وثائق وأسرار عسكرية وسياسية حساسة للروس وجهاز “الكي.جي.بي”.
واتضح ايضاً ان ماكلين كان عضواً في لجنة سياسية مشتركة أمريكية بريطانية تتولى مسؤوليات خاصة بالشؤون المتعلقة بالسلاح النووي الغربي ولهذا فإن ايفانز ويشاركه في ذلك خبراء عديدون كانوا يعتقدون أن فيلبي وزميليه السابقين كانوا يمثلون اكبر شبكات التجسس نجاحاً في التاريخ.
ولكن ايفانز كان يواجه عقبات شديدة في محاولته كشف تفاصيل قصة هروب فيلبي وتداعياتها الخطيرة سياسياً واستخباراتياً، فقد كانت هناك معارضة شديدة من رئيس التحرير العام للتايمز، وهو دينس هاملتون بالنسبة للخوض في هذه الأزمة الكبيرة، فقد كان يرى ان ذلك سيصب في النهاية في مصلحة السوفييت وكذلك سيعرض للخطر عملاء جهاز الاستخبارات البريطانية في الخارج وتوجه هاملتون لمقابلة رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت هارولد ويلسون، وحضر اللقاء ايضاً السير ديك هوايت مدير جهاز الاستخبارات الخارجية في بريطانيا، ووافق هاملتون على ان تقوم “الصنداي تايمز” بعرض كل مقالة عن فيلبي قبل نشرها وذلك لتفادي الكشف عن أسرار قد تضر بأمن البلاد. ولكن المشكلة هي ان هاملتون لم يكن قد ابلغ فريق التحقيقات الصحافية الذي كان ايفانز قد كلفه بمتابعة خيوط هروب فيلبي بذلك، ولكن الصحيفة واصلت مع ذلك نشر تفاصيل قصة شبكة الجواسيس البريطانية العاملة في خدمة الاتحاد السوفييتي للمرة الأولى في التاريخ.
وكانت أخطر هذه الأسرار ان فيلبي بالذات حاول تقويض الأمن الغربي على نحو مستمر وبلا هوادة، وبالتالي فقد علم الرأي العام على نحو مثير للصدمة أن كل عمليات التجسس البريطانية ضد السوفييت كان محكوماً عليها بالفشل التام بسبب اطلاع فيلبي للسوفييت على كل تفاصيلها مسبقاً.
وعلاوة على ذلك فإن تعيين فيلبي في عام 1949 كضابط اتصال بين الاستخبارات البريطانية ووكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي كان قد جعله يقف على كل الخطط التي تدبرها الوكالة ضد موسكو وكذلك ابلاغه للسوفييت بأسماء الجواسيس الأمريكيين والبريطانيين.
تهريب الجواسيس
ومن بين المفارقات الأخرى المثيرة في هذه الأزمة أن خبراء شؤون الاستخبارات الغربيين كانوا يعتقدون انه إذا لم تكن خيانة فيلبي قد انكشفت ولم يهرب إلى موسكو فإنه كان في الوقت المناسب سيتولى منصب مدير جهاز الاستخبارات البريطانية في الخارج، وكان هذا لو حدث سيلحق ضربة قاصمة بالعمليات الاستخباراتية البريطانية والغربية في دول المعسكر الشيوعي. وكان فيلبي قد اطلع أيضاً بحكم عمله على سيل البرقيات المتواصلة بين القنصلية الوطنية في نيويورك ومع كبار المسؤولين في موسكو وكان عملاء التجسس البريطانيين والأمريكيين قد تمكنوا من اختراق شفرة هذه الاتصالات، وفي اوائل عام 1951 ادرك فيلبي من خلال اطلاعه على هذه البرقيات أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان على وشك ان يكشف سر ماكلين زميله السابق باعتباره جاسوساً مزدوجاً، وكانت الطامة الكبرى هي ان ماكلين كان يشغل وقتها منصب رئيس الإدارة الأمريكية في وزارة الخارجية البريطانية، ويشير المؤلف إلى ان جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية كان يخطط للتحقيق في أنشطة ماكلين بعد هذه الشكوك الامريكية حول نواياه الشريرة.
ومن بين الأسرار الأخرى التي تكشفت لنا في هذا الصدد ان فيلبي أوفد زميله الآخر بيرجيس من واشنطن إلى لندن لكي يقوم بترتيب عملية هروب ماكلين وذلك لأنه كان يخشى من أن الاخير قد بدأ ينكشف كعميل مزدوج.
ولكن الرياح لم تأت بما تشتهي السفن، كما يقولون فقد وقعت بعد ذلك سلسلة من الكوابيس. وقد اعترف فيلبي في حديث بعد ذلك مع “الصنداي تايمز” في عام 1988 عن هذه الفترة المثيرة ودوره فيها.
فقد كان من المفترض ان يرافق بيرجيس ماكلين خلال رحلته عبر بحر الشمال (المانش) في طريقه إلى فرنسا وذلك تحسباً لامكانية تراجعه عن الهروب في اللحظة الأخيرة. وبدلاً من ذلك فإن بيرجيس توجه هو نفسه في مايو/ آيار عام 1951 إلى موسكو. وهرب الرجلان “بلا عودة” وسط دهشة واستياء المسؤولين في بريطانيا وأمريكا. وسلطت الأضواء بعد ذلك على فيلبي حيث كان يقوم على عكس تعليمات الاستخبارات السوفييتية بمشاركة بيرجيس في الاقامة في منزل واحد في واشنطن، وهكذا حامت حول فيلبي هذه الشكوك الكبيرة، وفعلاً صدرت الأوامر باستدعائه على الفور من عمله في واشنطن وتعرض لما يشبه المحاكمة الداخلية من قبل جهاز الاستخبارات الداخلية في بريطانيا، ولكن لم يثبت ارتكابه أي مخالفات ومع ذلك تم فصله من عمله. وبعد ذلك تمكن فيلبي من الحصول على وظيفة أخرى حساسة وهي العمل كمراسل لكل من صحيفة “الأوبزرفر” ومجلة “الايكونومست” البريطانيتين، وواصل فيلبي اتصالاته مع اصدقائه في جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية، ولكن صلاته مع الاستخبارات السوفييتية توقفت ظاهرياً.
ولكن التطور الجديد بعد ذلك كان حصول الاستخبارات البريطانية فجأة على أدلة دامغة حول عمالة وخيانة فيلبي. وبالتالي أوفدت الاستخبارات البريطانية فريقاً للتحقيق مع فيلبي في بيروت في محاولة لاقناعه بضرورة الاعتراف بخيانته وبالفعل واجه فيلبي المحققين ولكنه بذكائه المعهود تمكن من التسويف والمماطلة والسعي لتفادي الاعتراف بجرمه. ولكنه كان في الوقت نفسه يدبر في الخفاء في يناير/ كانون الثاني من عام 1963 عملية هروبه وفراره إلى موسكو وتخلى بذلك عن كل التزاماته وارتباطاته في بيروت بما في ذلك زوجته وأطفاله وعائلته وأصدقاؤه وعشيقاته. وقد أصدر فيلبي نفسه بعد ذلك في عام 1968 كتاباً عن قصة خيانته لبلاده تحت عنوان “حربي الصامتة”.
ليس هناك ما يندم عليه
ولكن المسؤولين السوفييت مارسوا أساليب الرقابة المشددة ضد الكتاب وحذفوا صفحات طويلة منه. وحاول المسؤولون الاستخباراتيون في الغرب أن يكتشفوا أي خيوط جديدة حول خيانة فيلبي وكذلك السعي للحصول على الدروس المستفادة من هذه القصة المثيرة. ولكن مساعيهم أحبطت بالكامل فلم تكن هناك بالفعل أي رسائل أو ألغاز يكشف عنها فيلبي في كتابه. وأسدل الستار في عام 1988 على هذه الأحداث المثيرة وذلك بوفاة فيلبي في موسكو. ويشير الكتاب إلى أن فيلبي كان قد أعلن قبل ذلك بشهور قليلة انه ليس لديه ما يأسف عليه. وأكد أنه قام باتخاذ “القرارات الصائبة” وليس هناك ما يندم على فعله منذ أن التزم في الثلاثينات من القرن العشرين بالعمل في “خدمة الاتحاد السوفييتي والشيوعية”. وصب فيلبي الزيت على النار بالقول بأن أمله هو “أن تنتصر الشيوعية”.
أما بيرجيس فقد كان قد توفي في موسكو في عام ،1963 ولحقه ماكلين في عام 1983. وبالتالي فإن الجواسيس الثلاثة لم يبقوا على قيد الحياة حتى نهاية الشيوعية. والمشكلة هي أنهم لم يواجهوا بالفعل العدالة لكي يحاكموا على جرمهم وخيانتهم.
ويتحدث المؤلف عن الدروس المستفادة التي استخلصها من قصة خيانة فيلبي وسعي صحيفته إلى كشف الحقائق، في مواجهة عقبات شديدة من جانب الحكومة وأجهزة الاستخبارات البريطانية.
ويوضح الكتاب ان ايفانز تلقى تحذيراً قبل بدء نشر هذه القصة المثيرة من أجهزة الاستخبارات التي طالبته بعدم نشر أي تفاصيل اكتشفها فريق التحقيقات في المطبوعة عن فيلبي. ولجأت أجهزة الاستخبارات بالفعل إلى إصدار أمر قضائي بهذا المعنى وذلك في أول سبتمبر/ ايلول من عام ،1967 وكانت الحجة هي أن هذه المعلومات ستضر بالأمن القومي والمصالح الوطنية البريطانية، ولذلك فإنه “ينبغي عدم اذاعة أي شيء عن الأماكن والمهام والأشخاص المعنيين الذين عملوا في خدمة الاستخبارات البريطانية. ويقول المؤلف إن هذا الموقف كان يمثل محاولة مباشرة لعدم نشر هذه التحقيقات الصحافية المهمة. ولكن ايفانز يقول إنه قرر تجاهل هذه التحذيرات تماماً. وبالفعل تم نشر قصة “الجاسوس الذي خان جيلاً” في أول أكتوبر من عام 1967.
وكان المؤلف يرى أن النتائج التي استخلصتها التحقيقات الصحافية في هذا الشأن كانت مثيرة للقلق الشديد. وكذلك فإنها كشفت كيف تمكن فيلبي طيلة هذه المدة الطويلة من ممارسة الخيانة ضد بلاده بلا رقيب. وكذلك فإنه استغل ما يعتبره المؤلف “عقدة الطبقية” السائدة حتى اليوم في المجتمع البريطاني. فإن بعض الطبقات الارستقراطية والثرية هنا تعتقد حتى اليوم انه بوسعها أن تفلت من أي عقاب أو مساءلة لأنها فوق القانون، وستلقى الدعم من الطبقة الحاكمة التي تعتبر نفسها جزءاً منها.
ويعرب الكتاب عن الأسف لأنه لم يتم تنفيذ برنامج اصلاح موسع للأجهزة الاستخباراتية بعد فضيحة فيلبي والأخطاء الفادحة التي وقعت في هذا المجال. ويستهجن ايفانز الحملة التي شنتها المؤسسة الحاكمة ضد صحيفة “الصنداي تايمز” والمطبوعات الأخرى التي حاولت تسليط الأضواء على هذه الفضيحة. والغريب في الأمر من وجهة نظر الكتاب ان الاستياء والسخط لم يكن موجهاً ضد فيلبي نفسه. وفي اطار هذه الاتهامات وجهت اتهامات إلى ايفانز بأنه كان يخدم من خلال اثارته للفضيحة “الاستخبارات السوفييتية”. وقد كان هناك اتجاه رسمي لربط الفضيحة بنظرية المؤامرة من قبيل محاولة تشويه الحقائق وعدم مواجهة الرأي العام والاقرار بحدة الأزمة التي تعاني منها أجهزة الاستخبارات.
وقد تفاقمت حدة المشكلة عندما سعى وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء العمالي عندئذ جورج براون إلى التدخل شخصياً في الأزمة.
فقد شجب براون خلال جلسة لمجلس العموم موقف ايفانز واصراره على اذاعة تفاصيل الفضيحة متجاهلاً التحذيرات الرسمية إليه. واتهم براون الذي كان لا يفيق من السكر ايفانز بأنه خائف وذلك خلال حفل عشاء خاص كان يحضره روي طومسون مالك مجموعة “التايمز” السابق، قبل استحواذ روبرت ميردوخ عليها. ولكن رئيس الوزراء هارولد ويلسون نمى إلى علمه في اليوم التالي أن نائبه براون كان مخموراً حتى الثمالة خلال حفل العشاء الخاص. وقام ويلسون بتوبيخ براون بشدة ولذلك فإنه كان يشعر بالندم خلال اليوم التالي.
ومن ناحية أخرى يقول ايفانز ان تجربته الخاصة بالتحقيق الموسع في فضيحة فيلبي كانت تمثل أول مواجهة مباشرة له مع الحكومة البريطانية وما يعرف باسم “المؤسسة السياسية الحاكمة” التي تتمتع بالنفوذ والسلطة وكذلك فإنها نتاج ما يسميه المؤلف والدوائر الساحرة والطبقة الارستقراطية وخريجي جامعتي أكسفورد وكامبريدج وكذلك الصحافة المحافظة.
ويشير ايفانز إلى أن المجتمع البريطاني قد أصبح الآن أكثر تنوعاً وتعدداً ويضم أعراقاً مختلفة بالمقارنة مع ما كان سائداً منذ عدة عقود مضت. ولكن المؤلف يتوصل إلى قناعة بأن الأجهزة السرية لن تتغير فهي لا تزال تميل إلى العمل في الخفاء. ومع ذلك فإنه يشدد على أهمية الشفافية والمساءلة بالنسبة لهذه الأجهزة مهما كانت تتعلل بضرورة السرية والعمل من وراء الستار.