تعرف معنا على الأمن القومي
المجد-
يختلف مفهوم الأمن القومي من دولة إلى أخرى، تبعاً لقوة اقتصاد الدولة وآلتها الحربية وأهميتها السياسية والإستراتيجية، وغير ذلك من العوامل ، ولكن ما تعارفت عليه الدول هو أن حدود الأمن القومي للدولة تجسدها الحدود السياسية والطبيعية لتلك الدولة، وهذه الصيغة أفضل من الصيغة التي تحدد مجال أمن دولة ما، بالمدى الذي تصل إليه مدافعها وأسلحتها، وهي صيغة سادت في الماضي ثم بادت بقيام عصبة الأمم ثم هيئة الأمم من بعدها.
ولكن من المؤسف أن الصيغة القديمة بدأت تُطل برأسها من جديد، إذ نرى في عالم اليوم أن بعض الدول تعتبر أن حدود أمنها القومي تشمل العالم أجمع، ويحدث هذا، عادة، عندما تنفرد دولة ما بالسيادة، فتعتبر نفسها- ويقر لها آخرون بذلك- الدولة الأعظم في العالم. ومثل هذا الاعتقاد هو أخطر الصيغ على الأمن والسلم الدوليين، لأنه يؤدي إلى التدخل في شئون الآخرين وملاحقتهم إلى الحد الذي يمكن أن ينجم عنده انفراط أمن المجتمع الدولي. والدول عادة توازن موازنة دقيقة بين أمنها القومي وحدوده من جهة، والتعايش السلمي مع الآخرين وعدم المساس بأمنهم القومي وحدوده من جهة أخرى.
ولعل أسباب كثير من التوتر والحروب والصراعات بين الدول مردُّها إلى الطموحات غير المشروعة، والاعتقادات غير المبررة التي تؤدي إلى التعدي على الآخرين وظلمهم.
ويلجأ كثير من الدول إلى صيغ مختلفة لتعزيز الأمن، مثل إبرام الاتفاقات الدفاعية والأمنية، وعقد الأحلاف العسكرية ومعاهدات عدم الاعتداء، واتفاقيات تبادل المعلومات، وغير ذلك، بينما يلجأ بعض الدول إلى عزلة إقليمية كصيغة من صيغ الحفاظ على الأمن القومي. ومهما اختلفت الطرق التي تنتهجها الدول فان الهدف واحد، هو: الحفاظ على المصالح العليا.
ويقول هارولد براون- أحد وزراء دفاع الولايات المتحدة السابقين-: إن الأمن القومي هو: (القدرة على صياغة وحدة الأمة ووحدة أراضيها، والحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع دول العالم بشروط معقولة).
ويقول غيره بأن الأمن القومي هو: (قدرة الدولة على حماية كيانها ضد الأخطار الماثلة أو المحتملة، وقدرتها على حماية مجموع مصالحها القومية، وإدارة مواردها بما يحقق الأهداف القومية من أجل رفاهية الشعب).
وفى تاريخنا الإسلامي شواهد كثيرة تدلل على مشروعية المعاهدات والأحلاف، والاتفاق على التعايش السلمي، قال تعالى: (وأذانٌ مِن اللّه ورسُوله إلى النّاس يومَ الحجّ الأكبر أنّ اللهَ بريءٌ مّن المُشركينَ ورسولُهُ فإِن تبتُم فهُو خيرٌ لّكُم وان توليتُم فاعلمُوا أنكم غيرُ معجزي اللّه وبشّر الّذين كفرُوا بعذاب أليم. إلا الّذين عاهدتُم من المشركينَ ثمّ لم ينقصوكُم شيئاً ولم يظاهرّوا عليكُم أحداً فأتمُّوا إليهم عهدهُم الى مدتهِمِ انّ اللّه يُحب المُتقينَ. فإذا انسلخَ الأشهر الحُرُمُ فاقتلُوا المُشركين حيثُ وجدتموهُم وخذوهُم واحصروهُم واقعدُوا لهُم كلّ مرصد فان تابُوا وأقامُوا الصلاةَ وآتوُا الزّكاة فخلّوا سبيلُهم إن اللّه غفورٌ رحيمٌ. وان أحدٌ مّن المشركِينَ استجاركَ فأجرهُ حّتى يسمَعَ كلامَ اللّه ثُم أبلغه مأمنهُ ذلكِ بأنهُم قومٌ لا يعلمُونَ. كيف يكونُ للمُشركينَ عهدٌ عند اللهِ وعند رسولهِ إلا الذينَ عاهدتُم عند المسجدِ الحرامِ فمَا استقاموا لكُم فاستقيموا لهُم انّ اللهَ يحبُّ المتقينَ).
وقد عقد الرسول الكريم العديد من المعاهدات مع اليهود ومع الكفار والمشركين، منها معاهدته مع يهود بني عاديا من تيماء، التي جاء فيها:
«بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتابٌ من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لبن عاديا: أنّ لهم الذمة وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد والنهار شد».
ومعاهدته صلى الله عليه وسلم مع يهود بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع، التي جاء فيها:
« وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتَهم، وأنّ بينهم على من حارب أهلَ هذه الصّحيفة وأنّ بينهم النصح والنصيحة والبر، دون الإثم، وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وأنّ النصر للمظلوم، وأنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأنّ يثربَ حرامٌ جوفها لأهل هذه الصحيفة».
وفي هذه المعاهدة- كما يبتدى- اتفاق جلى على الدفاع المشترك عن يثرب، وهو اتفاق سبّاق في هذا المجال.
كذلك أقام الرسول صلى الله عليه وسلم صُلحاً مع قريش هو (صلح الحديبية)، الذي قاد إلى تأمين الجبهة الداخلية، والتفرغ لمجابهة اليهود، وكانت أن أسفر ذلك الصلح عن فتح تاريخي للإسلام.
وقد أوجب الإسلام الوفاء بالعهود والاتفاقات وحذر من نقضها، الا بالأسباب الموجبة التي تجوّز نقضها، قال تعالى: «يا أَيّها الّذين آمنُوا أوفُوا بِالعقُودِ). أو (فمَا استقامُوا لكُم فاستقيمُوا لهُم).