قضية البلوي تثير تساؤلات حول احتمال اختراق تنظيم القاعدة وكالات الأمن القومي الأميركية
المجد-
مارك هوزنبول وسامي يوسفزاي وآدم ديمير- في منشأة تدريب تابعة للـ «سي.آي.إيه» بولاية فرجينيا يسمونها «المزرعة»، هناك برنامج تدريبي يعرض فيها بعنوان «الاجتماعات العالية التهديد». وهنا يمضي كل من يطمحون في أن يصبحوا ضباطا ميدانيين في الوكالة فترة التدريب في هذا البرنامج التدريبي التي تستغرق ثلاثة أسابيع يتعلمون فيها كيفية القيام بترتيب الاجتماعات مع المخبرين الذين يحتمل أن يكونوا خطرين. ويتذكر أحد خريجي هذا البرنامج ما تعلمه فيه بقوله انه حين يتم ترتيب اجتماع مع أمثال هؤلاء العملاء، فان «الأمن هو كل شيء». ويضيف: «أتذكر أنه قيل لي بتشديد كبير «لا يهم ما يمكن أن تحصل عليه من مخبر اذا انتهى بك الأمر مقتولا»». فهناك أحكام صارمة جدا لترتيب مثل هذه الاجتماعات، كما يتذكر عميل سابق آخر في الوكالة كان قد أشرف على تعليم هذا البرنامج: يجب تفتيش كل المخبرين بعناية وحذر، ويجب رصد مكان الاجتماع وتأمينه قبل وقت الاجتماع، وحين يصل العميل السري يجب أن يكون هناك ضابط أو اثنان من ضباط الـ «سي.آي.إيه» فقط في الاجتماع. ويضيف روبرت بير، وهو ضابط «سي.آي.إيه» سابق أمضى الكثير من سنوات عمله مع الوكالة متقفيا أثر الإرهابيين في الشرق الأوسط، ان «القاعدة المعمول بها هي أن يقوم ضابط القضية المسؤول بالاجتماع وحده مع العميل، أو ربما يمكن حضور اثنين من ضباط الوكالة للاجتماع، دائما، دائما، دائما. أحد الأمور التي يجب عليك ألا تقوم بها أبدا هو الاجتماع مع العميل بحضور لجنة».
ولكن لجنة ضمت ما لا يقل عن تسعة من ضباط «سي.آي.إيه» ومتعاقديها كانوا موجودين للاجتماع مع همام خليل أبو ملال البلوي في قاعدة العمليات المتقدمة لـ «سي.آي.إيه» في خوست بأفغانستان يوم 30 كانون اول/ديسمبر. ومن غير الواضح حتى الآن لماذا انتهك عملاء «سي.آي.إيه» قاعدة أساسية من قواعد عملهم في ذلك الاجتماع. ربما كانوا مدوّخين بمشاعر الترقب لديهم من ذلك الاجتماع. فقد كان البلوي قد ألمح إلى امكانية أن يقوم بابلاغهم شيئا يريد كل ضابط في «سي.آي.إيه» الحصول عليه بصورة يائسة من أجل تأمين الولايات المتحدة والحصول على ترفيع في مسيراتهم المهنية: الابلاغ عن مكان الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري. وكان ذلك الاجتماع قد اعتبر في غاية الأهمية بحيث ان مسؤولي الاستخبارات الأميركيين كانوا أبلغوا البيت الأبيض به مسبقا، حسب مسؤول أميركي في مكافحة الإرهاب اطلع على تقرير عن الحادثة. وحسب مسؤولين استخباراتيين أميركيين حاليين، رفضا ذكر اسميهما بسبب حديثهما عن معلومات حساسة، كان المسؤولون الأمنيون يستعدون لتفتيش البلوي قبل ادخاله إلى داخل القاعدة. وفيما نزل البلوي من الـسيارة التي نقلته إلى القاعدة، كان يضع احدى يديه في جيبه حسب هذه الرواية. وطلب منه أحدهم رفع يده من جيبه حين انفجرت المتفجرة التي كان يحملها، ما أدى إلى مقتل خمسة ضباط «سي.آي.إيه» واثنين من المتعاقدين مع الوكالة واصابة آخرين بجراح.
لقد كانت هذه الفترة موسما للفضائح الاستخباراتية. فقبل أيام فقط من التفجير الذي قام به البلوي في قاعدة الـ «سي.آي.إيه» ، كان النيجيري البالغ من العمر 23 عاما، عمر الفاروق عبدالمطلب، قد تمكن من شراء تذكرة سفر إلى الولايات المتحدة نقدا، واخفاء عبوة متفجرة في لباسه الداخلي والتمكن تقريبا من تفجير طائرة تابعة لشركة طيران «نورثويست» في رحلتها رقم 253 فيما كانت تقترب من مدينة ديترويت يوم عيد الميلاد. وفي تلك الحالة كان الكثير من نتف المعلومات الاستخباراتية متوفرا ــ بما في ذلك تحذير من والد عبدالمطلب بأن ابنه صار واقعا تحت تأثير المتطرفين في اليمن ــ ولكن وكالات الاستخبارات الأميركية لم تتمكن من الربط بين نقاط تلك القضية في الوقت المناسب. وفي الأسبوع نفسه كان المسؤول الاستخباراتي الأميركي في أفغانستان الميجور جنرال مايكل تي فلين قد شارك في اعداد تقرير علني صريح بصورة استثنائية قال فيه، من بين أشياء أخرى، ان «مجتمع الاستخبارات الأميركية ليس مهما الا بصورة هامشية بالنسبة إلى الاستراتيجية الشاملة» في أفغانستان. (ومن بين الآراء التي أوردها في التقرير: هناك تشديد أكثر من اللازم على المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بقتل الأشرار، فيما ليس هناك ما لا يكفي من المعلومات لمساعدة الجنود على فهم ما يجري حقيقة داخل المجتمع).
وبالنظر إلى عشرات المليارات من الدولارات التي تنفقها الولايات المتحدة على الاستخبارات سنويا، والاصلاحات التي حظيت بالكثير من التغطية الاعلامية التي تم وضعها موضع التنفيذ بعد هجمات 11 سبتمبر، فإن الكثير من الناس ــ بمن فيهم الرئيس أوباما نفسه ــ تساءلوا عن الأسباب التي تمنعنا من القيام بعمل أفضل في التجسس على الأعداء وتحليل التهديدات.
قضية البلوي تثير سؤالا اضافيا: ما هي درجة اتقان عمل تنظيم القاعدة في اختراق وكالات الأمن القومي التابعة لنا؟ فقد كان هذا خوف تشعر به دوائر الاستخبارات الأميركية على الأقل منذ عام 2003 حين تم اعتقال اثنين من المترجمين الذين يتحدثون العربية في معسكر اعتقال غوانتانامو على أساس تعاطفهم مع الإرهابيين. (أحد المترجمين دفع باعترافه بالذنب معترفا بتهم ثانوية متعلقة بعدم اطاعة الأوامر وعدم معالجة معلومات سرية بالصورة اللازمة» فيما أسقطت جميع التهم التي وجهت للآخر). في السنة التالية، عقدت «سي.آي.إيه» مؤتمرا خاصا استغرق يومين لبحث تهديد الاستخبارات المضادة الذي تمثله تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية. وقد تم عقد المؤتمر في مقر وكالة استخباراتية أوروبية وشارك فيه ممثلون من أجهزة استخبارات 10 دول حليفة. وقال مسؤول استخباراتي سابق ساهم في ترتيب ذلك الاجتماع انه في تلك الفترة، كانت مجرد فكرة أن تنظيم القاعدة يتمتع بما يكفي من الذكاء لزرع عميل سري في وكالة تجسسية غربية « مفهوما جديدا للجميع». ولكن الاجتماع انتهى من دون اعداد خطة عمل. وقال مسؤول استخباراتي آخر لم يرد الكشف عن اسمه وقد نسبت اليه أقوال ينتقد فيها زملاءه السابقين ان «هذا النوع من الأشياء هو ما تقوم به «شعبة التجسس في «سي.آي.إيه» ، أي مديرية العمليات» فهم دائما يقومون بعقد المؤتمرات».
وان من المؤلم جدا الآن أن يتوفر لــ «سي.آي.إيه» مثال عملي جديد عليها دراسته، أي قضية البلوي. ان الكيفية التي أصبح بها البلوي عميلا مزدوجا بالضبط لاتزال أمرا غير واضح تماما. ولكن مقابلات مع زوجة البلوي وبعض زملائه الجهاديين، فضلا عن معلومات تم الحصول عليها من مسؤولين أميركيين وأردنيين، تكشف عن شخصية طبيب ناجح، متحدر من أصول فلسطينية، كانت تسيطر عليه مشاعر الغضب والشعور بالذنب تجاه معاناة أبناء شعبه. وقد باتت هذه قصة معروفة تماما هذه الأيام، أي قصة شاب ناجح، متدين ومنعزل اجتماعيا يتحول تدريجيا ليصبح شخصا راديكاليا فيما يشاهد القوات الأميركية وغيرها من القوات العسكرية الأجنبية تقوم بشن الحروب والقتل في أرض اسلامية.
زوجة البلوي التركية دفني بيرق تقول انه كان دائما محافظا في معتقداته الاسلامية. وتقول إن نقطة التحول الحقيقية نحو التطرف تمثلت في الغزو الأميركي للعراق في 2003 وقالت ان الاحتلال الأميركي للعراق «تسبب في تحول شامل لزوجي». وفي السنة التالية، بدأ البلوي يكتب في مدونات راديكالية على الانترنت عن الجهاد. وقالت: «كان دائم القراءة والكتابة. كان مهووسا بالمنتديات على الانترنت… كان يستشهد بآيات من القرآن تتحدث عن الحاجة إلى الجهاد، وكان بعدها يكتب ملاحظات قوية الوقع بناء على تلك الآيات أو الأحاديث النبوية». وتقول بيرق انه كان يرنو إلى عمل المزيد، ولكنه لم يكن يعرف كيف يفعل ذلك. ففي الفترة بين عامي 2004 و2009، حضر حفلي عشاء أقامتهما جماعة الاخوان المسلمين الأصولية التي تتبع التيار السائد في العمل الاسلامي في الأردن، ولكنه لم يبد كبير حماسة تجاه ما رآه في الحدثين. وقال لزوجته انه ذهب لتناول «أكلة المنسف الشهيرة في احتفالاتهم»، وليس للاستماع لأفكارهم. وقد تحدث علانية عن رغبته في زيارة «أمكنة الجهاد».
كتاباته المؤيدة للجهاد على الانترنت ــ التي كان يكتبها تحت اسمه المستعار أبو دجانة الخرساني ــ حظيت بملاحظة واسعة النطاق. بل انه أصبح مدير الموقع الانترنتي لمدونة الحسبة، وهو منتدى جهادي على الانترنت تابع لجماعة مرتبطة بالقاعدة. ومن المحتمل أن هذا قد اجتذب اهتمام ضابط مخابرات أردني، وهو ابن عم بعيد للملك عبدالله الثاني، يدعى علي بن زيد. وحسب زميل سابق له فان بن زيد كان يتمتع بمهارة حقيقية في تحري المعلومات عن الإرهابيين في غرف الدردشة والمنتديات على الانترنت. ولكنه لم يكن معروفا بأنه ضابط حالة ماهر في التعامل مع العملاء وجها لوجه. وقد أصبح الضابط بن زيد المسؤول عن البلوي، ومات معه في قاعدة عمليات «سي.آي.إيه» المتقدمة في تشابمان بأفغانستان في الانفجار.
البلوي لم يقم بالخطوة الرئيسية ليصبح جهاديا كاملا الا بعد أن اعتقله عملاء المخابرات الأردنية في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي. قبل ذلك بقليل كان البلوي قد سجل نفسه مع جماعة من الأطباء مكرسة لتقديم المساعدة للفلسطينيين بعد الاجتياح الاسرائيلي لغزة في ديسمبر 2008. ولربما كان ذلك هو السبب الذي تم اعتقاله من أجله، ولربما أنه كان على شاشات رادار المخابرات الأردنية قبل ذلك بوقت طويل بوصفه شخصا يمكن تحويله إلى عميل لها. بيرق، التي كانت تشاطر زوجها آراءه الراديكالية، اعتقدت في ذلك الوقت أنه سيمضي فترة طويلة في السجن. ولكنه خرج بعد ثلاثة أيام. وحسب رواية بيرق لنيوزويك، فان المخابرات «ربما عرضت عليه المال» ليعمل معها «وربما تظاهر هو بأنه قبل تلك العروض من أجل تمكنه من الذهاب» إلى المناطق التي يسيطر عليها الجهاديون في باكستان. مصدر مقرب من بيرق يدعي أن الأردن والـ «سي.آي.إيه» عرضا عليه مبالغ كبيرة. (الـ «سي.آي.إيه» رفضت التعليق على ما يقال عن عروض بالمال عليه، وبيرق قالت انها لا تستطيع تأكيد أي مبلغ مالي محدد). وربما يكون أكره على فعل ذلك أيضا. وقال شقيق للبلوي: «لقد ضغطوا عليه كثيرا».
وتعتقد بيرق أن البلوي كان يستعمل الأردنيين والـ «سي.آي.إيه» وأنه لم ينو قط أن يتجسس لحسابهم. ولكن كل ذلك غير واضح تماما. ما هو معروف هو أنه ذهب إلى باكستان، مبلغا زوجته بأنه كان يدرس هناك، ولكنه كان يلمح إلى شيء أكثر خطورة، ربما أنه كان يعمل كطبيب في مناطق الجهاديين. وتتذكر بيرق قوله لها في تلك الفترة: «في محادثاتنا كان يقول أحيانا، «اذا حدث لي طارىء لا سمح الله، ما الذي ستفعلينه من دوني». وكانت ترد عليه قائلة: «الله كريم، الله كبير» فهو الذي يرزق». وحين كان بعيدا عن عائلته كانت ابنتا البلوي تنظران إلى الطائرات في السماء وتقولان: «لقد جاء بابا». ولكنه لم يأت قط. وتقول أرملته، ان «الأمر في النهاية يتعلق بالايمان، في اعتقادي أن وقت موته قد أزف».
في مرحلة ما من مراحل وجوده في باكستان، بدأ البلوي يقدم لمسؤولي المخابرات الأردنيين عنه معلومات بدا أنها قيّمة. وقال مسؤول أردني رفيع المستوى للصحافيين في عمان شريطة عدم نسب الأقوال اليه باسمه انه «اتصل بنا بالبريد الالكتروني وقال ان لديه معلومات حساسة عن تنظيم القاعدة. وبالطبع قمنا بالتحقق من تلك المعلومات وقمنا بتبادل تلك المعلومات مع أجهزة استخبارات صديقة، بما في ذلك الاستخبارات الأميركية». أنصار حركة طالبان الذين التقوا البلوي في مناطق القبائل الباكستانية العام الماضي يصفونه بأنه كان حذرا جدا. وقال أحد قادة طالبان الفرعيين الذي يعمل مع المفجرين الانتحاريين انه «لم يكن مثل غيره من أنصار تنظيم القاعدة في المنطقة. كان جلده ناعما، سلسا، على عكس غيره من العرب الذين تكون وجوههم قد لفحتها حرارة الشمس والريح». وبدا أن البلوي كان مهما وكان غالبا ما يحيط نفسه بعدد آخر من أنصار تنظيم القاعدة العرب في المنطقة. ولكنه كان دائما أيضا يبدو قلقا بصورة غير اعتيادية ازاء هجمات قد تقوم بها طائرات من دون طيار في المنطقة. وقال قائد طالبان: «لقد كان برأيي واحدا من أكثر المجاهدين قلقا وحذرا. وكان يقول دائما «ليس من الآمن أن نبقى هنا لفترة طويلة، ولهذا فعلينا المغادرة»».
وقال عدد من أنصار طالبان الذين رفضوا جميعا ذكر أسمائهم بسبب حديثهم عن أنشطتهم انهم كانوا واعين لوجود الكثير من الأشخاص الذين نجحوا في اختراق صفوفهم. بعض الجواسيس تم قطع رؤوسهم، ولكن آخرين نجحوا في الهرب والاختباء قبل أن يتم اكتشافهم. قد يكون الأمر أن البلوي اكتشف أمره على أنه كان جاسوسا ثم تحول، أو أنه ببساطة عرض نفسه على الطرف الآخر. هذه هي رواية مسؤول طالبان الذي التقى بالبلوي وقال انه أثار الشبهات بتوجيهه الكثير من الأسئلة عن بن لادن ومكان وجوده. وقال مصدر طالبان هذا الذي تم التحدث معه هاتفيا في شمال وزيرستان ان «هذا سؤال محظور وقد جعله يشعر بالريبة تجاهه». وبعد أن أمضى البلوي بضعة أشهر في مناطق الجهاديين واطلع على الظروف هناك واستمع إلى ما كان يقوله له زملاؤه، بدا أن نوايا البلوي تغيرت. وقال مسؤول طالبان: «بعد فترة، كشف عن خطته وقال «ان الأمر يعتمد عليكم يا جماعة، فاما أن تقطعوا رأسي أو أن تستعملوني كمفجر انتحاري»».
واحدة من آخر طلات البلوي على الانترنت كانت مقابلة أجرتها معه مجلة طالبان على الانترنت، vanguard of the khurasan في ايلول/ سبتمبر. وقد بدا فيها وكأنه يلمح إلى نوع من مشاعر الكفاح الشخصية الداخلية بصدد التزامه بالجهاد. وقد قال في تلك المقابلة: «لقد تربيت على حب الجهاد والشهادة في صباي». ولكنه في أحيان أخرى «كان يبدو وكأنه يتساءل» عما اذا كان قادرا على الابقاء على هذا الالتزام. وهو أدرك في النهاية أن «هذا الحب للجهاد اما سيقتلك ندما اذا ما اخترت البقاء بعيدا عن الجهاد أو أن يقتلك كشهيد في سبيل الله… وعلى الانسان أن يختار بين هاتين الميتتين».
لماذا لم يكن ضباط «سي.آي.إيه» في الميدان أكثر حذرا في التعامل مع البلوي، الذين لم يكونوا قد التقوه قط من قبل، لاسيما أنه كان شخصا له تاريخ طويل من النشاط الموالي للجهاد على الانترنت قبل أن يبدأ التعاون معهم؟ مسؤول استخباراتي أميركي يقول ردا على ذلك ان «نوع الناس الذين يستطيعون اختراق تنظيم القاعدة هم الجهاديون أنفسهم. هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور في العالم الحقيقي. الأم تيريزا المقبلة لن تتمكن من اختراق كهذا». أما بالنسبة إلى سبب دعوة البلوي للحضور إلى قاعدة لــ «سي.آي.إيه» ، فان المسؤول الذي رفض ذكر اسمه متحدثا عن هذه القضية، يقول: «تذكر أن هذه كانت قاعدة متقدمة في منطقة حرب. ليست لديك الكثير من البيوت الآمنة المثالية للقاءات العملاء.. ولا تستطيع أيضا القيام بذلك في ميدان مفتوح، خصوصا في مناطق معادية لك».
هذا صحيح. ولكنه لايزال يترك سؤالا واحدا من دون اجابة، وهو لماذا كان هناك هذا العدد من الضباط الميدانيين حين وصلت سيارة البلوي إلى قاعدة «سي.آي.إيه» ، ولماذا لم يتم تفتيشه سابقا؟ هل كانت «سي.آي.إيه» معتمدة على أصدقائها الأردنيين للقيام بذلك؟ ربما: فبصورة عامة، فان الوكالات الاستخباراتية الأميركية تعتمد كثيرا على وكالات الاستخبارات الأردنية وغيرها من الوكالات الاستخباراتية الحليفة حين يتعلق الأمر بتجنيد العملاء البشريين والاشراف عليهم في العالم الاسلامي. الشخص الذي التقى البلوي في ذلك اليوم وقاد به السيارة إلى القاعدة الأميركية ربما شعر أن هناك حاجة لاظهار بعض الثقة به. فادارة الجواسيس تتعلق أساسا بالثقة، جعل الجاسوس يشعر بأنه صديق موثوق به، لكي يشعر بالراحة ازاء خيانة أصدقائه الآخرين. كما أن من المهم أيضا تذكر أن تفجير البلوي صور من قبل تنظيم القاعدة على أنه هجوم انتقامي على الهجمات بالطائرات غير المأهولة على بعض كبار قيادييها. وجاء في بيان للقاعدة أن الهجوم الانتحاري «جاء للانتقام لشهدائنا». وهكذا فان الأمر ليس أن الطرف الآخر لا يعاني بعض المعلومات الاستخباراتية والأعمال الاستخباراتية الجيدة. ولكن الإرهابيين يتعلمون ويتكيفون، ربما بطريقة أكثر مما توقعه الجواسيس الحذرون.
نيوزويك
بمشاركة كريستوفر ديكي ومايكل ايسيكوف ورانيا قدري