كتاب أمريكي يكشف ممارسات C.I.A في خداع العقول
المجد-
للمخابرات والأجهزة الأمنية القوية في العالم أهداف ترتكز على جمع المعلومات لكن في ذات الوقت لها طريقة أخرى معاكسة تقوم على بث المعلومات وتداولها ونقلها بهدف خداع الشعوب والأضعاف من قدراتها على المتابعة والتركيز
فقد كشفت مسئولة المخابرات الأميركية فرانسيس ستونورساوندرز النقاب عن مسؤولية هذه المخابرات في تأسيس منظمة الثقافة الحرة، وربما أتي هذا الكشف منسجما مع مبدأ إخراج الوثائق التي يمر عليها ٣٠ عاما توضع بعدها في متناول الجمهور، وجاء هذا الكشف عبر كتاب لساوندرز حمل عنوان المخابرات في سوق الثقافة – من يدفع للمزمرين؟
في هذا الكتاب تكشف المؤلفة دور المخابرات الأمريكية في اختراق الأوساط الثقافية العالمية وتجنيدها لخدمة هذه المخابرات بصورة غير مباشرة، وهي تورد قائمة طويلة من الأسماء المعروفة في عالم الثقافة في أنحاء العالم بمن فيهم المثقفون العرب الذين تعاملوا مع هذه المنظمة، التي راحت تنشئ الفروع ومن ثم فروع الفروع، حتى أمكن الاستغناء عن المنظمة الأم والاعتماد علي تفرعاتها السرطانية، وهذه المؤسسات تجد تربة خصبة في الدول الفقيرة التي لا تخصص ميزانيات كافية للثقافة وللبحوث العلمية والدراسات، الأمر الذي يسهل تغلغها في أوساط مثقفي وباحثي تلك الدول.
حفلة الضباط ورأس الأفعى
وتورد المؤلفة ذكر حفلة موسيقية, أقامها السوفيات ببرلين بمناسبة النصر على ألمانيا استضاف فيها الضباط الروس زملاءهم الأميركيين الذين شعروا بالدونية في مواجهة التحدي الثقافي الذي أمامهم بحسب ما تؤكده المؤلفة، التي ترى أيضاً أن هذه الحفلة لم تكن مجرد مناسبة بل كانت ضمن استراتيجية مدروسة أثبتت فاعليتها فيما بعد.
وتروي المؤلفة أن الحفلة الموسيقية لم تكن إلا قمة جبل الجليد الذي يخفي تحته إستراتيجية معدة منذ العام 1940 (تسميها المؤلفة رأس الأفعى) ومتمحورة حول الترويج للفكر الشيوعي، عبر حملات دعائية، في أوساط اتحادات العمال وجمعيات المرأة وجماعات الشباب والثقفين والصحافة ودور النشر (أي في الأوساط القابلة للعدوى). وتلمح المؤلفة إلى أن اعتماد السوفيات لمبدأ الحرب النفسية الباردة يعود إلى عجزهم الاقتصادي (عقب الحرب) وإلى عدم ملكيتهم للسلاح النووي (حتى ذلك الوقت). لذلك لجأوا إلى الدعاية لترويج فكرهم تعويضاً من هذا العجز, من هنا كانت سرعة تحركهم الثقافي.
بيت الثقافة البريطاني
فبعد فترة بسيطة من الحفلة الموسيقية أعلن السوفيات عن إنشائهم لبيت الثقافة في برلين نفسها. وجهزوه بأثاث كلاسيكي وإضاءة مشعة وتدفئة مركزية. وذلك بحسب وصف الملحق الثقافي البريطاني في تقرير إلى رؤسائه بيّن فيه أن السوفيات يتفوقون ثقافياً على كل جهود الحلفاء. ويضيف أنهم قد نجحوا في محاولاتهم للوصول إلى أعداد كبيرة من الناس نحو الفكرة المسبقة السائدة بأن الروس غير متحضرين. وذكر الملحق رؤساءه بأن غرفة المطالعة التابعة لملحقيته باردة وتحتاج إلى فحم للتدفئة!.
بريطانيا الخارجة من الحرب لم تعر بالاً إلى هذه الاقتراحات والملاحظات الثقافية، لكن الأميركيين تلقفوها وبادروا إلى إنشاء "المركز الأميركي", وكان هدفهم الخلاص من فكرة سائدة ضدهم وهي التي عبر عنها مدير العلاقات التربوية والثقافية في افتتاحه للمركز بقوله:"على الرغم من المساهمات التي قدمتها أميركا في حقل الثقافة فلا أحد يعرف بذلك ولا حتى ألمانيا. ناهيك عن بقية أنحاء العالم. فالحياة الأميركية تعتبر حياة يغلب عليها الطابع المادي. وغالباً ما نسمع تعليقاً: نحن لدينا المهارة والعقول وأنتم لديكم النقود!".
مركز الثقافة الأمريكي
وكان هذا المركز الأميركي قاعدة للثقافة الأميركية ودعاية لها تتبدى واضحة خلف كل نشاطات المركز, إلاّ أن المركز كان يضم غرف مطالعة مريحة ومدفأة بشكل جيد.
في تعليقها على فاعلية هذه المراكز تقول المؤلفة: كانت أميركا تعتبر آنئذ قاحلة ثقافياً ويعيش شعبها رفاهية اللبان وسيارات الشفروليه, ولقد ساهمت هذه المراكز الثقافية في تشجيع قسم من الكتاب الأوروبيين، النافرين من السوفيت، للاقتراب من أميركا. كمثل أندريه جيد في كتابه"العودة من الإتحاد السوفياتي" وآرثر كويستر وغيرهما.
وتنطلق المؤلفة من نشاطان "منظمة حرية الثقافة" لتبدأ بحثها بتفصيلات الحرب الثقافية الأميركية التي تكلف مبالغ لا يمكن تحديدها من ملايين الدولارات والتي ولدت وتوالدت لتفرخ عدداً لا متناهياً من الجمعيات والمؤسسات الثقافية المناهضة للشيوعية، سواء كان ذلك بعلم ومعرفة المشاركين فيها أو من دون معرفتهم. وهكذا يبدأ الكتاب بإثارة تفصيلات كامنة في صراع الحرب الباردة التي تحولت مع هذه المؤسسات إلى "حرب لامتلاك عقل الإنسان" (هو ما دعي لاحقاً بالحرب العقلية).
هذا ويبين الكتاب أن الجهود التراكمية لهذه المؤسسات تمكنت من استقطاب السواد الأعظم من المفكرين والكتاب والعلماء والفنانين حتى بات من النادر أن نجد بينهم من نستطيع الإدعاء بأنه لم يتعامل مع هذه المؤسسات أو أنه لم يستفد من تقديماتها. وللموضوعية تذكر المؤلفة تراجع القليل من المثقفين وانسحابهم من هذه المؤسسات بعد اكتشافهم خلفيتها المخابراتية. وتعطي مثالاً عليهم الفيلسوف برترانج راسل الذي قدم استقالته أربع مرات قبلت رابعتها عام 1956 وكان في منصب الرئيس الفخري لمنظمة حرية الثقافة!.