شكوك في أساليب الموساد بعد جريمة دبي
المجد-
في العام 1997 خرجت محاولة اغتيال هادئة لقيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن نطاق السيطرة بشكل غير متوقع. وبعد الكشف عن تورط الموساد اضطر رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى التكفير عن محاولة الاغتيال أمام حلفائه الغاضبين وأمر المسئولين عنها في المخابرات بتقديم استقالاتهم.
وحينها استقال مدير جهاز المخابرات الصهيونية (الموساد) السابق "داني ياتوم" بعدما فشلت عملية اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في الأردن. وربما يكون نتنياهو يواجه الآن وللمرة الثانية أزمة مماثلة تتعلق باغتيال قيادي آخر في حماس وهو محمود المبحوح في دبي.
وبعد الصمت الصهيوني الرسمي حول الاغتيال الذي نفذ يوم 20 يناير كانون الثاني عرضت الشرطة الإماراتية صورا لمشتبه بهم في الاغتيال وكشفت عن استخدام بعضهم جوازات مزيفة مطابقة لجوازات أوروبيين مهاجرين للكيان.
وظهرت دعوات لإجراء محاسبة خاصة لمدير الموساد مئير داجان وهو جنرال سابق تولى منصبه الحالي قبل ثماني سنوات ويلقى ثناء من قادة صهاينة لقيادته الجهاز .
وذهب عمير اورين من صحيفة هارتس الليبرالية إلى أبعد منذ ذلك وطالب بإقالة داجان ووصفه بأنه "مولع بالقتال واستعمال القوة" وتوقع نشوب خلاف مع بريطانيا وأيرلندا وفرنسا وألمانيا وهي الدول التي تم استخدام جوازات سفر مزورة منسوبة إليها في اغتيال المبحوح.
وعبر العديد من الإسرائيليين المولودين في الخارج والذين قالوا إن جوازات سفرهم سرقت لاستخدامها في اغتيال المبحوح عن خشيتهم من التعرض لملاحقة قضائية واتهامهم بالقتل.
ولم ينف وزير الخارجية الصهيوني افيجدور ليبرمان تورط الموساد في اغتيال المبحوح لكنه حاول صرف الانتباه وقال في مقابلة إذاعية معه إن "جهاز مخابرات آخر أو بلد آخر" ربما لعب دورا في الأمر.
وقال رام ايجرا وهو ضابط سابق في الموساد لراديو الجيش "ما يحدث في العالم الحديث وهو انتشار الكاميرات في كل مكان فانه يحدث تغيرات ليس فقط بالنسبة لمن يقومون بأعمال الإرهاب بل لمن يحاولون محاربته أيضا."
ووجهت الصحافة الصهيونية وبعض المحللين انتقادات لاذعة للموساد تمثلت في:
أولا: أن منفذي العملية أخذوا الحذر من احتمال وجود كاميرات في الفندق الذي نفذ فيه الاغتيال وهو فندق «البستان روتانا»، ولكنهم لم يأخذوا الحذر من احتمال وجود كاميرات أخرى في شوارع وأحياء دبي. وفوجئوا عندما علموا في مطلع هذا الأسبوع فقط أن دبي كلها مكشوفة للكاميرات، على طريقة لندن. وأن هذه الكاميرات وثقت كل تحركاتهم منذ نزولهم إلى أرض مطار دبي يوم 19 يناير وحتى مغادرتهم، وأن المحققين في شرطة دبي استطاعوا في غضون وقت قصير جدا تحليل الصور وتركيب فيلم يبين كل تحركاتهم. ومع أن المنفذين تمكنوا من مغادرة دبي بسلام، فإنهم تركوا وراءهم علامات كثيرة.
ثانيا: استخدم منفذو العملية جوازات سفر لدول صديقة، ستة جوازات بريطانية وثلاثة أيرلندية وألمانيًا وفرنسيًا، وفي جميعها تم استغلال المعلومات عن أصحاب الجوازات كما دونت لدى شرطة الحدود وتم تزييفها. مثل هذا التصرف يمس بالعلاقات مع هذه الدول. وقالوا إنه على الرغم من أن هناك تعاطفا أوروبيا مع "إسرائيل" ضد حماس ونشاطها، فإن هناك حساسية شديدة في بريطانيا إزاء مثل هذه التصرفات. وقد سبق وغضب البريطانيون من استخدام أراضيهم ساحة لعمليات الموساد.
ثالثا: تبين أن غالبية الأسماء التي استخدمها منفذو العملية هي أسماء حقيقية لمواطنين إسرائيليين يحملون جوازات سفر مزدوجة. وقد صدم بعضهم من استخدام أسمائهم وراح يساورهم القلق من خطر اعتقالهم في أي مطار يحطون، حيث إنهم مطلوبون من الإنتربول لشرطة دبي. وبعضهم قرر الانطواء في البيت وعدم المغادرة حتى إلى السوق، لأن حماس نشرت أسماءهم من طرفها تحت لائحة «مطلوب حيا أو ميتا»، مما يهدد حياتهم مباشرة. ويقولون إن منفذي العملية استغلوا أسماءهم بشكل منحط ومن دون رحمة، غير آبهين بتبعات ذلك عليهم.
وقال ستيفن هودس، وهو مواطن في الثالثة والخمسين من العمر ويسكن بلدة بيت شيمش القريبة من القدس المحتلة، ويعمل معالجا طبيعيا «فيزو ثرابيست» في مستشفى عين كارم القريب، إنه لا يحسن التفكير في أخطار استخدام اسمه. وأضاف «أنا ما زلت مذهولا. لا أصدق أن أمرا كهذا يمكن أن يحصل لي». وقالت زوجته إنها ستخاف من زيارة أهلها في بريطانيا بعد هذه الحادثة.
أما مراسل «هآرتس» لشؤون التعليم، أوار كاشتي، فقال إن صورة أحد المتهمين، وهو كافين دافيرون، تشبهه إلى أبعد الحدود، لدرجة أن والدته سألته إن زار دبي أخيرا. وأضاف أن امرأة شاهدته في محل سوبرماركت، وهنأته على عمله الذي «علّم هؤلاء العرب درسا». وتلقى كاشتي مكالمة هاتفية تهنئه على الغطاء الذي اختاره لهويته الصحيحة، كمراسل لشؤون التعليم في «هآرتس».. وقال إن أصحاب المكالمات الهاتفية مزحوا معه قائلين لماذا لم يحضر لهم سجائر رخيصة من دبي.
ولكن الكاتب الصحافي البريطاني، غوردن توماس، الذي كان قد ألف كتابا عن الموساد، كتب في صحيفة «ديلي تلغراف»، أمس، يؤكد أن عملية الاغتيال تمت بأيدي الموساد. وأن هناك اعتقادا بأن منفذيها كانوا 17 شخصا وليس 11 كما ذكرت شرطة دبي، وأن الستة الذين لم يعلن عنهم غير معروفين حتى الآن ويجري البحث عنهم.
وقال توماس إن ما يقوله يستند إلى معلومات يعرفها عن الموساد وتاريخه، حيث إنه كان قد التقى مع أحد رؤساء الموساد السابقين، مائير عميت، الذي أعطاه تفاصيل كثيرة عن الجهاز وأساليب عمله. وأكد أن الخلية التي نفذت العملية في دبي تنتمي إلى وحدة كيدون «سهم»، التابعة للجهاز وتضم 48 عميلا بينهم ست نساء يتدربون على الاغتيالات في قاعدة للموساد في النقب. وأن طرق الاغتيالات تتم بالرصاص أو بالتسميم بمواد كيماوية تم تركيبها في الموساد.