أكثر من 55 ألف طالب في المعاهد الدينية يتهربون من الخدمة العسكرية
المجد_
من الواضح أن بذور الفناء لدولة الاحتلال تحملها منذ قيامها على أرض فلسطين إذ يعتبر المجتمع الصهيوني من المجتمعات الهجينة بناء على خلفية تركيبته الفسيفسائية القائمة على استجلاب يهود العالم وتجميعهم في بوتقة واحدة، داخل فلسطين المحتلة، ومحاولة صهرهم بغية تحويلهم إلى كتلة بشرية متجانسة قدر الإمكان على مختلف الصُّعُد، ولا سيما على الصعيد الاجتماعي. هذا الواقع أوجد جملة من المشاكل والأزمات تجلّت في نشوء تكتلات ومعسكرات اجتماعية، تسود بينها علاقات متوتّرة تصل أحياناً إلى مستوى العداء والخطر على أمن المجتمع واستقراره، إلى درجة اعتبار البعض أن الدولة العبرية تضم شعبين، إضافة إلى العرب فيها.
ويرى كثير من الإسرائيليين أن اليهود المتزمّتين دينياً، «الحريديم»، يمثلون أحد أوجه المخاطر المتفاقمة التي تحدق بالمجتمع الصهيوني، وأن التهديدات الخارجية المتواصلة تحرف انتباه الصهاينة وتمنعهم من مواجهة الأزمة الحريدية المتشكلة، التي من شأنها أن تتحول قريباً إلى أزمة قومية، بحسب تعبير إيزي ليبلي، في صحيفة «إسرائيل اليوم».
وبحسب الصحيفة، «يشكل الوسط الحريدي مركباً حيوياً في المجتمع الإسرائيلي، لكن على غرار الأوساط والقطاعات الأُخرى في المجتمع الإسرائيلي، فسد كثير من الحريديم على يد السياسة. فنجاحهم المفرط -كأحزاب أحادية البعد- في ابتزاز تنازلات خاصة تجاه جمهور ناخبيهم زاد من ميلهم إلى الانعزال تقريباً والتركيز كلياً على مصالحهم الضيقة».
وتتطرق الصحيفة إلى المخاطر الديموغرافية التي يتوقع أن يشكلها الحريديم على «إسرائيل»، في ضوء معدلات الولادة المرتفعة في أوساطهم، وتقول إنه إذا كان الحريديم قد شكّلوا في ثمانينيات القرن الماضي 4% فقط من السكان، فإنهم يشكلون اليوم 10%. وتضيف أنه في ظل غياب تغيير دراماتيكي، سيتحول الحريديم في أقل من عقدين إلى خُمس اليهود في الكيان الغاصب، وهذا ما تعدُّه الصحيفة «مشكلة قيمية لأن كثيرين منهم لا يحتفلون بيوم الاستقلال (يوم النكبة)، ولا يعترفون بعلم إسرائيل ويُثبطون عزيمة الشباب الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي».
إضافة إلى المشكلة القيمية، ترى صحيفة «إسرائيل اليوم» في الوسط الحريدي مشكلة اقتصادية-اجتماعية أيضاً، إذ رغم أن أغلبية كبيرة من العائلات الحريدية مُصنفة في الخانة الاجتماعية-الاقتصادية الأدنى من المجتمع وتعيش تحت خط الفقر، إلا أن كثيرين من حاخامات الحريديم يسخرون من قضية «اكتساب الرزق بكرامة»، وتضيف الصحيفة: «من شأننا أن نصل إلى مرحلة انهيار منظومة الرفاه لاجتماعي في الدولة».
يُضاف إلى ذلك تهرّب الحريديم من الخدمة العسكرية، حيث بلغ عدد الذين يتهربون اليوم من الخدمة العسكرية أكثر من 55 ألف طالب في المعاهد الدينية، وكذلك ميل الحاخامات الحريديم إلى التشدد في فرض الشريعة اليهودية، ما يضعهم في مواجهة مع العلمانيين الذين سيشعرون بالمشكلة جراء تفاقم الظاهرة الدينية.
صحيح أن هذا الموضوع حتى الآن لا يثير اهتمام معظم العلمانيين، لأن الفتاوى الحريدية لا تمسّهم، لكن كلما ازداد الحريديم تطرفاً، اشتدت المظاهرات من النوع الذي رأيناه في الآونة الأخيرة في القدس، وعندها سيشعر العلمانيون أيضاً بمشكلة تفاقم الظاهرة الدينية.
في ضوء هذا الواقع، ترى الصحيفة أنه يتعين على الحكومة الإسرائيلية التطرق إلى المشكلة الحريدية بنفسها منذ اليوم، وعدم انتظار المستقبل الذي قد يجلب مشكلة عسيرة جداً يصعب حلها.