أميركا والصين والمواجهة الالكترونية
المجد-
لن تكن معركة محرك البحث العلمي (غوغل) الأخيرة مع السلطات الصينية، حادثة عابرة أو مجرد تنافس تجاري في سوق المعلومات الالكترونية أو الانترنت وحسب، وإنما هي مؤشر ملموس على اشتداد الحرب الالكترونية بين واشنطن وبكين، حيث جاءت هذه المعركة على اثر قيام الصين بتعطيل محرك البحث الأميركي العملاق (غوغل)، واستخدام محرك البحث الصيني (بايدو) محله.
وجدير ذكره في هذا الجانب أن الصين التي هي أكثر دول العالم سكاناً، تملك أكبر عدد من مستخدمي الانترنت في العالم، وهي في هذا الجانب تتفوق على أميركا نفسها، كما أنها عملت في السنوات الأخيرة على تطوير وتحسين قدراتها القتالية الالكترونية، ووفقاً لتقرير أصدرته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في وقت سابق، يتعلق بالقدرات العسكرية للصين، فإن الجيش الصيني يحاول ضمان توفر المعدات والخبرات المدنية في الكمبيوتر لتساعده في تدريباته وعملياته، وهو في هذا يستعين بالأكاديميين ومعاهد وشركات تكنولوجيا المعلومات لدمجهم في وحدات دعم للجيش في العمليات العسكرية.
والشيء الذي يحسب للصين، هو عندما تحسبت وتنبهت جيداً لأهمية الحرب الالكترونية منذ حرب الخليج الثانية، عندما شل سلاح الجو الأميركي في تلك الحرب، قدرات الأنظمة الدفاعية العراقية، بعدما دمر البنى الاتصالية التحتية للقيادة، مما أثار قلقاً واسعاً لدى بكين في ذلك الحين، الأمر الذي دفعها للبحث عن طرق مبتكرة لمقاومة التفوق التكنولوجي الأميركي في آسيا، وقد وجدت الصين ضالتها في اعتماد أميركا على تكنولوجيا المعلومات والأقمار الصناعية، فإذا تم تدمير أنظمتها الالكترونية فسوف تتمكن من الفوز بالحرب التكنولوجية في المستقبل.
والواقع أن مفهوم الحرب الالكترونية أو حرب المعلومات بالنسبة لبكين، يتمثل في خوض حرب ضد أميركا تعتمد على تشتيت وإثارة الاضطرابات في عملية صناعة القرارات. عبر الدخول إلى أنظمة الطرف الآخر واستخدام ونقل معلوماته، وهذا المفهوم أو التعريف هو باختصار نفس الاستراتيجية الأميركية في حرب الخليج الثانية، وقد توقف المراقبون والمعنيون في الحرب الالكترونية أمام تطوير صيني في هذه الاستراتيجية عندما تأكد لهم أن الصين وضعت ملحقاً اضطرارياً إذا صحت التسمية لاستخدام هذه الحرب بهدف التأثير في مرحلة تتعدى مرحلة صنع واتخاذ القرارات أثناء وقوع الحرب العسكرية، إذ أن استخدامها سيكون لغرض زيادة فرصها للانتصار في الحرب.
ومن الواضح أن الصين قد قامت بتشكيل وحدات خاصة بحرب المعلومات أو الحرب الالكترونية، وصل عددها إلى 33 وحدة في العام 2008، تتوزع على الجامعات ومراكز البحوث الحكومية وشركات المعلوماتية، وتتكون من عناصر شابة لا تتعدى الـ45 عاماً من العمر، لها خبرة كبيرة في المعلوماتية اكتسبتها عبر عملها في شركات مدنية تعمل في التكنولوجيا الرقمية، وكذلك فإنها تعرف لغة أجنبية أو أكثر كي يسهل عليها جمع المعلومات، إضافة إلى العناصر التي تأتي من المجال الأكاديمي.
وإذا كان الجانبان السياسي والعسكري من أهم جوانب الحرب الالكترونية بصورة عامة، فإنّ هناك جوانب أخرى، تسهم في دينامكية اشتعالها واتساعها، وهذه الجوانب تتعلق بالبنية التحتية من أسواق مالية ومعلومات عن الطيران وغيرها.
هذه الدوافع المختلفة للحروب الالكترونية أدت إلى تزايد الهجمات الالكترونية المعلن عنها عام 2007 لتعترف بخطرها وزارة الدفاع الأميركية رسمياً، والتي قال متحدث باسمها: "لقد شهدنا محاولات من جانب دول ومنظمات خارجة عن حكم دولتها للوصول إلى أنظمة معلومات وزارة الدفاع".
وعلى كل حال، يخطئ مَن يظن أن الخلاف الالكتروني الذي نشأ أخيراً بين واشنطن وبكين، هو أول معركة بين الطرفين، من واقع أن واشنطن سبق لها وأن أعلنت في السنوات الأخيرة عن حدوث خروقات صينية في مواقعها الالكترونية المهمة والاستراتيجية، بيد أن المعركة الأخيرة أجبرت الطرفين الأميركي والصيني على الاعتراف بحقيقة الحرب الالكترونية القائمة بينهما منذ سنوات، وتأكيداً على هذه الحرب، فإنّ أميركا في الأعوام الأخيرة وجهت إلى الصين اتهامات مباشرة أو غير مباشرة، بشأن عمليات الخرق التي تعرضت لها مواقع أميركية مهمة مثل: إغلاق الشبكة الالكترونية لكلية الحرب البحرية تماماً بفعل هجوم صيني، وقد حدد هدف الهجوم في مجموعة الدراسات الاستراتيجية التي كانت وقتها تطور مفاهيم الحرب الالكترونية.
إصابة أجهزة الكمبيوتر الخاصة بمكتب الصناعة والعلوم بوزارة التجارة بأعطال جعلتها لا تتصل بشبكة الانترنت لمدة شهر كامل، وهذا المكتب هو المسئول عن الصادرات التكنولوجية المتقدمة.
تعطل أنظمة الاتصال (البريد الالكتروني) بمكتب وزير الدفاع من دون أن يسمي البنتاغون مصدر الهجوم، وإن كانت تقارير إعلامية وجهت أصابع الاتهام إلى الصين.
وعموماً، فإنّ العمليات الهجومية الالكترونية تشترك فيها نحو 130 دولة، ولذلك، فإنّ الخبراء يتوقعون أنه في غضون عشرة إلى عشرين عاماً ستتسابق دول العالم على زعامة الحرب الالكترونية.