الاستطلاع العميق عند مخابرات الخلفاء الراشدين
المجد-
ضربت العيون في عصر الراشدين أروع الأمثلة في الاستطلاع العميق، موقع المجد .. نحو وعي أمني يقدم بعضاً من العمليات الاستخبارية التي تخدم الإسلام والمسلمين:
v عملية عبد الله بن حذف الحقيقي:
أثناء مواجهة ردة البحرين بقيادة العلاء بن الحضرمي سمع المسلمون في إحدى الليالي ضوضاء في معسكر العدو، كأنها ضوضاء هزيمة أو قتال، فأراد العلاء بن الحضرمي معرفة سبب ذلك فأرسل العلاء أحد عيونه وهو عبد الله بن حذف، والذي تدلى بحبل من الحصن، وسار إلى خندق العدو حيث ألقى القبض عليه، فاستغاث بأحد قيادي المرتدين من أخواله بني عجل، وهو أبجر من بجير فأجراه، وادعى عبد الله أن سبب مقدمه إلى معسكر المرتدين هو الجوع والضر، وأنه يريد العودة إلى قومه، ولذلك غادر معسكر المرتدين وقد قدم إليه أبجر الطعام رغم شكوكه في صحة ادعاءاته، واستطاع عبد الله أثناء مكوثه في معسكر المرتدين أن يرصد سبب الضوضاء وهو قدوم تجار بخمر فباعوه للمرتدين فشربوا حتى أصبحوا سكارى لا يعقلون، ثم قرر عبد الله بعد معرفة هذه الأخبار مغادرة المعسكر بسرعة وبمساعدة أبجر بن بجير الذي قدم له راحلة، وزيادة في الحيطة وعدم إثارة الشبهات حوْل أنه عين للمسلمين أو إلقاء القبض عليه، ركب الراحلة وبَعُدَ بها عن الحصن، ثم عاد وتسلق الجبل عن طريق الحبل صاعداً إلى حصن المسلمين حيث أخبر العلاء بن الحضرمي بما حصل عليه من معلومات، فقرر العلاء الخروج إلى المشركين وهاجمهم وقتل الكثير من المرتدين، وفر من بقي منهم.
إن عملية الاستطلاع هذه التي تعد بحق استطلاعاً عميقاً داخل معسكر الأعداء واستطاع عبد الله بن حذف بكل دهاء وذكاء أن يستغل قرابته من رجل ينتمي إلى معسكر الأعداء هو أبجر بن بجير، كما استطاع هذا العين تمثيل دور الجائع والراغب في النجاة بأي ثمن، والعودة إلى قومه، واستطاع أن يتسلق الجبل ذهاباً وإياباً من أجل أن يصل إلى الهدف الذي أراده قائده، وبالفعل أنجز المهمّة وأتى بالأخبار اليقينية للعلاء ابن الحضرمي، وبناءً عليه قرر العلاء مهاجمة العدو مستغلاً حالة سكره الشديد.
v عملية قيس بن هبيرة الأسدي:
أثناء معركة القادسية أرسل سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين وحدة استطلاعية مكونة من قيس بن هبيرة الأسدي وعمرو بن معدي كرب وطليحة بن خويلد لكي يأتوا بآخر الأخبار والمعلومات الخاصة بتوزيع ا لفرس لقواتهم وللاطلاع على آخر مواقف الجبهة الفارسية، وكانت هذه العملية الاستطلاعية عميقة داخل صفوف العدو، ، وقد نجحت المجموعة الاستطلاعية في الوصول إلى الهدف والحصول على المعلومات المطلوبة وعلموا أن العدو ـ القوات الفارسةـ قد تبادلت المواقع فيما بينها، حيث نزل رستم في النجف بدل ذي الحاجب، ونزل الأخير في مكان الجالينوس، ونزل الجالينوس في طيزناباد، نقلو أيضاً قيام الخيالة الساسانية بالانفتاح.
v عملية عمرو بن معدي كرب:
في معركة نهاود بين القوات الإسلامية بقيادة النعمان بن مقرن قائد قوات الكوفة، والقوات الفارسية الساسانية أرسل القائد النعمان بن مقرن وحدة استطلاعية مكونة من ثلاثة عيون هم: عمرو بن معدي كرب وعمرو بن سلمة العنزي، وطليحة بن خويلد الأسدي إلى مقر القوات الفارسية في الطزر فعاد عمرو بن معدي كرب وعمرو بن سلمة دون جدوى، أما طليحة بن خويلد توغل في عمق أراضي العدو أكثر من مئة وعشرين كيلومتراً حتى ساءت ظنون المسلمين به، وقد استطاع أن يصل إلى قرب مدينة نهاوند، فعلم أخبار العدو، وجمع المعلومات عن القوات الساسانية، ثمر رجع وأعلم القيادة الإسلامية أنه ليس بينها وبين نهاوند شيء يخشى منه، حيث لا قوات ولا موانع.
ومن الملفت للنظر أن طلحة لاشك أنه كان يعلم اللغة الفارسية، إذ لا يعقل أن يصل إلى عمق معسكر العدو ويدخل بينهم وسمعهم ويفهمهم دون أن يكون على معرفة بلغتهم، وليس هذا فحسب فلابد أن يكون قد تنكر في زي مثل زيّهم وأصبح كأنه واحد منهم، لدرجة أنه استطاع إنجاز المهمة بنجاح وعاد إلى معسكر المسلمين دون أن يعرفوه أو يقبضوا عليه.
v عملية حكيم بن جبلة العبدي:
أمر الخليفة عثمان بن عفان واليه على البصرة عبد الله بن عامر بإرسال أحد رجاله إلى هذه المنطقة وسماها ثغر الهند قبل القيام بأي عملية عسكرية في هذه المنطقة، فأرسل عبد الله بن عامر عيناً له إلى ثغر الهند هو حكيم بن جبلة العبدي، لكي يأتي بمعلومات كاملة عن هذا الثغر وأن يقدم بها تقريراً مفصلاً للخليفة عثمان بن عفان، وعندما عاد حكيم بن جبلة من عمليته الاستطلاعية أوفده عبد الله بن عامر إلى الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه فسأله عن طبيعة المهمة التي أنجزها وعن الأقاليم فقال: يا أمير المؤمنين قد عرفتها تنحرتها، فقال: صفها لي، فقال: ماءها وشل، وتمرها دقل ولصها بطل، إن قلّ فيها الجيش ضاعوا وإن كثروا جاعوا" فأمر بعدم القيام بأي عملية في الإقليم.
لقد حرص القادة العرب المسلمون على توجيه العمليات الاستطلاعية سواء العسكري تمثل وحدة استطلاعية أو فرادي من فرد واحد، وذلك قبل الشروع بالتحرك العسكري تجاه هذه المنطقة أو الإقليم الموجه إلى العملية الاستطلاعية.